انطلق ماراثون الانتخابات الرئاسية في مصر يوم الأحد، ويستمر ثلاثة أيام، وسط توقعات بفوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بولاية ثالثة.
وتأتي الانتخابات المصرية في ظل أزمات اقتصادية طاحنة تضرب البلاد، ما أدى إلى تراجع قيمة الجنيه ونقص موارد النقد الأجنبي وارتفاع التضخم.
ويتولى الرئيس البالغ من العمر 69 عاماً، زمام الحكم في مصر منذ يونيو حزيران 2014، وترشح السيسي للرئاسة في عامي 2014 و2018، وفاز في المناسبتين بأغلبية ساحقة، وفي عام 2019 شهدت مصر تعديلات دستورية تسمح للسيسي بالترشح لولاية ثالثة.
أسباب الأزمة الاقتصادية في مصر
تسببت فورة الاقتراض في الفترة الأخيرة في تراكم ديون خارجية ثقيلة على مصر، ويتجنب الدائنون الأجانب سوق الديون المصرية، ما يجبر الحكومة على تمويل العجز المتزايد عن طريق الاقتراض محلياً رغم ارتفاع أسعار الفائدة، ما يؤدي إلى عجز أكبر.
وارتفع الدين الخارجي المصري خلال العام المالي 2023/2022 بقيمة 9.02 مليار دولار، ليصل إلى 164.728 مليار دولار بنهاية يونيو حزيران الماضي، مقابل 155.708 مليار دولار في الفترة ذاتها العام الماضي، وفقاً لبيانات موقع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية المستندة لإحصائيات البنك المركزي.
وأدى هذا، بالإضافة إلى التوسع في المعروض النقدي، إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع التضخم؛ وسعت الحكومة المصرية إلى السيطرة على العجز من خلال رفع أسعار السلع والخدمات المدعومة، لكن التضخم قضى على جزء كبير من المكاسب.
وتراجع التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية إلى 34.6 في المئة في نوفمبر تشرين الثاني مقارنة بـ35.8 في المئة في أكتوبر تشرين الأول مدعوماً بتباطؤ زيادة أسعار المواد الغذائية.
وكان الاستثمار الأجنبي خارج قطاع النفط والغاز ضئيلاً، وانخفضت تحويلات المصريين العاملين في الخارج في العام المالي 2022-2023 بنسبة 30 في المئة إلى 22 مليار دولار.
وانخفض الجنيه المصري بمقدار النصف مقابل الدولار منذ مارس آذار 2022، وعلى الرغم من التخفيضات المتكررة في قيمة العملة، يبلغ سعر الدولار نحو 49 جنيهاً مصرياً في السوق السوداء مقارنة بالسعر الرسمي البالغ نحو 31 جنيهاً.
الاقتصاد المصري
ينمو الاقتصاد المصري بشكل مطرد لكن بوتيرة متباطئة، إذ نما بنسبة 3.9 في المئة سنوياً في الربع الأخير من عام 2022، وكذلك الربع الأول من عام 2023، بانخفاض من 6.7 في المئة في السنة المالية 2021-2022، وفقاً للبنك المركزي، وأدى ارتفاع عدد السكان إلى إضعاف النمو.
وقدر البنك الدولي النمو السكاني السنوي في مصر بنسبة 1.7 في المئة في عام 2021.
وأدى النقص الحاد في الدولار إلى أزمة في الواردات وتسبب في تراكم البضائع في الموانئ وسط قيود على خطابات الاعتماد، مع تأثير مباشر على الصناعة المحلية، فقد ارتفعت أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية بوتيرة أسرع بكثير من معدل التضخم الرئيسي، الذي تسارع إلى مستوى قياسي بلغ 38 في المئة في سبتمبر أيلول.
وتهدد الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة المجاور بإبطاء نمو السياحة في مصر التي تمثل مورداً هاماً للنقد الأجنبي في البلاد.
وتوقع صندوق النقد الدولي، تأثر اقتصادات مصر والأردن ولبنان بالحرب الدائرة بين إسرائيل وغزة منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول.
ديون مصر الخارجية
تقدر قيمة أقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر خلال العام المقبل 2024 بنحو 32.79 مليار، بما في ذلك 4.89 مليار دولار لصندوق النقد الدولي.
وأدى ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة المحلية إلى زيادة تكلفة خدمة الديون؛ وابتلعت مدفوعات الفائدة أكثر من 45 في المئة من إجمالي الإيرادات في العام حتى نهاية يونيو حزيران، وفقاً لبيانات وزارة المالية.
وصنفت البيانات الرسمية نحو 30 في المئة من السكان على أنهم فقراء قبل ظهور فيروس كورونا، ويقول المحللون إن الأرقام ارتفعت منذ ذلك الحين.
وإلى جانب النفقات العادية، أنفقت مصر مبالغ كبيرة على البنية التحتية في عهد الرئيس السيسي، ويشمل ذلك مشروعات الإسكان وعدداً من المدن الجديدة وبناء الطرق السريعة، وأبرز المشروعات الضخمة العاصمة الإدارية الجديدة بتكلفة 58 مليار دولار.
كما ارتفعت واردات مصر من الأسلحة خلال العقد الماضي، ما جعلها ثالث أكبر مستورد على مستوى العالم، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
ويتنافس ثلاثة مرشحين آخرين على منصب الرئيس، مع توقع دعم ضئيل لكل منهم، وهم رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران؛ ورئيس حزب الوفد عبدالسند يمامة؛ ومرشح حزب الشعب الجمهوري حازم عمر.
ماذا بعد فوز السيسي المحتمل؟
إذا فاز السيسي بولاية جديدة مدتها ست سنوات، فإن أولوياته العاجلة ستكون كبح جماح التضخم المرتفع، ومواجهة النقص المزمن في العملة الأجنبية، ومنع امتداد الصراع بين إسرائيل وحركة حماس في غزة.
ويجري صندوق النقد الدولي محادثات مع مصر لتوسيع حزمة دعم مالي مدتها أربع سنوات بقيمة ثلاثة مليارات دولار جرى التوقيع عليها في ديسمبر كانون الأول 2022.
وكان الصندوق أوقف المدفوعات بعد أن تخلفت مصر عن تعهداتها باعتماد سعر صرف مرن وتقليص دور الدولة والجيش في اقتصاد البلاد.
وقال هاني جنينة كبير الاقتصاديين في شركة القاهرة المالية القابضة «كل المؤشرات تشير إلى أننا سنتحرك بسرعة كبيرة بعد الانتخابات فيما يتعلق بالمضي قدماً في برنامج الإصلاح المقدم من صندوق النقد الدولي».