الاستثمار الأجنبي والاستثمار الخارجي ركنان أساسيان للدبلوماسية الاقتصادية التي تلعب دوراً محورياً في تموضع الدول على الساحة العالمية.

يعرّف محمد إبراهيم الظاهري، نائب مدير أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، الدبلوماسية الاقتصادية بأنها نقطة التلاقي بين السياسة والاقتصاد وتوظيفها كأدوات للتنمية الاقتصادية للدول مشيداً بمرونة وانفتاحية الاقتصاد الإماراتي.

ويقول الظاهري إن الركيزة الأساسية للدبلوماسية الاقتصادية هي الرؤية التي تتمتع بها الإمارات وشموليتها وفهمها من قبل أصحاب المصالح سواء البعثات الدبلوماسية أو الوزارات والهيئات والموارد البشرية العاملة لديها.

وقال أحمد رشاد، الأستاذ المساعد في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، إن الإمارات أثبتت أنها لاعب متميز وتتمتع بتنافسية عالية في هذا المجال، لافتاً إلى أن الإمارات قد برهنت عن جدارة عالية على الاستغلال الأمثل لأدوات الدبلوماسية الاقتصادية.

جاء ذلك تزامناً مع صدور تقرير أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية عن الدبلوماسية الاقتصادية لدولة الإمارات، ويُعد التقرير الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط.

ويشمل التقرير أبرز الخطط والممارسات التي تحقق بها البلدان أقصى قدر ممكن من مكاسبها الوطنية في مجموعة متنوعة من المجالات، وذلك بهدف التفوق على الدول التي لا تستخدم مثل هذه الأدوات أو الممارسات.

وقال رشاد إن عدداً قليلاً من الدول حول العالم لديها أكاديميات خاصة للدبلوماسية، مشيراً إلى أن اعتماد مثل هذه التقارير بشكل دوري يعود بمنافع جمة على الدول للتعرّف على حدود ومعايير الدبلوماسية الاقتصادية وكذلك رصد ومتابعة الأداء الاقتصادي والدبلوماسي عبر الزمن، ما يسهم في تخطيط وصياغة السياسات الاقتصادية.

وكشف رشاد أن هذا التقرير سيستكمل لاحقاً باستحداث معايير علمية تسمح بمقارنة ومقاربة خطط الدبلوماسية الاقتصادية في مختلف دول العالم والذي من شأنه تقييم الأداء بشكل أفضل.

الدبلوماسية التجارية

لتعزيز التكامل الاقتصادي وتوسيع الشبكات التجارية، اعتمدت استراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة على الشراكات التجارية كاتفاقيات التجارة الحرة (FTAs)، كما انضمت الإمارات إلى رابطة التجارة الحرة الأوروبية (EFTA) إلى جانب ليختنشتاين والنرويج وسويسرا، هذا فضلاً عن كونها جزءاً من منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى (GAFTA) وانضمامها الأخير إلى منظومة بريكس.

وتعتمد الإمارات في التوسعات التجارية على خطة (مشاريع الخمسين) التي أطلقتها عام 2021، وهي عبارة عن سلسلة مبادرات شاملة تهدف إلى إنشاء اتفاقيات تجارية واستثمارية قوية مع الشركاء العالميين الرئيسيين من أجل تعظيم الاستدامة والنمو الاقتصادي وتعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز اقتصادي عالمي بارز.

ووقعت الإمارات اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الهند وإندونيسيا وتركيا وإسرائيل وكمبوديا، كما بدأت المفاوضات مع أستراليا وجورجيا وكينيا والفلبين وكوريا الجنوبية وأوكرانيا وأوزبكستان، وشكّلت هذه الدول مجتمعةً قرابة 15 في المئة من إجمالي واردات الإمارات في عام 2019.

الدبلوماسية الاستثمارية والصناديق السيادية

شهدت أسواق الخليج رغم النشاط القوي في المشاريع الجديدة وعمليات الاندماج والشراء عبر الحدود، انخفاضاً في الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 14 في المئة إلى 48 مليار دولار أميركي في عام 2022، حسب ما جاء بالتقرير.

لكن دولة الإمارات العربية المتحدة استقطبت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 23 مليار دولار أميركي خلال عام 2022، وهو أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق، بزيادة قدرها 10 في المئة مقارنةً بالعام السابق عليه، كما استقبلت 997 مشروعاً جديداً، بزيادة قدرها 84 بالمئة على العام السابق، ما يجعلها في المرتبة الأولى ورابع أكثر المستفيدين من المشاريع الجديدة في عام 2022، وفقاً لتقرير الأونكتاد عن الاستثمار العالمي 2023.

ويُرجِع التقرير أسباب ذلك إلى تطور البيئة الاقتصادية والتشريعية الحاضنة للابتكار والاستثمار في الإمارات، مشيراً إلى اجتهاد الإمارات وقطعها أشواطاً مهمة في تنويع اقتصاداها خارج نطاق النفط والغاز، ولو أن ذلك يبقى أحد التحديات الأساسية التي تواجهها الدبلوماسية الاقتصادية برأي رشاد.

وشدد التقرير على الدور المتنامي الذي تلعبه الصناديق السيادية في تجسيد رؤية الإمارات الاقتصادية سواءً عبر الاستثمارات الخارجية أو المحلية للصناديق السيادية والمؤسسات ذات الصلة بالحكومة (GREs).

وأشار الظاهري إلى أن الاستراتيجية المعتمدة في هذا الخصوص هي الإفادة المتبادلة القائمة على معياري النمو والازدهار وتوسع الأسواق، موضحاً أن الاستراتيجية الاقتصادية تقوم على توظيف الاستثمارات الخارجية في قطاعات حيوية كالبيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي والفضاء والزراعة الحديثة والتكنولوجيا.

ومن جانبه، قال رشاد إن لكل صندوق سيادي وظيفته الخاصة ولدى الإمارات توصيف واضح في هذا الصعيد، مؤكداً على أن الهدف من الاستثمارات الخارجية هو تحقيق التكامل وجلب الخبرات وتوطين التكنولوجيا لتقليص الفجوات الموجودة وتحقيق النمو المنشود.

دبلوماسية الفعاليات الدولية

أثر تراجع التجارة الدولية في الربع الرابع من عام 2022 بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السلع العالمية وانخفاض الطلب الاستهلاكي في الصين والاتجاه التصاعدي في أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة، لكن الفعاليات الدولية التي استضافتها المنطقة وإيراداتها السياحية مصاحبة لعوامل أخرى دفعت مجتمعة نمو الناتج المحلي الإجمالي للإمارات إلى 5.1 بالمئة في عام 2022، بحسب التقرير.

وتشير التوقعات الاقتصادية للإمارات إلى أن معدل النمو الإجمالي يظل قوياً في عام 2022 رغم المخاوف العالمية السائدة، ومن المتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.2 في المئة في عام 2023.

دبلوماسية المساعدة الخارجية والإنسانية

تلعب المساعدات الخارجية التي تقدمها دولة الإمارات دوراً بارزاً في الدبلوماسية الاقتصادية، وتهدف هذه المساعدات إلى تحسين الحياة والحد من الفقر في المجتمعات الأقل حظاً.

وأكّد التقرير على انعكاسات هذا التوجه في إقامة علاقات جيدة مع البلدان المتلقية لهذه المنح أو المساعدات وتسهيل نمو الروابط التجارية والاستثمارية مع الاقتصادات الناشئة لا سيما أن الإمارات تعتبر مركزاً تجارياً ولوجستياً لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا.

ولفت التقرير إلى أن التحول الاقتصادي في البلدان النامية قد يولد زيادة الطلب على المنتجات الإماراتية، وخلق أسواق جديدة، وفتح فرص استثمارية للجهات الحكومية والشركات، وتتكون الجهات المانحة الإماراتية من أكثر من 25 منظمة، بما في ذلك المنظمات الإنسانية والمؤسسات والجمعيات الخيرية وصناديق التنمية وشركات القطاع الخاص.