جاء عيد الميلاد في بيت لحم محملاً بالأحزان على ضحايا حرب غزة، إذ أصبحت المدينة كالمتاهة المهجورة مع إلغاء الاحتفالات، وترددت أصداء أجراس الكنائس في الشوارع، بينما كانت كنيسة المهد -التي كانت أول موقع للتراث العالمي في الأراضي الفلسطينية في عام 2012- ساحة شبه فارغة لا يُسمع فيها سوى الصلوات من أجل السلام لغزة.

قررت الطوائف المسيحية الفلسطينية أن يقتصر عيد الميلاد على الشعائر الدينية فقط؛ فخيّم البؤس والحزن على مسقط رأس السيد المسيح، فأضواء شجرة الميلاد مطفأة، وانتشرت الحواجز والأسلاك الشائكة والأنقاض بدلاً من الزينة، حتى الهدايا التذكارية والمنحوتات المصنوعة من خشب الزيتون تراكم عليها الغبار.

كما انتشرت فِرق الكشافة في الشوارع لرفع لافتات مكتوب عليها (سلام لغزة وأهلها)، و(يريد أطفالنا أن يلعبوا ويضحكوا)، إضافة إلى (غزة في القلب)، و(نريد حياة لا موتاً)، في رسالة سلمية تخلى فريقها عن الموسيقى التي تعتبر من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد في بيت لحم.

فأصبحت بيت لحم بلا عيد، هكذا بدا المشهد، كما أزيلت الزخارف التي كانت تزين الأحياء ذات يوم.

وحول الفراغ الذي يعم كنيسة المهد، قال الكاهن سبيريدون سمور، كاهن الروم الأرثوذكس في كنيسة المهد لشبكة CNN «لم أرَ الأمر هكذا من قبل».

وأضاف «عيد الميلاد هو الفرح والحب والسلام، لكن ليس لدينا فرح، ونتضرع إلى الله ليلهم القادة الذين سيتخذون القرارات حول العالم أن يساعدهم، ويمنحهم نوره ليصنعوا السلام هنا وفي جميع أنحاء العالم».

الضرر الاقتصادي

هذا المشهد الحزين المخيم على أجواء عيد الميلاد في بيت لحم، أصاب قطاعات السياحة والصناعات الحرفية والتجزئة، التي تنتعش في مثل هذا الوقت سنوياً، كانت الشركات تعول على فترة الأعياد المزدحمة بعد معاناتها من الصعوبات والقيود المفروضة على السفر.

عادة ما تمثل السياحة نحو 70 في المئة من دخل بيت لحم وكل ذلك تقريباً خلال موسم عيد الميلاد، لكن مع تداعيات الحرب على غزة، فقد شكلت ضربة قاسية للاقتصاد خاصة مع إلغاء العديد من شركات الطيران الكبرى رحلاتها.

كما خلت المطاعم والمقاهي من زوارها واضطرت عشرات الفنادق إلى الإغلاق، ما ترك الآلاف عاطلين عن العمل.

ووفقاً لوزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني، فإن الطاقة الإنتاجية للمنشآت الصناعية تراجعت بنسبة 40 في المئة، فضلاً عن انخفاض حركة الاستيراد والتصدير بنسبة 50 و60 في المئة على التوالي، منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي.

يأتي ذلك في الوقت الذي كانت تأمل فيه بيت لحم العودة إلى عهدها القديم، حتى تتعافى من تداعيات جائحة كوفيد-19 الاقتصادية التي خيّمت عليها، عقب الإغلاق الذي شهدته، لكن حرب غزة جاءت لتعمق جراحها.

وكانت العديد من القطاعات الحيوية في بيت لحم تضررت أثناء الجائحة، إلا أن المتضرر الأكبر كانت قطاعات السياحة والنقل العام والتجارة الخارجية والغزل والنسيج التي تضررت بنسبة 100 في المئة حينذاك، وهو الأمر الذي تكرر الآن مع تداعيات أحداث غزة.

معاناة الاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي

يعاني الاقتصاد الفلسطيني من القيود الإسرائيلية المفروضة على حركة البضائع والأفراد، ويعتمد بشكل أساسي على المساعدات الدولية والتحويلات القادمة من إسرائيل

كما يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل كامل على نظيره الإسرائيلي، ولا توجد حدود فاصلة فيما بينهما، فنحو 53 في المئة من الواردات الفلسطينية تأتي من إسرائيل، بينما تتجه أكثر من 80 في المئة من صادرات الفلسطينيين إلى السوق الإسرائيلية، وجميع هذه الصفقات تُجرى بالشيكل.

وفي ما يخص الاقتصاد الإسرائيلي ككل، أشار بنك إسرائيل في آخر تقاريره إلى أن 764 ألف عامل تغيبوا عن وظائفهم في أكتوبر تشرين الأول بسبب الحرب، أي 18 في المئة من إجمالي العاملين.

وكان الكنيست الإسرائيلي وافق مؤخراً على إضافة 25.9 مليار شيكل (ما يعادل نحو 7 مليارات دولار) إلى ميزانية 2023، لتغطية تكاليف حرب غزة، ما يرفع ميزانية العام الجاري إلى 510 مليارات شيكل (ما يعادل نحو 139 مليار دولار)، علماً بأن وزارة المالية الإسرائيلية قالت في نوفمبر تشرين الثاني الماضي إن إسرائيل سجلت عجزاً في الميزانية بقيمة 22.9 مليار شيكل (نحو 6 مليارات دولار) في أكتوبر تشرين الأول.