شهد اقتصاد الإمارات نمواً واضحاً على مدار أكثر من خمسين عاماً، فمنذ إعلان الاتحاد في الثاني من ديسمبر كانون الأول من عام 1971، وقيام دولة مستقلة ذات سيادة، واختيار الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أول رئيس لها، ليقود ثروة الإمارات النفطية لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة، تمتع الاقتصاد الإماراتي بالمرونة في وجه أزمات اقتصادية عالمية مثل الأزمة المالية عام 2008، وجائحة كورونا.
وواصل اقتصاد الإمارات تطوير البنية التحتية وتعزيز دور القطاع الخاص وتنويع روافد الاقتصاد لتقليل الاعتماد على العائدات النفطية، ليتحول اقتصاد الإمارات من اقتصاد قائم على الزراعة والصيد وتجارة اللؤلؤ إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.
فخلال الفترة بين عامي 1968 و2002، خصصت الإمارات نحو 162 مليار درهم لتطوير المشاريع السكنية ومشاريع البنية التحتية للرعاية الصحية والمؤسسات التعليمية، بالإضافة لتطوير الشوارع والجسور وشبكات النقل والاتصالات ومرافق الكهرباء والمياه.
وجاء الإعلان عن المبادئ الاقتصادية العشرة في نوفمبر تشرين الثاني 2023 بمثابة خارطة طريق لتحويل الإمارات لأحد أفضل اقتصادات العالم.
بيئة اقتصادية جاذبة للاستثمارات
تتمتع الدولة وإماراتها السبع بمكانة مرموقة على قائمة مراكز الأعمال العالمية الرئيسية بفضل بيئتها الاستثمارية الجذابة وتشريعاتها المرنة مثل الإعفاءات الضريبية التي تقدمها للمستثمرين.
ويركز المبدأ الأول من المبادئ الاقتصادية على تعزيز هذه المكانة من خلال بناء اقتصاد حر منفتح على العالم يدعم التبادل التجاري وتدفق الاستثمارات.
ويتفق معه المبدأ السابع المعني بالتطوير المستمر للتشريعات الاقتصادية لضمان استمرارية قوة البيئة الاستثمارية، ويأتي المبدأ الثامن ليؤكد أهمية الالتزام بالمصداقية وسيادة القانون لتعزيز ثقة المستثمرين وأصحاب الأعمال والكيانات الاقتصادية والمالية العالمية.
وتشهد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الإمارات نمواً مطرداً خلال السنوات الأخيرة، لتقفز من 8.5 مليار دولار في عام 2015 إلى 22.7 مليار دولار في عام 2022، وفقاً لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).
دعم الاقتصاد الرقمي
اهتمت المبادئ الاقتصادية بالكوادر البشرية، إذ ينص المبدأ الرابع على توفير الفرص المتنوعة للشباب، ووضع الكوادر الوطنية في قلب اقتصاد الإمارات، مع تزويدهم بالمهارات الرقمية المطلوبة للقرن الـ21.
فهذه الكوادر من شأنها دعم تحول الدولة نحو الاقتصاد الرقمي وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال؛ علماً بأن الشركات الناشئة في الإمارات جمعت نحو 1.2 مليار دولار خلال عام 2021، وبالتالي فإن دعم هذه الكوادر سينعكس إيجابياً على البيئة الاستثمارية أيضاً.
ويتماشى ذلك مع المبدأ الثالث المعني بالاستثمار في الاقتصاد الرقمي، في ظل سعي الإمارات لتصبح مركزاً عالمياً للمعاملات الرقمية، وشركات التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي.
ولتحقيق هذا الهدف، أطلقت الدولة في أبريل نيسان عام 2022 الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي لمضاعفة نسبة إسهام القطاع الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي من 9.7 في المئة خلال 2022، إلى 19.4 في المئة خلال السنوات العشر المقبلة.
وتوقع تقرير صادر عن غرفة دبي للاقتصاد الرقمي تجاوز قيمة الاقتصاد الرقمي الإماراتي حاجز 140 مليار دولار بحلول عام 2031، بعد أن سجل 62 مليار دولار في عام 2021، لتحتل الإمارات المركز الأول عربياً والرابع عالمياً في مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي بعد الصين والولايات المتحدة وكندا.
وجاءت الإمارات ضمن قائمة أكبر المصدرين للخدمات الرقمية عالمياً خلال 2022، إذ احتلت المركز الـ21 على القائمة بنحو 45 مليار دولار، محققة نمواً بنسبة 16 في المئة مقارنة بعام 2021.
نظام مصرفي يدعم النمو
يهتم المبدأ التاسع بتأسيس نظام مصرفي قوي يضمن حماية البيانات المصرفية، وجذب رؤوس الأموال، ودعم الثقة في اقتصاد الإمارات.
وارتفع إجمالي رأس مال البنوك العاملة في الإمارات واحتياطياتها بنسبة 8.5 في المئة إلى 438.6 مليار درهم في نهاية يناير كانون الثاني 2023، مقارنة بـ404.3 مليار درهم خلال الفترة ذاتها العام الماضي، شكلت حصة البنوك الوطنية منها 379.3 مليار درهم في يناير كانون ثاني عام 2023 و350.2 مليار درهم في نفس الفترة من عام 2022.
أفضل بنية تحتية لوجستية
يُعنى المبدأ العاشر بتأسيس بنية تحتية لوجستية عالمية براً وبحراً وجواً، لترسيخ مكانة الإمارات كمحور عالمي لحركة نقل البضائع والبشر على السواء.
وفي عام 2022، بلغ حجم التبادل الإماراتي للإمارات مع العالم نحو 1.273 تريليون دولار، بفائض بلغ 233 مليار دولار، وفقاً لوزارة الاقتصاد الإماراتية.
في العام ذاته، حققت التجارة الخارجية غير النفطية مستويات قياسية، بعدما تجاوزت للمرة الأولى في تاريخها تريليونَي درهم، لتسجل تريليونين و233 مليار درهم، بنسبة نمو بلغت 17 في المئة مقارنة بعام 2021.
وخصصت الدولة 2.4 مليار درهم من ميزانية 2023 لتطوير البنية التحتية والاقتصادية من إجمالي قيمة الميزانية البالغة 63 مليار درهم.
نمو اقتصاد الإمارات
تأتي المبادئ الاقتصادية العشرة لدعم نمو الناتج المحلي الإجمالي الذي قفز بـ7.9 في المئة إلى 1.62 تريليون درهم خلال عام 2022، مدعوماً بارتفاع أسعار النفط والانتعاش السريع للقطاعات غير النفطية بعد الجائحة، ليحتل اقتصاد الإمارات المرتبة الثانية على قائمة الاقتصادات العربية بعد السعودية.
لكن نتيجة لقرارات الخفض الطوعي لإنتاج النفط وتوقعات التباطؤ الاقتصادي العالمي، توقعت منظمة التجارة العالمية نمو الناتج المحلي الإجمالي للإمارات بوتيرة أبطأ خلال 2023، بنسبة تبلغ 2.4 في المئة.
على الجانب الآخر، توقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي للدولة بنحو 3.5 في المئة هذا العام، متجاوزاً أداء دول مجلس التعاون الخليجي، مع نمو القطاع غير النفطي بنسبة 4 في المئة، وفقاً لما أوردته وكالة رويترز.