على الرغم من تضاعف عدد سكان العالم خلال الـ50 عاماً الماضية، تعلو أصوات محذّرة من أزمة «نقص السكان».

يعيش ثلثا سكان العالم الآن في بلاد ذات معدلات خصوبة أقل من مستوى الإحلال، ما يُسفر عن جيل جديد أقل عدداً من الجيل الذي يسبقه؛ إذ يبلغ مستوى الإحلال 2.1 مولود لكل امرأة.

انخفض معدل الخصوبة من متوسط 5 ولادات لكل امرأة في عام 1950 إلى 2.3 مولود لكل امرأة في عام 2021، ما يعكس تنامي قدرة النساء على التحكم في حياتهن الإنجابية، ومن المتوقع أن تنخفض الخصوبة الإجمالية إلى 2.1 مولود لكل امرأة بحلول عام 2050.

بدأ انخفاض معدلات نمو السكان في عدد من بقاع العالم منذ سبعينيات القرن الماضي -مع ظهور وسائل تحديد النسل- دون انخفاض في إجمالي عدد السكان، بسبب تعويض الفارق في عدد السكان عن طريق استقبال المهاجرين، ومن المتوقع أن تُصبح الهجرة هي المحرك الوحيد للنمو السكاني في البلدان ذات الدخل المرتفع.

انقراض البشرية

بدأ هذا الأمر في إثارة مخاوف بشأن انقراض سكان دول بأكملها أو حتى الجنس البشري كله بمرور الوقت.

من المُتوقع أن تشهد أوروبا انخفاضاً في عدد السكان على المدى القريب، بين عامَي 2022 و2050، إذ يُتوقع أن ينخفض نموها بنسبة 7 في المئة، في المقابل من المتوقع أن يستمر سكان المناطق الأخرى، في وسط وجنوب، وجنوب شرق آسيا، وأميركا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، وأميركا الشمالية، في النمو، على أن يصلوا إلى ذروتهم قبل عام 2100.

في هذا الشأن قال الخبراء إن انخفاض معدلات المواليد لا ينذر بكارثة، إلا أنه يشير إلى تحول ديموغرافي إذ يقابله من ناحية أخرى ارتفاع متوسط الأعمار.

مستقبل رمادي

ارتفع متوسط الأعمار عالمياً من 45.51 عام 1950 إلى 73.16 عام 2023، وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان، كما فاق عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً أو أكبر، عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، ومن المتوقع أن تتضاعف نسبة السكان الذين تفوق أعمارهم 65 عاماً من 12 في المئة إلى 22 في المئة بين عامَي 2015 و2050، وفقاً لتقرير نشرته منظمة الصحة العالمية في أكتوبر تشرين الأول الماضي.

وعلى الرغم من أن ظاهرة شيخوخة السكان بدأت في البلدان ذات الدخول المرتفعة، فإن من المتوقع أن يعيش ثلثا سكان العالم الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل، بحلول عام 2050.

ألمانيا

انخفض عدد المواليد في ألمانيا العام الماضي بنسبة 5.6 في المئة مقارنة بالمتوسط للأعوام 2019 إلى 2021، وانخفض بنسبة 7.1 في المئة عن عام 2021، وأفاد المكتب الفيدرالي للإحصاء أن المواليد ظلت عند مستوى منخفض في بداية عام 2023، إذ تشير الأرقام المؤقتة إلى أن ما يقرب من 162 ألف طفل وُلدوا في الربع الأول من عام 2023، وهو انخفاض بنسبة 4.8 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي حين وصل عدد المواليد إلى 170 ألف طفل.

وأرجع مكتب الإحصاء انحسار عدد المواليد إلى انخفاض عدد النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين أواخر العشرينيات وأواخر الثلاثينيات، وهي الفترة التي تُنجب فيها معظم النساء، كما يؤثر عدم اليقين الناجم عن أزمات متعددة على قرارات تنظيم الأسرة.

من ناحية أخرى، يفوق عدد الوفيات السنوية عدد المواليد في ألمانيا كما هو موضح في الرسم التالي:

فرنسا

تصاعد صوت الاحتجاجات في فرنسا اعتراضاً على قانون «إصلاح نظام التقاعد» الذي ينص على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، الذي اعتبره المراقبون ضربة موجعة للثقافة الفرنسية.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برَّر مشروع القانون وقتها في مطلع العام الجاري بأن الهدف هو تعزيز سداد المعاشات بانتظام؛ إذ تنامت التوقعات الحكومية بحدوث عجز هائل في عدد العاملين والدخل بسبب تقاعد جيل «الطفرة»، مواليد الفترة بين 1945 و1965.

وتصدرت فرنسا قائمة بلدان الاتحاد الأوروبي، عام 2019، من جهة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية بنسبة 34 في المئة من ناتجها الإجمالي المحلي، وفقاً ليوروستات، بالمقارنة بـ28 في المئة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.

زاد عدد السكان الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً بشكل كبير، حيث وصل إلى 13.94 مليون في عام 2022، وتخطت نسبة الأشخاص الذين تصل أعمارهم إلى 75 أو أكثر، 10 في المئة من مجمل تعداد سكان فرنسا مطلع العام الجاري.

اليابان

انخفض عدد الولادات المسجلة في اليابان إلى مستوى قياسي آخر أكثر انخفاضاً من العام الماضي؛ ما يعكس فشل جهود السلطات المكثفة في الارتداد عن ظاهرة تراجع عدد المواليد التي دامت عقوداً.

فقد استقبلت اليابان 799728 مولوداً في عام 2022، وهو أقل رقم مسجل على الإطلاق، وأول انخفاض عن 800 ألف، وفقاً لإحصاءات وزارة الصحة اليابانية.

من ناحية أخرى يواجه ثالث أكبر اقتصاد في العالم تضخماً في عدد المُسنّين، إلى جانب تقلص القُوى العاملة لتمويل المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية مع زيادة الطلب من السكان المُسنّين؛ الأمر الذي دفع رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، في يناير كانون الأول، إلى التحذير من أن اليابان على وشك أن تفقد قدرتها على الحفاظ على أدائها في المساندة الاجتماعية للمُسنّين، إذ قال كيشيدا «عند التفكير في استدامة وشمولية اقتصاد ومجتمع أمتنا، فإننا نضع دعم تربية الأطفال على رأس أولوياتنا»، مضيفاً أن اليابان «ببساطة لا تستطيع الانتظار أكثر من ذلك» لحل مشكلة انخفاض معدل المواليد.

في عام 2022، صُنفت اليابان كواحدة من أغلى الأماكن في العالم لتربية الأطفال، وفقاً لبحث من مؤسسة «جيفريز» المالية، وعلى الرغم من إعراب الحكومة عن رغبتها في مضاعفة تمويل البرامج الخاصة بالأطفال، فإن التمويل وحده لا يكفي لحل الأزمة ذات الأبعاد الاجتماعية العميقة.

كوريا الجنوبية

إنها قصة مألوفة في جميع أنحاء شرق آسيا، إذ انخفض معدل الخصوبة في كوريا الجنوبية -وهو أدنى مستوى في العالم بالفعل- مرة أخرى العام الماضي في أحدث نكسة لجهود الدولة لزيادة عدد سكانها المتناقص.

تهدف كوريا الجنوبية إلى إصدار عدد قياسي من التأشيرات للعمال الأجانب المهرة هذا العام، حيث أعلن وزير العدل الشهر الماضي زيادة الحصة السنوية بمقدار خمسة عشر ضعفاً إلى 30 ألفاً لمساعدة الشركات في التغلب على نقص الموظفين، وفقاً لما ذكرته رويترز.

يكافح رابع أكبر اقتصاد في العالم في ملء الوظائف الشاغرة، خاصة مع إحجام الشباب الكوري الجنوبي عن تولي وظائف الياقات الزرقاء.

يبلغ معدل الخصوبة في كوريا الجنوبية 0.9 طفل لكل امرأة، وهو معدل أقل بكثير من مستوى الإحلال البالغ 2.1 مولود لكل امرأة.