عدة استحقاقات ينتظرها لبنان، تبدأ بحسم موضوع رئاسة الجمهورية، مروراً بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان المركزي عقب انتهاء ولاية رياض سلامة، وقرب موعد انتهاء ولاية قائد الجيش بسبب السن أواخر هذا العام، وصولاً إلى تسوية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

تتزامن هذه الاستحقاقات مع موعد التقييم المالي للبنان من «مجموعة العمل المالي» (FATF)، وهي منظمة حكومية دولية تعنى بوضع ومراقبة تطبيق معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وفي ظل غياب إعلان رسمي من المنظمة، تتأرجح المعلومات بين إمكانية إدراج لبنان على القائمة الرمادية للدول غير المتعاونة بشكل كاف وبين إمهال البلد فترة عام لمباشرة الإصلاحات المطلوبة.

وتُطرح في هذا السياق عدة تساؤلات جوهرية حول تداعيات هذا التقييم على الدولة اللبنانية وأفرادها، وما الإجراءات المطلوبة لتفادي إدراج لبنان مجدداً على قوائم «مجموعة العمل المالي».

التصنيف الرمادي

«الأمور تتدحرج والناس تتفرج»، صرخة ألم أطلقها بول مرقص، المحامي ومؤسس «جوستيسيا الحقوقية» في لبنان، والذي يقول لـ«CNN الاقتصادية» إنه قضى 20 عاماً من حياته يكافح ضد غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وها هو يرى بلده مهدداً بالتصنيف على اللائحة الرمادية للمجموعة.

وتقول هالة أبو علوان، خبيرة الجرائم المالية، «اللائحة الرمادية تعني القصور الاستراتيجي في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، وعندما تضع مجموعة العمل المالي بلداً تحت المراقبة المتزايدة فهذا يعني أن هذا البلد التزم بإيجاد حل سريع لأوجه القصور ضمن الأطر الزمنية المتفق عليها».

وتابعت «فيما تُصنف الدول التي تعاني من أوجه قصور استراتيجية خطيرة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح على القائمة السوداء التي تعد من الدول عالية المخاطر».

وقال مرقص إن لبنان كان على اللائحة السوداء للدول غير المتعاونة في عام 2000، لكن إصدار قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عام 2001 وانضمامه إلى «منظمة أغمونت» جعلته ريادياً في مكافحة غسل الأموال إلى فترة قريبة حين تدهورت الأمور بشكل كبير.

وقال سمير حمود، الرئيس السابق لـ«هيئة الرقابة» على المصارف في لبنان إن الخلل في النظام المصرفي هو المشكلة الرئيسية ولا يمكن الاستمرار بهذا الشكل، مؤكداً أن اعتماد لبنان على الاقتصاد النقدي قد يتيح المجال أمام عمليات تبييض الأموال.

ويقول مرقص «أعاد تفلت العمل المصرفي والتعامل النقدي وعدم تبني إجراءات إصلاحية للسياسة المالية والنقدية المطلوبة، الوضع إلى الوراء في لبنان، ما سيؤثر سلباً على موضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب».

أضرار يمكن تلافيها

سيلقي التصنيف الرمادي من قبل «مجموعة العمل المالي» بظلاله على عمليات التمويل المصرفية وفتح الاعتمادات المستندية وتمويل الاستيراد والتصدير.

ويشدد حمود على أنه لا يمكن حرمان لبنان من شريانه الحيوي المتمثل بالتحويلات إلى الخارج والاستيراد.

ويضيف مرقص «هذه المصارف ستلجأ إلى سياسة خفض المخاطر والتوفير في تكلفة الامتثال في حال وقوعها في شرك عمليات غسل أموال وتمويل إرهاب نتيجة التعاملات النقدية الرائجة في لبنان المتصلة ببيع الشيكات والابتعاد عن استخدام البطاقات المصرفية وسواها».

ونبه إلى أن توخي الحذر من جانب بنوك المراسلة قد يؤدي إلى انسحاب تدريجي من التعاملات وهو ما شرعت فيه بعض البنوك بالفعل.

وحذر حمود من خطورة تخارج بنوك المراسلة من السوق اللبنانية، لكنه لفت إلى ضرورة التشدد في إجراءات الرقابة من جانب البنوك اللبنانية، لا سيما أن هذه الأخيرة تحرص على علاقات صحية مع نظيراتها الأجنبية.

وأشار إلى أن إقفال بنوك المراسلة للحسابات اللبنانية ستكون له تداعيات سلبية وسيزيد من التعاملات الورقية في وقت يتجه فيه العالم إلى الرقمنة.

لا مفر من الإصلاح

اعتبر حمود أن نظام لبنان المصرفي غير سليم، إذ لا تضطلع البنوك بدور الوساطة كما يجب بين المودع والمقترض، فيما يقتصر دور البنك المركزي على الصرافة.

وتتطلع بيوت المال ومنظمة العمل المالي اليوم إلى هوية وخصائص حاكم مصرف لبنان الجديد الذي يصعب التكهن بنمط عمله وسياسته، وفقاً لحمود الذي أكد أن القضايا الساخنة في لبنان ليست إلا «ورقة الابتزاز» لحسم موضوع رئاسة الجمهورية التي وصفها بأنها حجر زاوية في ولادة جديدة للبنان.

واعتبر أن مباشرة الإصلاح بات أمراً لا مفر منه، لا سيما أن البنك المركزي حريص على عدم تسهيل غسل الأموال.

في المقابل، اعتبر مرقص أن انهيار لبنان بات قاب قوسين أو أدنى، وقال «المطلوب ليس ابتكار حلول لترميم وإدارة أزمات، بل رؤية إنقاذية ومكافحة الفساد لتفادي انحدار لبنان إلى الهاوية».