أفادت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية بأن الصين باتت على شفا الانكماش الاستهلاكي نتيجة تأرجح أداء الاقتصاد الصيني في الفترة الأخيرة، وبنحو زاد من الدعوات بضرورة التدخل الحكومي.
وانقسمت الآراء بشأن مستقبل الصين الاقتصادي بعد قرارها باتباع سياسة خفض الفائدة الشهر الماضي، واستمرار التوترات التجارية بينها وبين العملاق الاقتصادي الأميركي.
ووصل معدل التضخم في الصين إلى الصفر الشهر الماضي، فيما تراجعت أسعار الإنتاج بوتيرة أعلى من المتوقع، حسبما أظهرت أرقام رسمية الاثنين، في مؤشر جديد على ضعف في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتراجع مؤشر أسعار المستهلك لشهر يونيو حزيران عن النسبة البالغة 0.2% في مايو أيار وفق أرقام المكتب الوطني للإحصاء، وكان أسوأ من المتوقع وسط تباطؤ الطلب المحلي.
موقع اقتصاد الصين مع تخفيف إجراءات كوفيد-19
في هذا الإطار، يقول أنطوني ساسين، كبير استراتيجيي الاستثمار في Kraneshares، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، إنه بعد عامين من الصدمات الاقتصادية الشديدة بسبب عمليات الإغلاق لاحتواء جائحة كوفيد-19، يبدو أن تعافي الصين يفقد زخمه ويحتاج إلى دفعة كبيرة، وأضاف ساسين أنه على الرغم من أن القطاعات الاستهلاكية والخدماتية وقطاعات التحول إلى الطاقة كانت أفضل حالاً من القطاعات الصناعية والتصنيعية، فإن الطلب الاستهلاكي الحالي لن يكون كافياً لرفع الاقتصاد إلى ما بعد هدف النمو الذي حددته الحكومة.
وعقّب ساسين أن العامين المنصرمين خلقا مشكلات بنيوية في بطالة الشباب في الصين الذين اعتادوا أن يستوعبهم اقتصاد الإنترنت والتعليم والعقارات، كما أثّرت بشدة على ثقة المستهلك في الصين، وأكد أن ذلك يأتي في وقت تتزايد فيه المخاطر الجيوسياسية بين الغرب والصين وتتضاءل الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتتعامل الصين مع بعض القضايا العالقة في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى تحفيز اقتصادي واستهلاكي واسع.
في المقابل، يتوقع الكاتب والصحفي المختص بالشأن الصيني إلهام لي، أن تشهد الصين نمواً اقتصادياً خاصة في مجال التجارة مع دول الجوار مثل دول آسيان ومنطقة الشرق الأوسط.
توتر العلاقات مع الولايات المتحدة: الاقتصاد الصيني إلى مزيد من التراجع؟
يقول لي إن ما تُسمّى بالحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية بدأت منذ تولي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتداعياتها لا تؤثّر على اقتصادي الصين والولايات المتحدة الأميركية فحسب، إنما على اقتصادات العالم أجمع بحسب لي.
وعقّب لي أن الناتج الإجمالي للصين والولايات المتحدة الأميركية يحتل 40% من الناتج العالمي، وتوتر العلاقات بين البلدين سيزيد البطالة والأزمة الاقتصادية العالمية.
وقال «نهضة الاقتصاد الصيني تفيد الولايات المتحدة الأميركية، فالصين سوق واعدة تفيد الشركات الأميركية»، وأضاف أن التحذيرات التي وجّهتها وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في زيارتها إلى الصين تؤكد أن توتر العلاقات التجارية لن يضر فقط بالاقتصاد الصيني، إنما أيضاً بالاقتصاد الأميركي.
وبدوره، قال ساسين إن زيارة يلين إلى الصين خطوة إيجابية للعلاقة بين الولايات المتحدة ثاني أكبر اقتصادات العالم، لا سيما بعد زيارة بلينكن الشهر الماضي والزيارة الأخيرة لسفير الصين في الولايات المتحدة إلى الرئيس بايدن، وقال «التواصل هو المفتاح للبلدين الاقتصاد الضعيف في الصين يضعها حالياً في وضع غير موات مقابل الولايات المتحدة».
وأضاف أن العلاقات التجارية تأخذ منحى إيجابياً، مشيراً إلى أن الصين ستتبع نهجاً عملياً وقائماً على البيانات في صنع القرار الاقتصادي، ما سيقدّم خدمة جيدة للمستثمرين على المدى الطويل للحفاظ على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
توقعات للنمو الاقتصادي في الربع الثاني
أكد لي أن التراجع في الأرقام الصادرة عن الحكومة الصينية هو تراجع لسرعة نمو الاقتصاد الصيني وليس تراجعاً للاقتصاد الصيني بحدّ ذاته، إذ سيشهد قطاع السياحة والخدمات نمواً سريعاً نظراً للتداعيات طويلة المدى للأزمة الأوكرانية، وأبدى تفاؤله بشأن نتائج الربع الثاني المنتظرة في 17 يوليو تموز.
ويعتبر ساسين أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تشير إلى وجود مخاطر سلبية للنمو المتوقع بنسبة 6 في المئة، ففي هذه المرحلة تهتم السوق أكثر بإجراءات الحكومة على المدى القصير لدعم النمو والطلب.
هل يُجدي خفض الفائدة نفعاً؟
يعتبر لي أن التأثير على مؤشرات الاقتصاد الصيني عملية معقدة ولا تظهر تداعياتها بين ليلة وضحاها، ويرجّح أن يتجلى ذلك التأثير خلال الربعين الثالث أو الرابع من العام، وختم لي بالقول إن خفض الفائدة سيؤثّر إيجابياً على قطاع العقارات والتجارة الخارجية وسيشجّع التصدير.
أمّا ساسين، فيرى أن خفض أسعار الفائدة وحده لن يحل القضايا الاقتصادية في الصين، مؤكداً أن ذلك بحاجة إلى خطة لاستيعاب بطالة الشباب، وتحقيق الاستقرار في سوق العقارات، وحل ديون الحكومات الإقليمية المرتفعة، ما سيساعد بناء شبكة أمان للمستهلك على تسريع وبدء التعافي المستدام.
(شاركت أميرة سيد في إعداد هذا التقرير)