يعاني قطاع الصناعة في مصر من أزمة عدم توافر مواد الإنتاج المستوردة بسبب تأخر تدبير الدولار للمصنّعين لاستيراد المواد الخام من الخارج بسبب النقص الشديد في العملة الصعبة في مصر، وانخفاض سعر صرف الجنيه، حسب مصنّعين تحدثوا إلى «CNN الاقتصادية».
وألقت الأزمة الاقتصادية الطاحنة في مصر حالياً بظلالها على كل القطاعات الاقتصادية بما فيها الصناعة، في وقت تبحث فيه الحكومة المصرية عن حل لهذه الأزمة عبر بيع أصول وشركات حكومية ومنح تسهيلات من أجل زيادة الاستثمار الأجنبي بغية توفير العملة الصعبة في مصر.
ويُعدُّ قطاع الصناعة مكوناً رئيسياً في نمو الاقتصاد المصري، بجانب أنه يسهم بنسبة كبيرة في الصادرات المصرية التي تأمل الحكومة المصرية تنميتها من أجل جذب مصادر دولارية.
أزمات متلاحقة
بدأت أزمة نقص مستلزمات الإنتاج وتكدُّس البضائع في الموانئ المصرية، مع بداية تطبيق قرار محافظ البنك المركزي المصري السابق، طارق عامر، بالعمل بالاعتمادات المستندية؛ لتكبر الأزمة وتصبح مثل كرة الثلج، حسب ما يقول محمد البهي، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعات المصري لـ«CNN الاقتصادية».
وفي مارس آذار 2022، اعتمدت مصر نظاماً للاستيراد يُسمى الاعتمادات المستندية يشترط أن يوفر البنك العملة الصعبة للمستورد، وهو ما تسبب في أزمة كبيرة بين المستوردين لعدم تمكُّن البنوك من فتح هذه الاعتمادات للاستيراد؛ نتيجة النقص الحاد في العملة الأجنبية الذي تعانيه مصر.
وبنهاية العام الماضي ألغى البنك المركزي المصري هذا النظام، وتعهَّدت الحكومة المصرية بتدبير الدولار والإفراج عن البضائع تِباعاً.
ووصلت قيمة ما أفرجت عنه الحكومة المصرية من البضائع 32 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الماضية، مع أولوية الإفراج عن السلع الأساسية ومكونات التصنيع والأدوية ومستلزمات الإنتاج، حسب ما قال وزير المالية المصري، محمد معيط، في بيان صحفي.
وبحسب البهي، فإن الأزمة كانت قد كبرت وتسببت في تراكم المواد الخام ومدخلات الإنتاج في الموانئ المصرية؛ ما أثّر على صناعات حيوية مثل الأدوية والأغذية.
ويشير علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرف التجارية المصرية، إلى أن قطاع الأدوية كان يعاني عدم الإفراج عن مستلزمات الإنتاج الخاصة به، والتي تدخل في تغليف وتعبئة الدواء؛ إذ كان لا يعتبرها من المواد الخام.
وبعد طلبات وافق المركزي المصري على معاملة مستلزمات صناعة الدواء كالمواد الفعالة لسرعة الإفراج عنها.
ويقول البهي الذي يعمل أيضاً مستشاراً لغرفة صناعة الأدوية باتحاد الصناعات، إن بعض الخامات اللازمة لصناعة الأدوية وصلت بالفعل في الموانئ، لكن هذه الخامات لها عمر افتراضي وطريقة حفظ معينة، وبقاؤها في الموانئ تسبب في تلفها؛ ما أدَّى لمزيد من الخسائر لهذه الصناعة.
وتأثر الإنتاج عامة في مصر بسبب الظروف الاقتصادية، إذ يقبع مؤشر مديري المشتريات بمصر عند خط الانكماش من أشهر حتى الآن.
وفي آخر بيانات المؤشر خلال شهر يونيو حزيران الماضي، استمر انخفاض الإنتاج بالقطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر؛ إذ أدت ضغوط الأسعار ومشكلات السيولة وضعف الطلب إلى انخفاض حجم النشاط التجاري الإجمالي في نهاية الربع الثاني من العام الجاري.
الصناعة المصرية بين شقّي الرَّحى
شكَّلت هذه الأزمات ضغوطاً شديدة على الصناعة في مصر في ظل أزمة ارتفاع التضخم لمستويات قياسية؛ ما ألقى بظلاله على نشاط الشركات التي تحاول جاهدة الحفاظ على أعمالها.
وبحسب البهي، فإن المصانع لن تستمر طويلاً في تحقيق خسائر مثلما يحدث حالياً، إذ تواصل دفع الأجور للعمال وتسديد التزاماتها دون أن يكون هناك عمل بسبب نقص المواد الخام.
ولجأت بعض المصانع ممن لديها مخزون من المواد الخام إلى وقف خططها الاستثمارية في الوقت الحالي، مثلما فعلت شركة الشرقية للدخان المصرية، والتي تعمل في صناعة التبغ.
وقال هاني أمان، رئيس الشركة، لـ«CNN الاقتصادية»، إن الشركة أوقفت خططها الاستثمارية، وأصبحت توفر كل الموارد الدولارية التي لديها من أجل توفير المواد الخام حتى لا يتوقف إنتاج الشركة.
وتعمل الحكومة المصرية حالياً على توفير موارد دولارية عبر بيع أصول حكومية، وأعلن رئيس الوزراء المصري، هذا الشهر، أن الحكومة أبرمت صفقات بقيمة 1.9 مليار دولار خلال العام المالي الماضي.
وبحسب البهي، فإن هذا الحل سيكون مؤقتاً؛ لأنه سيوفر عملة صعبة في الوقت الحالي، دون النظر لدعم الصناعة بشكل عام.