سابقتان تاريخيتان سجلهما لبنان أخيراً؛ الأولى بصدور مذكرة توقيف دولية من قبل الإنتربول بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، والثانية مواصلة الحاكم العمل في منصبه رغم ذلك، ليتحمل الاقتصاد اللبناني والمواطن تبعات انهيار اقتصادي تتابعت فصوله بلا انقطاع.
وفي تقرير للبنك الدولي تحت عنوان «التطبيع مع الأزمة ليس طريقاً للاستقرار»، أشارت المؤسسة الدولية إلى تسجيل لبنان معدل تضخم هو الأعلى عالمياً حيث وصل إلى 171.2 في المئة، مترافقاً مع تدهور تراكمي لليرة اللبنانية بلغت خسائرها فيه نحو 98 في المئة في فبراير شباط.
ونص التقرير بوضوح على أن سياسات المركزي اللبناني النقدية لم تنجح في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنقدي منذ عام 2021، وأن منصة «صيرفة للصرف الأجنبي ليست أداة نقدية غير مؤاتية وحسب، بل إنها تحولت إلى آلية لتحقيق أرباح من عمليات المرابحة، وتشكل نموذجاً للسياسات الضعيفة وغير مجدية غالباً».
«أساليب ملتوية لضبط سعر الصرف»
«صيرفة» منصة إلكترونية أطلقها مصرف لبنان في يونيو حزيران 2020 بهدف مواكبة تحرير سعر الصرف، حيث أصبحت كل عمليات البيع والشراء للعملات الأجنبية تمر عبرها.
ويقول جان طويلة، الخبير الاقتصادي وعضو مجلس إدارة الجمعية اللبنانية للمكلفين «لكن في الحقيقية إن الشروط والعوائق التي وضعها المركزي حدت من قدرة المؤسسات والأشخاص على استكمال عملياتهم على منصة صيرفة، الأمر الذي أسهم في ازدهار سوق موازية حالت دون تحقيق المنصة لهدفها المنشود في استقرار وتحرير سعر الصرف وفق قواعد العرض والطلب».
وقال سامي نادر، مدير مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» إن «منصة صيرفة هي من الأساليب الملتوية لضبط سعر صرف الليرة بطريقة اصطناعية»، مضيفاً «دفع رواتب القطاع العام بالعملة الأجنبية وبتمويل من منصة صيرفة ليس إلا أداة لخلق طلب اصطناعي على الليرة اللبنانية، وهذه أساليب غير مناسبة لتحقيق سياسات نقدية فعالة وشفافة».
وشدد نادر على أن «صيرفة لا تلتزم بمعايير الحوكمة المطلوبة، فمن غير المفترض أن تكون حكراً على البعض» متسائلاً «عشية أزمة 2019، كانت احتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية تتخطى الـ34 مليار دولار، واليوم تقدر بأقل من عشرة مليارات دولار، أين ذهبت هذه الأموال؟».
وقدر تقرير البنك الدولي تراجع قيمة الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان بـ2.6 مليار دولار في عام 2022.
لا بديل عن الصرافين لشراء الدولار أو بيعه
يعتمد البنك المركزي على إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي المتضائل لتأمين الدولار على المنصة، كما يلجأ إلى طبع العملة لشراء الدولار في السوق الموازية قبل التدخل على منصة صيرفة، وهي أدوات نقدية غير فعالة ومكلفة، وفق تقرير البنك الدولي.
وعقب نادر أن هناك أرباحاً هائلة حققها مصرف لبنان نتيجة العمليات المصرفية لمنصة صيرفة وتفاوت الأسعار يتيح الأرباح عبر المضاربة، بحسب قوله.
وما يعزز هذه الشكوك وفق نادر، تعدد أسعار الصرف.
ويضيف طويلة في السياق نفسه «المصرف المركزي هو المتحكم الكامل في عمليات ضخ الأموال الأجنبية التي مصدرها الاحتياطي المركزي بالعملات الأجنبية والتي هي أساساً ودائع العملاء في القطاع المصرفي».
وأكد نادر أن هذه المنصة لم تلتزم بمعايير الحوكمة، وليست أداة للسياسة النقدية، المواطن العادي -بحسب نادر- يلجأ إلى الصرافين من أجل الحصول على الدولار أو بيعه.
وقال طويلة إن استمرار تطبيق هذه السياسات النقدية سيفضي إلى المزيد من ارتفاع أسعار السلع والتضخم.