منذ شهر مارس آذار الماضي، كانت مصر تتوقع زيارة من صندوق النقد الدولي لكن الزيارة لم تأتِ ولا يوجد جدول محدد حتى الآن لموعدها.

كان هدف الزيارة إجراء المراجعة الأولى لبرنامج مصر الجديد والتي اتفقت بموجبه على الحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار يُصرف على 46 شهراً.

ويعني عدم توصل مصر إلى اتفاق حول المراجعة الأولى لقرضها مع الصندوق حتى الآن أنها لن تحصل على الشريحة الثانية من القرض بقيمة نحو 347 مليون دولار.

ومن المنتظر أن تحل أنطوانيت سايه، نائبة مدير صندوق النقد الدولي، ضيفة على مصر الأسبوع المقبل للمشاركة في إطلاق ورقة بحثية أعدها الصندوق حول «إدارة المخاطر المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، حسب ما قال الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في مصر، سعيد بخاش، لـ«CNN الاقتصادية».

وأضاف: «خلال زيارتها، ستلتقي سايه مع السلطات المصرية وأصحاب المصلحة الآخرين لتبادل وجهات النظر حول الوضع الاقتصادي وجهود الإصلاح اللازمة لضمان استقرار الاقتصاد المصري وتعزيز النمو الشامل».

ولم يقدم ممثل الصندوق أي إشارة حول موعد بدء المراجعة الأولى لبرنامج مصر، لكن يبدو أن الشهر الجاري سيكون «نقطة فاصلة وحاسمة في ملف صندوق النقد مع مصر»، حسب ما قالت منى بدير، كبير الاقتصاديين في أحد البنوك المصرية الخاصة لـ«CNN الاقتصادية».

أسباب تأخير مراجعة مصر

على الجانب الآخر، خرجت تصريحات دبلوماسية من الحكومة المصرية و صندوق النقد الدولي تؤكد أنهما في نقاش مستمر بشأن التوصل لموعد لبدء المراجعة دون الحديث بشكل واضح عن أسباب التأخير.

لكن مسؤولي الصندوق لم يتركوا مناسبة إلّا وأكدوا فيها أن مصر عليها الالتزام بتطبيق سعر صرف مرن والإسراع في بيع حصص في شركات حكومية لإفساح المجال للقطاع الخاص فيها، وهو ما قد يشير إلى السبب الرئيسي للخلاف.

وبحسب ما ذكره جان ميشيل صليبا -الخبير الاقتصادي المعني بمنطقة الشرق الأوسط لدى بنك أوف أمريكا- لـ«CNN الاقتصادية» فإن العقبات الرئيسية التي قد تكون أمام بدء المراجعة الأولى لمصر هي التقدم في عملية بيع الأصول وزيادة مرونة سعر صرف الجنيه.

وهو ما أكدته بدير إذ قالت «من الواضح أن الحكومة المصرية واجهت صعوبة لزيادة مرونة سعر الصرف في ظل شُح كبير في السيولة الدولارية».

ومنذ مارس آذار الماضي، يقبع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه دون حاجز 32 جنيهاً، في وقت يُتداول فيه الدولار في السوق الموازية بين 38 و40 جنيهاً.

وعلى صعيد بيع الأصول الحكومية، لم تحقق مصر إلّا القليل من التقدم، إذ لا تزال تتفاوض على بيع حصص في شركات وبنوك حكومية كانت تتوقع أن تحصل منها على ملياري دولار بنهاية يونيو حزيران الجاري.

وبحسب بدير، فإن الحكومة المصرية عليها التحرك بشكل حاسم في ملف بيع الأصول المملوكة لها، بما يضمن لها الحصول على تدفقات دولارية تسمح لها بتقليل حدة تقلبات سعر الصرف.

ماذا يعني تأخر المراجعة الأولى لمصر؟

كانت مصر تعول كثيراً على اتفاق صندوق النقد الدولي والمضي قدماً فيه، إذ إنه يُؤمِن تمويلاً إضافياً بنحو 14 مليار دولار من الشركاء الدوليين والإقليميين، بحسب الاتفاق المعلن بين الطرفين.

هذا الاتفاق يعني مزيداً من السيولة الدولارية التي تحتاج إليها مصر بشكل عاجل، إذ يضغط النقص الحاد في الدولار على كل مقومات الاقتصاد المصري في ظل التراجع الحاد لسعر صرف الجنيه.

وفي هذا السياق، قالت كالي ديفيس، الاقتصادية في «أكسفورد إيكونوميكس إفريقيا» والمتخصصة في متابعة اقتصادات مصر والمغرب والجزائر، لـ«CNN الاقتصادية» إن «تأخر المراجعة سيؤثر سلباً على الثقة الدولية تجاه مصر، ما قد يضر بتدفقات العملات الأجنبية، فعلى سبيل المثال يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي تنتظر إشارات إضافية على الالتزام بمرونة سعر الصرف قبل شراء الأصول المصرية».

ولا تملك مصر الآن رفاهية التخلي عن اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، إذ سيكون من الصعب تأمين مصادر خارجية بديلة للتمويل، بحسب صليبا.

وتقول بدير إن «خيارات الحكومة المصرية حالياً محدودة لأن طبيعة الأزمة الحالية تضغط بشدة على توقعات مسار سعر صرف العملة، وتؤثر على تدفقات مصادر النقد الأجنبي الأخرى لمصر، مثل تحويلات المصريين العاملين في الخارج واستثمارات الأجانب في أدوات الدين».

وترى بدير أنه على مصر التوصل لحل يضمن لها الالتزام بالإصلاحات المنصوص عليها، خاصةً في ما يتعلق بدور الدولة في النشاط الاقتصادي، ومرونة سعر الصرف، وبيع حصص في شركات حكومية.

بينما ترجح الاقتصادية في «أكسفورد إيكونوميكس إفريقيا» ألّا تتخلى مصر صراحة عن برنامج صندوق النقد، موضحة أن السيناريو الأكثر احتمالاً هو أن يظل تقدم الدولة في إنجاز متطلبات البرنامج ضعيفاً، ما يؤدي لتأخر المراجعات وفقدان البرنامجِ هدفَه في النهاية.