تُثار الكثير من التساؤلات بشأن أسماء الدول الموجودة بقائمة أغنى دول في العالم، لكن ما معنى أن تكون دولة ما غنية؟ وما السبب وراء هذا الثراء؟ وكيف ينعكس ذلك على مواطنيها والمقيمين بها؟
إن تقييم الدول الغنية يخضع لمعدل النمو الاقتصادي المتمثل بشكلٍ أساسي في حجم الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة، ما ينعكس على نصيب الفرد من هذا النمو.
بعبارة أخرى، كلما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما، كانت أكثر استقراراً وازدهاراً من الناحية المالية؛ وبالتالي زادت إمكاناتها للنمو الاقتصادي.
أمَّا بالنسبة لنصيب الفرد في الناتج المحلي، ففي عالم الاقتصاد يشير هذا المصطلح إلى صافي قيمة الناتج المحلي للدولة مقسوماً على عدد أفراد سكانها، أي متوسط نصيب كل شخص من الناتج المحلي، وهو ما يعطي مؤشراً على حجم الأموال التي يكسبها، ويحدد كذلك قوته الشرائية ويعطي انطباعاً حول مستوى المعيشة ونوعية الحياة، وبالأخير يصبح مقياساً لمعرفة أغنى دول في العالم.
وبالتالي، فإن الناتج المحلي الإجمالي للدول قد لا يعكس بالضرورة ارتفاع نسبة الناتج المحلي للفرد، لأنه وبكل بساطة الأمر يخضع أيضاً لتعداد سكان هذه الدولة، فالناتج المحلي الذي تسجّله كل دولة يُقسّم على عدد سكانها، وبالتالي فإن بعض الدول التي قد لا تكون الأقوى اقتصادياً، تكون هي الأغنى مالياً إذا كان عدد سكانها أقل من غيرها.
أقوى اقتصاد في العالم
الحلم الأميركي أمام التنين الصيني، عند معرفة مدى المنافسة بين اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية و الصين، فإن الأمر ليس جديداً بالمرة، هذا الصراع موجود بالفعل نظراً لأن الدولتين كانتا في مقدمة المنافسين على المركزين الأول والثاني في القائمة على مدار السنوات العشر الماضية.
لماذا؟ الإجابة بسيطة؛ فأميركا والصين تعتمدان على الموارد الطبيعية الوفيرة والاقتصاد الموجَّه للتصدير الذي تهيمن عليه قطاعات مثل التكنولوجيا والصناعة لدعم النمو، إلّا أن الأولى تعتمد أيضاً على السياحة والطاقة المتجددة، فضلاً عن مرونتها في مواجهة الصدمات الاقتصادية، وبالطبع تسهم قوة عملتها المحلية -الدولار- في قوة اقتصادها.
وبالنظر إلى الناتج المحلي الإجمالي لأميركا مثلاً فإنها تحتل صدارة اقتصادات العالم، وتأتي الصين في المركز الثاني بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي الكلي، لكن نظراً لارتفاع عدد سكان الأخيرة مع انخفاض قيمة اليوان الصيني، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي جعلها في المركز الثامن بين أكبر عشر دول من حيث حجم الاقتصاد.
النمو الاقتصادي في مواجهة التضخم
شهد 2023 العديد من التقلبات الاقتصادية التي جاءت مدفوعة برفع أسعار الفائدة، وحرب البنوك المركزية على التضخم العالمي، لذلك فإن السيناريو المحتمل للنمو العالمي يرجّح تباطؤه من 3.5 في المئة في 2022 إلى 3 في المئة في 2023، وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في أكتوبر تشرين الأول الماضي.
كما توقع تباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة من 2.6 في المئة في 2022، إلى 1.5 في المئة في 2023 و1.4 في المئة في 2024، على عكس الاقتصادات النامية التي تتوقع أن تشهد انخفاضاً طفيفاً من 4.1 في المئة في 2022 إلى 4 في المئة في عامي 2023 و2024.
بالنسبة لاقتصادات دول مثل اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية أيضاً، فالتكنولوجيا وإنتاج السلع مثل الهواتف المحمولة والسيارات، مكّنتها من الحفاظ على قوة النمو الاقتصادي واستدامته، وجذب المزيد من الاستثمارات.
وإذا وضعت في اعتبارك القاعدة المتعلقة بأن أغنى دولة تقاس بحجم ناتجها المحلي مع أخذ عدد سكان الدولة بعين الاعتبار، فلن تتعجب إذا علمت أن قائمة أغنى دول في العالم تتصدرها لوكسمبورغ، بنحو 135.6 ألف دولار للفرد، وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، يصل عدد سكانها إلى 660.8 ألف نسمة عام 2023 بحسب تقديرات رسمية.
وتأتي أميركا في المركز الخامس ضمن قائمة أغنى دول في العالم، على الرغم من قوة نموها الاقتصادي بشكلٍ عام.
أغنى الدول العربية
على جانب آخر، فإن المحرك الاقتصادي لبعض الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر يأتي مدفوعاً بموارد طبيعية هائلة مثل الغاز الطبيعي والنفط، فضلاً عن استراتيجيتها الجديدة التي تعتمد على تنويع روافد الاقتصاد، ما عزز من النمو عن طريق القطاعات غير النفطية أيضاً.
تشمل قائمة أغنى دول في العالم، قطر التي جاءت في المركز السابع عالمياً، إذ يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نحو 81.9 ألف دولار عام 2023، وفقاً لتقرير الصندوق.
وعربياً جاءت الإمارات في المركز الثاني بنحو 50.6 ألف دولار، و السعودية ثالثة بنحو 32.5 ألف دولار، ثم الكويت بنحو 32.2 ألف دولار.
وبينما لا تتوفر بيانات لكلٍّ من لبنان وسوريا نظراً للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلدان، فقد شهد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كلٍّ من مصر والمغرب تقارباً شديداً وفقاً لبيانات الصندوق، إذ بلغ نصيب الفرد في مصر نحو 3.7 ألف دولار، وفي المغرب نحو 3.9 ألف دولار.
كان صندوق النقد العربي توقع أن يتراجع معدل نمو اقتصادات الدول العربية خلال العام الجاري، متأثراً بخفض إنتاج النفط ورفع أسعار الفائدة عالمياً، على أن يعود النمو للتعافي في 2024.
وأشار الصندوق إلى أن معدل نمو اقتصادات الدول العربية سيسجّل 2.2 في المئة مقابل 5.8 في المئة خلال 2022.
وأرجع الصندوق هذا إلى تخفيضات مجموعة دول أوبك+ ما هبط بمساهمة قطاع النفط والغاز في النمو، فضلاً عن تأثير تشديد السياسة النقدية وما يصاحبها من الضغوط على الأنشطة الاقتصادية، كما أن النمو المرتفع في 2022 عكس تعافياً من جائحة كوفيد-19.