تابع العالم عن كثب الصراع بين قوات فاغنر الروسية المتمردة والجيش الروسي، والذي تفاقم بشكل سريع ممثلاً تحدياً كبيراً لروسيا، قبل أن يتراجع قائد المجموعة يفغيني بريغوجين، مصدراً الأوامر لقواته بالتراجع والعودة إلى قواعدهم لعدم إراقة الدماء.
هذا الخلاف بين مجموعة فاغنر -التي يقودها رجل الأعمال يفغيني بريغوجين الشهير بـ«طباخ بوتين»-، والقادة العسكريين في روسيا تصاعد خلال الأسابيع الماضية، وصولاً إلى إعلان «تمرد المجموعة»، والسيطرة على مدينة روستوف، ذات الأهمية الاستراتيجية في مسار الحرب بأوكرانيا.
وتسبب انتقاد قائد مجموعة فاغنر للمؤسسة العسكرية الروسية خلال الأسابيع الماضية إلى تصعيد التوترات بشكل كبير، وجاء الرد من بعض الجنرالات الروس، متهمين مؤسس فاغنر بتنفيذ انقلاب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما أدى لتطور التمرد.
وهدد الصراع بين الطرفين بأزمة جديدة في سلسلة الإمدادات، لذا ترقب العالم الخلاف، خاصةً الدول التي تعتمد على روسيا في الإمدادات الرئيسية لسلة الغذاء لديها، إذ تصدر روسيا في الوقت الحالي نحو 80 في المئة من حبوبها إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتشكل تركيا ومصر وإيران والسعودية والجزائر أكبر خمسة مشترين، بحسب رئيس اتحاد مصدري الحبوب الروسي إدوارد زيرنين.
سلة الغذاء العالمية
تعد منطقة البحر الأسود مورداً مهماً للسلع الزراعية للعالم، وفي خلال العام الماضي تعرضت أسواق الحبوب والبذور الزيتية العالمية للاضطراب بسبب الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا.
وفي بداية الأمر، قُطعت صادرات الحبوب والبذور الزيتية الأوكرانية عبر الطرق البحرية تماماً، ولكنها عادت للتدفق مرة أخرى، وذلك بتسهيل من الأمم المتحدة من خلال مبادرة حبوب البحر الأسود، وفي الوقت نفسه أصبح الاتحاد الأوروبي مستورداً رئيسياً ونقطة إعادة شحن للحبوب الأوكرانية في إطار مبادرة «ممرات التضامن»، بما في ذلك ميناء كونستانتا على البحر الأسود في رومانيا.
ومع ذلك، فإن أبرز مصدر في منطقة البحر الأسود هي روسيا، حيث تستمر الصادرات القوية في التدفق في 2022/23 ومن المتوقع أن تصل إلى رقم قياسي لصادرات القمح السنوية، وعلى الرغم من وجود تحديات في التصدير وفقاً للحكومة الروسية، فقد ازدهرت صادرات الحبوب والبذور الزيتية الروسية خلال العام الحالي مع وفرة الإمدادات والأسعار التنافسية.
الإنتاج والمخزون الروسي 2022/2023
على مدى العقد الماضي زاد الإنتاج الروسي من الحبوب والبذور الزيتية بشكل كبير بسبب توسع مساحة بعض المحاصيل وتحسين الغلات لبعض المحاصيل، وقد زاد إنتاج جميع الحبوب الرئيسية والبذور الزيتية في روسيا خلال عام 2022/23، وبالفعل حققت روسيا إنتاجاً قياسياً من القمح وعباد الشمس وبذور اللفت التي انتعشت مع الظروف الجوية المثالية في 2022/23، وتضاعف إنتاج القمح تقريباً عما كان عليه قبل عقد من الزمان.
وفقاً لتقديرات وزارة الزراعة الأميركية لإنتاج القمح في روسيا لعام 2022/23 فقد بلغ نحو 92.0 مليون طن متري، بزيادة 22 في المئة على العام الماضي و18 في المئة أعلى من متوسط الخمس سنوات.
توسع صادرات الحبوب والبذور الزيتية الروسية في 2022/2023
توفر بيانات تحميل السفن في الموانئ مصدراً للمعلومات عن وجهة السفن، وتشير البيانات إلى زيادة صادرات القمح إلى الشرق الأوسط وإفريقيا ودول أخرى في الأشهر العشرة الأولى من السنة التسويقية لعام 2022/23 مقارنة بالعام السابق، إذ تُظهر البيانات من السنوات القليلة الماضية بعض أسواق التصدير الكبيرة للحبوب في الشرق الأوسط وإفريقيا، بما في ذلك مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية، وإيران، وكازاخستان ونيجيريا، في حين تشمل أهم أسواق زيت عباد الشمس كلاً من الصين وتركيا ومصر، وتشمل الأسواق الرئيسية لأسواق مسحوق عباد الشمس تركيا والاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا.
وتعتبر تركيا شريكاً تجارياً رئيسياً للقمح ومشتقات عباد الشمس، إذ تظهر البيانات حتى فبراير 2023 استمرار الصادرات القوية لروسيا وتوسيع حصتها في السوق، وكان من المتوقع أن تصل صادرات القمح الروسي إلى مستوى قياسي يبلغ 45.0 مليون طن في 2022/23، بزيادة 36 في المئة على العام السابق و3.5 مليون طن فوق الرقم القياسي السابق في 2017/2018، هذا هو أعلى بكثير من ثاني أكبر مصدر بالإشارة لصادرات قمح الاتحاد الأوروبي عند 35.0 مليون طن.
ووفقاً لتقرير «إس آند بي غلوبال» فمن المتوقع أن تسجل صادرات القمح الروسي انخفاضاً في سنة 2023-2024 ليصل إلى 40 مليون طن متري، مقابل 44 مليون طن متري في 2022-2023، وأيضاً قالت «إس آند بي غلوبال» إنه في الفترة من 2023 إلى 2024، من المرجح أن تحصد روسيا 84 مليون طن متري، مقابل 92 مليون طن متري في عام التسويق الحالي.
تتراوح الكميات الشهرية لصادرات القمح الروسي عن طريق البحر بين 2.0 إلى 4.5 مليون طن خلال العام التسويقي الحالي، بمتوسط نحو 3.5 مليون طن، كانت أكبر أسواق السفن البحرية هي تركيا ومصر وإيران والمملكة العربية السعودية والسودان والجزائر.
أسعار الصادرات الروسية
كانت صادرات القمح الروسي قوية خلال 2022/2023 بسبب الأسعار التنافسية لمعظم السنة التسويقية التي بدأت في يوليو 2022، وعلى مدار العقد الماضي برزت منطقة البحر الأسود باعتبارها المورد الأكثر تنافسية للقمح، ونتيجة لذلك أصبحت العديد من البلدان في إفريقيا وآسيا تعتمد على المنطقة في امدادات القمح، تشمل المصدرين الرئيسيين من منطقة البحر الأسود رومانيا وأوكرانيا وروسيا، وتعتبر أسعارهم أقل عموماً من الولايات المتحدة، في حين مكنت الميزة السعرية لروسيا من الاستحواذ على حصة كبيرة في السوق داخل تركيا ومصر، وهما اثنتان من أكبر ثلاثة مستوردين في العالم.
تقرير الأمن الغذائي العالمي
وفقاً لآخر تحديث لتقرير الأمن الغذائي الذي صدر في وقتٍ سابق من شهر يونيو حزيران، فلا يزال تضخم أسعار الغذاء المحلي مرتفعاً في جميع أنحاء العالم، وتُظهر المعلومات المأخوذة من الشهر الأخير، بين يناير كانون الثاني 2023 وأبريل نيسان 2023 عن بيانات تضخم أسعار المواد الغذائية، ارتفاعاً في معدلات التضخم في معظم البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، مع ارتفاع التضخم عن 5 في المئة في 70.6 في المئة من البلدان منخفضة الدخل، و81.4 في المئة من البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى، و 84 في المئة من البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى، بالإضافة إلى ذلك يعاني 80.4 في المئة من البلدان ذات الدخل المرتفع من تضخم مرتفع في أسعار المواد الغذائية، والبلدان الأكثر تضرراً هي إفريقيا وأميركا الشمالية وأميركا اللاتينية وجنوب آسيا وأوروبا وآسيا الوسطى.
في 17 مايو أيار 2023 وافقت روسيا على تمديد مبادرة حبوب البحر الأسود لمدة شهرين، وهي صفقة سمحت لأوكرانيا بشحن الحبوب عبر البحر الأسود إلى أجزاء من العالم تواجه الجوع، ما يعزز الأمن الغذائي العالمي.
صُدر أكثر من 30 مليون طن من المواد الغذائية في إطار هذه المبادرة لتصل إلى بعض الدول والأشخاص الأكثر ضعفاً في العالم، بما في ذلك 30 ألف طن من القمح الذي تم تصديره مؤخراً من أوكرانيا إلى السودان.
يوفر توسيع المبادرة بشكل أساسي الإغاثة للبلدان في إفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من آسيا التي تعتمد على القمح والشعير والزيوت النباتية الأوكرانية وغيرها من المنتجات الغذائية ذات الأسعار المعقولة.
ساعدت المبادرة على خفض أسعار السلع الغذائية مثل القمح خلال العام الماضي، على الرغم من أن تضخم أسعار المواد الغذائية المحلية لا يزال مرتفعاً في العديد من البلدان، وحذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) من أن الأمن الغذائي من المرجح أن يتدهور أكثر في 18 نقطة ساخنة للجوع في 22 دولة في الفترة المتوقعة من يونيو إلى نوفمبر 2023، وتظل أفغانستان ونيجيريا والصومال وجنوب السودان واليمن مصدر قلق كبيراً للتوقعات من يونيو إلى نوفمبر 2023، وتم رفع مستوى هايتي والسودان ومنطقة الساحل (بوركينا فاسو ومالي) إلى مستويات تثير القلق الأكبر.
ماذا بعد؟!
استفادت روسيا طوال 2022/2023 من الإمدادات الكبيرة، سواء بسبب المخزونات أو الإنتاج القياسي، وصدرت روسيا كميات كبيرة من الحبوب والبذور الزيتية، على الرغم من الوضع القائم جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي حين تؤكد البيانات استمرار حجم الصادرات القوية وسط الأسعار المنخفضة، يظل عدم الاستقرار يلاحق العالم مع كل أزمة جديدة تشتعل على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، والتي كان آخرها محاولة الخروج الفاشلة لـ«قوات فاغنر» عن سلطة الرئيس الروسي بوتين، وهددت الانتعاش التجاري، وبالتالي سلة الغذاء العالمية.