تطرق الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، للحديث لأول مرة عن المطالبات بشأن مرونة سعر الصرف في مصر، ملمحاً إلى أنه لا مزيد من المرونة لأن هذه الخطوة قد تضر بالأمن القومي لمصر ومواطنيها.
قد يلقي حديث السيسي حجراً في المياه الراكدة بين مصر وصندوق النقد الدولي منذ فترة، إذ لا تزال مصر في انتظار مراجعة الصندوق الأولى لبرنامجها الاقتصادي، في وقت يتمسك الصندوق فيه بضرورة مرونة سعر الصرف.
وقال السيسي على هامش حضوره أحد المؤتمرات معلقاً على سعر الصرف «نحن مرنون فيه.. لكن عندما يتعرض الموضوع لأمن مصر القومي وأن يضيع الشعب المصري.. لا، لا، لا، لا».
ماذا تعني مرونة سعر صرف الجنيه؟
مع توصل مصر لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار، تعهدت القاهرة بمرونة سعر الصرف، أي ترك سعره يُحدد وفقاً للعرض والطلب أو ما يعرف بالتعويم الحر.
وخفضت مصر سعر عملتها أكثر من مرة بقيمة بلغت نحو 50 في المئة منذ العام الماضي، كان آخرها في مارس آذار الماضي، ومنذ ذلك التاريخ يقبع سعر الصرف قرب حاجز 32 جنيهاً، بينما يتداول السعر في السوق الموازية بين 38 إلى 40 جنيهاً.
لكن السيسي ألمح إلى أنه لا مزيد من المرونة، قائلاً «حتى لو هذا الكلام يتعارض مع…» دون أن يكمل عبارته، ما اعتبره البعض إشارة إلى التزامات مصر مع صندوق النقد.
بحسب علي متولي، باحث مساهم لقسم الشرق الأوسط بوحدة الاستخبارات الاقتصادية لدى «إي آي يو»، فإن السيسي ربما يقصد التعويم الكامل للجنيه وليس تخفيضه، لأن التعويم الحر يمكن أن يهوي بسعر الصرف ليصبح 40 جنيهاً مقابل الدولار الواحد.
ويضيف لـ«CNN الاقتصادية» أن خفض الجنيه قد يسمح للبنك المركزي المصري بجعل سعر الصرف يقف بين 33 أو 34 جنيهاً ليقترب من سعره في السوق الموازية، مشيراً إلى أن تخفيض الجنيه بنسبة قليلة قد لا يزال حلاً مطروحاً لمصر.
وتعاني مصر من ندرة في العملة الأجنبية، ما تسبب في تراجع حاد في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، ما أسهم في موجة تضخمية كبيرة لم تشهدها البلاد من قبل.
ويقول متولي «تكمن أزمة السيولة الدولارية في مصر في السوق الرسمية، إذ يملك الأفراد في السوق الموازية عملة صعبة لكن العكس بالنسبة للقطاع المصرفي».
ويقدر « غولدمان ساكس» في تقرير حديث له قيمة ما يحتاجه البنك المركزي المصري للانتقال إلى سعر صرف أكثر مرونة بنحو خمسة مليارات دولار، وهي احتياجات تخص متطلبات النظام المصرفي، وليس كل احتياجات العملة الصعبة في مصر.
مصر وصندوق النقد
تأتي تصريحات السيسي في ظل عدم وضوح رؤية كبير في العلاقة بين مصر وصندوق النقد، إذ كان من المقرر أن تأتي بعثة من الصندوق في مارس آذار الماضي، لإجراء المراجعة الأولى لقرض مصر لكن هذه البعثة لم تأتِ بعد.
ورغم التصريحات الدبلوماسية بين الحكومة المصرية وصندوق النقد، حول استمرار المناقشات بينهما للتوصل لموعد لبدء المراجعة، فإن مسؤولي الصندوق لم يتركوا مناسبة إلّا وأكدوا فيها أن مصر عليها الالتزام بتطبيق سعر صرف مرن والإسراع في بيع حصص في شركات حكومية لإفساح المجال للقطاع الخاص فيها، وهو ما قد يشير إلى السبب الرئيسي للخلاف.
ولم يرد صندوق النقد على طلب من «CNN الاقتصادية» للتعليق على تصريحات السيسي بشأن مرونة سعر الصرف.
ويرى مدحت نافع، المحاضر في كليه الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن «النظام الحالي لسعر الصرف هو المناسب للاقتصاد المصري، ولا يعني نقض الاتفاق مع صندوق النقد الدولي».
ويضيف لـ«CNN الاقتصادية» إن «الحديث عن تطبيق تعويم كامل للجنيه هو ضرب من الخيال، نظراً لعدم وجود فوائض مالية كبيرة في مصر تدعم التحرير الكامل لسعر الصرف».
وتابع «غير صحيح أنه لا بديل لاتفاق مصر مع صندوق النقد للخروج من أزمتها وإلا لما كان الطرفان في تفاوض مستمر، وكانت مصر قبلت من البداية بكل شروط الصندوق».
في المقابل، يرى «غولدمان ساكس» أن هناك مخاطر بشأن برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي، في ظل عدم وجود مبيعات كبيرة في الأصول الحكومية، والمخاوف بشأن تراجع العملة والتي ستعوق الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن.
لكن نافع يعتقد أن الحل الأمثل في حال تأخر تمويل صندوق النقد عن مصر هو النجاح في تخارج الدولة من الشركات الحكومية وهو ما يعطي سيولة دولارية تسمح بالمزيد من المرونة في سعر الصرف.