من تنويع روافد الاقتصاد والاهتمام بالقطاعات غير النفطية، حتى تبني التحول الرقمي والتكنولوجيا الحديثة ونماذج المدن الذكية.. تلك هي الرؤية الطموحة التي تتبعها العديد من الدول العربية لتعزيز نموها الاقتصادي وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، لتنضم مدن رئيسية مثل الرياض ودبي وأبوظبي والمنامة لقائمة أهم اللاعبين في عالم المال والأعمال.

ومن بين هذه القائمة، يصعد نجم الرياض بقوة كأحد أهم الوجهات الاستثمارية بالمنطقة بعد أن استطاعت خلال فترة وجيزة إحداث ثورة حقيقية في البنية التحتية للمدينة، تماشياً مع رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحويل العاصمة السعودية لأحد أكبر اقتصادات المدن بالعالم.

هل تصبح الدول العربية مقصداً للمستثمرين حول العالم؟

كل دولة لها ما يميّزها عن سائر الدول الأخرى، على سبيل المثال يعد القطاع العقاري من أهم القطاعات الجاذبة للاستثمار في السعودية، بينما يبرز قطاع السياحة بشكل أكبر في الإمارات بفضل التنوّع الثقافي الفريد الذي تتمتع به؛ فقد تصدرت دبي التصنيف العالمي لأفضل المدن من حيث جودة الحياة والمعيشة، أما البحرين فتمتاز بتفوقها في مجال الاستشارات المالية وخدمات العملات المشفرة.

ووفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فإن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية بلغ 7.88 مليار دولار في 2022، مقابل في الإمارات 22.7 مليار دولار، و1.95 مليار دولار في البحرين.

وفي العالم العربي، يبرز اسم أربع مدن بشكلٍ خاص كمراكز جاذبة للاستثمارات العالمية وهي: الرياض، ودبي، وأبوظبي، والمنامة.

الرياض.. أكبر مدينة صناعية وواحة للاستدامة

منذ عامين، كشف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن رؤيته لمدينة الرياض، والتي يهدف إلى تحويلها لواحدة من أكبر 10 اقتصادات مدن في العالم، مؤكداً أن العاصمة السعودية ستحتضن أكبر مدينة صناعية في العالم.

ومؤخراً، أعلن مجلس إدارة الهيئة الملكية لمدينة الرياض إنشاء مركز المناطق الاقتصادية الخاصة بالمدينة بهدف خلق بيئة استثمارية تنافسية، ودعم نمو الاقتصاد السعودي، وتنويع القاعدة الاقتصادية للرياض وتحويلها لوجهة استثمارية عالمية، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030.

ويتمتع المركز باستقلال مالي وإداري وتتمثل مهمته في إطلاق المناطق الاقتصادية الجديدة في مدينة الرياض، وإصدار التراخيص للمستثمرين، وتقديم خدمات شاملة وفق أفضل المعايير الدولية.

كما أتاحت السعودية تأشيرة زيارة الأعمال (مستثمر زائر) الإلكترونية لتشمل أنحاء العالم كافة لتحقيق تطلعات رؤية 2030 بجذب الاستثمارات النوعية الكبرى التي يمكنها دفع عجلة الاقتصاد بالمملكة.

وفي إطار سعيها لتقليل الاعتماد على القطاع النفطي، تحرص المملكة على دعم الاستثمار في قطاعات التعدين والمعادن، والسياحة، والعقارات، والخدمات المالية، والصناعة، والرعاية الصحية، وتقنية المعلومات، والاتصالات، ورأس المال البشري، والابتكار، والخدمات البيئية، والخدمات اللوجستية، والزراعة، والصناعات الغذائية.

وتستهدف المملكة جذب استثمارات أجنبية بنحو ثلاثة تريليونات دولار، في الوقت الذي يدعم فيه صندوق الاستثمارات العامة القطاعات المحلية بنحو 40 مليار دولار حتى 2025، كما تطمح لجذب 480 شركة عالمية، معظمها في الرياض.

ولتحقيق أهداف الاستدامة، أُطلق مشروع الرياض الخضراء لتحويلها إلى واحة خضراء لحماية البيئة وتحسين مستوى المعيشة، ما يعزز بدوره جذب الاستثمارات الأجنبية، إذ تسعى استراتيجية استدامة الرياض التي أطلقها ولي العهد السعودي لضخ استثمارات بنحو 346 مليار ريال.

دبي.. بيئة معفاة من الضرائب

قبل عقود، كان اقتصاد دبي يعتمد على صيد وتجارة اللؤلؤ، قبل أن تتحول المدينة سريعاً لأحد أهم مراكز التجارة العالمية، لتكتسب لقب مدينة الذهب.

واتخذت دبي خطوات واسعة لتنويع روافدها الاقتصادية لتشمل قطاعات الشحن والطيران والإعلام والسياحة؛ إذ تجذب سنوياً ما يقرب من 15 مليون زائر.

كما أنشأت المدينة مناطق خاصة تسمح بالاستثمار الأجنبي في العديد من القطاعات بما فيها البناء والتمويل والرعاية الصحية والعقارات والمجوهرات، علماً أن الإمارات تستحوذ على 40 في المئة من الاستثمارات الواردة إلى الدول العربية.

علاوة على ذلك، توفر دبي بيئة معفاة من الضرائب، إذ تطبق واحدة من أكثر السياسات الضريبية تنافسية في العالم؛ فلا تفرض ضريبة دخل على الموظفين والعمال، بما في ذلك رواتبهم وأرباحهم من الإيجارات ومكاسب الأعمال، فضلاً عن الإعفاءات الضريبية المقدمة للشركات الناشئة والصغيرة.

ووفقاً لمؤسسة دبي لتنمية الاستثمار، فإن دبي هي الوجهة المفضّلة عالمياً للاستثمار الأجنبي المباشر، إذ تجذب نحو 70 في المئة من أهم الشركات المدرجة ضمن قائمة (فورتشن 500).

أبوظبي.. من واحة صحراوية إلى مركز تجاري عالمي

وضعت رؤية أبوظبي 2030 هدفاً طموحاً بالتحول لاقتصاد مستدام، ما يتطلب تشجيع القطاعات غير النفطية مثل الطيران، والدفاع، والأدوية، والرعاية الصحية، والسياحة، والنقل، والتعليم، والإعلام، والخدمات المالية، لتتحول المدينة من واحة صحراوية إلى بوابة تجارية عالمية في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا.

ووفقاً لمكتب أبوظبي للاستثمار، فإن المدينة تتمتع بموقع استراتيجي يبعد بنحو 4 ساعات بالطائرة فقط من 33 في المئة من سكان العالم، ما شجّعها على تأسيس بنية تحتية قوية في مجال الاتصالات مع توفير الدعم لكبار المبتكرين، ما أكسبها لقب أذكى مدينة في الشرق الأوسط في 2023 للعام الثالث على التوالي.

وفي عام 2020، أطلق مكتب أبوظبي للاستثمار برنامج الابتكار بقيمة ملياري درهم لتوفير حوافز للشركات في المناطق ذات النمو المرتفع.

وتتشابه أبوظبي مع دبي في توفير بيئة معفاة من الضرائب بالإضافة للسماح بملكية كاملة للشركات الأجنبية، وتمثّل العاصمة الإماراتية 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات.

المنامة.. أول تشريعات قانونية للعملات المشفرة

من تقديم أفكار خارج الصندوق إلى مواكبة التحول الرقمي، أصبحت البحرين وعاصمتها المنامة مقصداً رئيسياً للمستثمرين خاصة في مجال التكنولوجيا المالية؛ إذ تتدفق إليها الاستثمارات الأجنبية وتحفل بالعديد من الشركات الناشئة.

ونتيجة لتفوقها التكنولوجي، وفرت البحرين الحلول الرقمية لملايين المستخدمين المهتمين بالتكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ومنذ عام 2018، ضم خليج البحرين للتكنولوجيا المالية، وهو عبارة عن شراكة بين القطاعين العام والخاص، أكثر من 80 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية.

ومع الانتشار المتنامي للعملات المشفرة، كانت البحرين أول دولة خليجية تصدر قوانين صارمة لتنظيم بيئة التداول بالعملات الرقمية، وبحلول 2022 منحت المنامة بالفعل رخصة رسمية لشركة بينانس للعمل في السوق البحريني، وهي أول رخصة لخدمات تداول الأصول المشفرة بدول مجلس التعاون الخليجي.

كما تستفيد البحرين من الشباب ذوي الخبرات الرقمية لدعم سوق التكنولوجيا المالية، ومن المتوقع أن تبلغ القوى العاملة في البلاد نحو مليوني شخص بحلول عام 2030، من بينهم أكثر من 60 في المئة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.