في خطوة تمضي على عكس التوجه العالمي لرفع أسعار الفائدة من أجل احتواء التضخم، عمدت البنوك الحكومية الصينية الكبرى إلى خفض تكاليف الاقتراض في مسعى يستهدف تعزيز النمو الاقتصادي.
«الصين ربما تنجح برفع التضخم وبرفع القدرة الاستهلاكية الداخلية، ولكن التحدي الأكبر هو الصادرات والتجارة الخارجية»، هذا ما قاله مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «بي دي سويس»، تعليقاً على الخطوة الصينية.
وقال سلهب لـ«CNN الاقتصادية» إن «الصين ليست فقط أكبر اقتصادات العالم، إنما أيضاً أكبر مشترٍ للسلع في العالم، وثاني أكبر مشترٍ للطاقة في العالم بعد الولايات المتحدة، فسياساتها تؤثّر بشكلٍ كبير على التجارة العالمية».
وأضاف أن الصين تمضي بسياستها التيسيرية بخفض الفائدة في اتجاه معاكس للولايات المتحدة التي تعمل على تشديد الائتمان ورفع أسعار الفائدة على أمل كبح جماح التضخم.
وأكد سلهب أن تجارة الصين الخارجية إلى تراجع وخاصة مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن خفض الفائدة قد يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، إلّا أن ذلك لن يؤثر على حركة التجارة الخارجية.
وللمرة الثانية خلال عام، خفّضت أكبر ستة بنوك حكومية في الصين أسعار الفائدة على الودائع يوم الخميس، حيث تبحث بكين عن طرق لتعزيز النمو.
وعرض البنك الصناعي والتجاري الصيني، وبنك التعمير الصيني، وبنك الصين فائدة تُقدّر بنحو 2.45 في المئة إلى 2.50 في المئة على الودائع لأجل ثلاث وخمس سنوات، بانخفاض 15 نقطة أساس عن سبتمبر أيلول.
وأقرت بنوك أخرى تخفيضات مماثلة مثل بنك التوفير البريدي الصيني والبنك الزراعي الصيني وبنك الاتصالات.
تضرر الانتعاش الاقتصادي في الصين من جراء ضعف مبيعات العقارات وتراجع الإنتاج والاستهلاك الصناعيين، في حين أن انتعاش ما بعد الوباء لم يرقَ إلى التوقعات.
وقال سلهب إن تعافي الاقتصاد الصيني كان أقل من التوقعات في الربع الأول من 2023، حيث تراجعت الصادرات الصينية وكان لذلك أثر سلبي على الاقتصاد الصيني المعتمد بشدة على مستويات الطلب العالمي.
وأضاف أن التضخم في الصين مستقر عند أدنى مستوى منذ فبراير شباط 2021 وإذا لم تكن الحكومة الصينية قادرة على دعم هذا الاقتصاد، فقد يتجه الاقتصاد العالمي نحو ركود أسرع في 2023.
و أكد سلهب أن هذا الإجراء يهدف إلى تحفيز الاقتصاد وزيادة إنفاق المواطن الصيني، محذراً من أن تخفيض الفائدة قد لا يعطي إشارات إيجابية للأسواق، بل قد ينعكس سلباً على الأسهم، إذ يمكن أن يفسّر هذا الخفض بأن الاقتصاد الصيني في ضعف وتراجع في الوقت الحالي».
وفي ظل عدم التعافي الكامل للاقتصاد الصيني، فإن التناقض في السياسات النقدية بين الصين وباقي العالم يهدف بالأساس لدعم اليوان.
وباتساع فارق أسعار الفائدة بين واشنطن وبكين، في ظل تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مقابل إبقاء الصين على التيسير النقدي يزداد التباعد الاقتصادي بين العملاقين الاقتصاديين، ورغم قدرة الصين على تحقيق نمو داخلي، فإن هناك تحذيرات متنامية حيال تجارتها الخارجية.
وقال ياسر جاد الله، أستاذ الاقتصاد والمدير المؤسس لمركز البحوث الصينية، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، إن انخفاض الفائدة ينعكس على انخفاض تكلفة الإنتاج ويعزز القدرة التنافسية للصين في السوق العالمية.
وتابع أن الصين لا تزال تشهد معدلات نمو وإن كانت متباطئة، في حين أن خفض الفائدة مسار غير موجود في معظم دول العالم، مشيراً إلى أن الصين تظهر مثالاً جديداً في التعامل مع التضخم العالمي باتباع مسار معاكس للمسار العالمي.