بدأ الاقتصاد العالمي عام 2023 مع حالة عدم يقين بشأن معدلات التضخم العالمية في ظل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتداعيات استمرار البنوك المركزية العالمية في رفع أسعار الفائدة.

لكن هذه الأحداث وحدها لم تكن كافية لتشكيل ملامح الاقتصاد العالمي هذا العام، فقد واجه العديد من الأحداث الأخرى التي بدأت في الظهور تباعاً، وأسهمت في تعزيز المخاوف تارة، وتهدئتها تارة أخرى، وفيما يلي أبرز الأحداث في عام 2023:

انهيار سيليكون فالي وأزمة البنوك التجارية

في 12 مارس آذار من العام، أعلنت الهيئات التنظيمية الفيدرالية عن تدابير طارئة استجابة لفشل بنك سيليكون فالي -أحد أكبر البنوك الأميركية- في تأمين ودائع العملاء لديه، ما يسمح للعملاء باسترداد جميع الأموال، بما في ذلك تلك التي لم تكن مؤمناً عليها.

أدى ذلك لإعلان الشركة الأم لبنك سيليكون فالي إفلاسها، وسيطرت حينذاك مخاوف قوية على الأسواق المالية وبخاصة سوق الأسهم الأميركية، بشأن تضرر النظام المصرفي الأميركي وتأثير ذلك على بقية البنوك الإقليمية.

عقب ذلك، انهار أيضاً بنك سيغنتشر، ثم توالى خفض الوكالات لتصنيف البنوك الأميركية، وسط مخاوف بحدوث ما يسمى بتأثير «الدومينو»، وانتشار الأزمة على نطاق واسع ما قد يسفر عن ركود أشبه بأزمة عام 2008 المالية.

وأدى فشل بنك سيليكون فالي -وهو أكبر فشل لمصرف أميركي منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008- إلى هروب المستثمرين من البنوك الأخرى التي يُنظر إليها على أنها ضعيفة، ومن بينها كريدي سويس.

وفي نهاية المطاف هدأت المخاوف مع استحواذ بنك (فيرست سيتيزن) على كل أسهم سيليكون فالي باستثناء 90 مليار دولار من الأوراق المالية والأصول الأخرى التي ظلت تحت الحراسة القضائية لمؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية.

وأعلنت البنوك المركزية بقيادة الاحتياطي الفيدرالي، و البنك المركزي الأوروبي خطة طوارئ لتقليل تأثير الأزمة المصرفية على الأسواق المالية.

كما انتهت أزمة كريدي سويس بقرار إنقاذ من قبل بنك (يو بي إس) السويسري، وكان البنك الأهلي السعودي هو المتضرر الأكبر من أزمة كريدي سويس باعتباره أكبر المستثمرين في البنك.

تطورات حرب الرقائق بين أميركا والصين

تعتبر الصين أكبر سوق في العالم للرقائق الإلكترونية، إذ يستقبل السوق الصيني نحو 36 في المئة من مبيعات الشركات الأميركية، وفقاً لجمعية صناعة الرقائق، التي تمثل منتجي الرقائق الأميركيين.

وفي أغسطس آب هذا العام، أعلنت واشنطن أنها ستحدُّ من الاستثمارات الأميركية في التكنولوجيا المتقدمة في الصين، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والرقائق، لحماية الأمن القومي ومنع استخدام الأموال الأميركية لتمويل الجيش الصيني.

ورداً على هذه الخطوة، فرضت الصين قيودها الخاصة، إذ قيدت صادرات الغاليوم والجرمانيوم، وهما عنصران أساسيان لصنع أشباه الموصلات، خاصة أن الصين هي أكبر منتج للجاليوم في العالم، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

وامتد الصراع إلى بلدان أخرى، ففي الأشهر الأخيرة انضمت اليابان وهولندا إلى الولايات المتحدة في تشديد القبضة على صادرات معدات تصنيع الرقائق المتقدمة لأسباب أمنية.

تفاقم أزمة تغير المناخ والاحتباس الحراري

كان 2023 هو العام الأكثر سخونة منذ فترة طويلة للغاية، إذ لم تبلغ درجات الحرارة العالمية هذا الارتفاع منذ 125 ألف عام، وكانت النتيجة مشاهدة أحداث مناخية متطرفة في جميع أنحاء العالم.

أدت هذه الأحداث بما في ذلك حرائق الغابات، والجفاف الحاد، والفيضانات الشديدة، إلى تأثر المحاصيل الزراعية سلباً، ما ضغط على إمدادات الغذاء العالمية، وهدد بتفاقم أزمة أسعار المواد الغذائية.

ونظراً لما تشكله أزمة الاحتباس الحراري وتغير المناخ من مخاطر على مستقبل الاقتصاد العالمي والكوكب بأكمله، ركزت جهود مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب 28) هذا العام على محاولة إيجاد حلول فعلية تساعد على تجنب تفاقم الأزمة بشكل أكبر.

واعترف قادة العالم في مؤتمر كوب 28 الذي استضافته دولة الإمارات هذا العام، بأن الوقود الأحفوري هو السبب الرئيسي في أزمة المناخ، ما دفعهم لإقرار اتفاق تاريخي للتخلص تدريجياً من الوقود الأحفوري.

حرب إسرائيل وغزة.. وسوق النفط

شهدت بداية الربع الأخير من عام 2023 هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة في السابع من أكتوبر تشرين الأول، ما أدى إلى نشوب حرب بين الطرفين تستمر حتى وقتنا الحالي.

عززت هذه الحرب المخاوف المتعلقة بأسواق الطاقة العالمية، ومع ذلك، لم تظهر تداعيات الحرب حتى الآن بوضوح على أسواق الطاقة، ويظل من يتكبد الخسارة الأكبر هما الاقتصادان الإسرائيلي والفلسطيني.

وتوقع كبير استراتيجي الأسواق لدى شركة أوربكس، عاصم منصور في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية» أن السيناريو الوحيد الذي قد يقفز بأسعار النفط نحو حاجز 100 دولار للبرميل، هو اتساع رقعة الحرب في غزة ودخول أطراف أخرى في الصراع، وبخاصة إيران.

تشريعات الذكاء الاصطناعي وطموحات الشركات التكنولوجية

طالما كان تطور وانتشار الذكاء الاصطناعي التوليدي، مصدر قلق وسبب حالة عدم يقين، إذ تهرع بعض الشركات لدمج أدوات تلك التكنولوجيا في المهام الوظيفية اليومية، بينما يتجنبها الآخرون، على الأقل في الوقت الحالي.

وحظرت العديد من الشركات البارزة استخدام تشات جي بي تي داخلياً كلياً، بما في ذلك جيه بي مورغان تشيس ونورثروب غرومان وأبل وفيريزون وسبوتيفاي وأكسنتشر.

على جانب آخر، قدمت (والمارت) أداة داخلية تُسمى ماي أسيستانت لـ50 ألف موظف في الشركة؛ كي تساعدهم على المهام المتكررة، والأفكار الإبداعية، وتهدف الأداة إلى تعزيز الإنتاجية والمساعدة في نهاية المطاف على تقديم نموذج جديد لسير العمل.

كما أعلنت شركة برايس ووترهاوس كوبرز في أغسطس آب إطلاقها أداة خاصة بها مدعومة بتقنية ( أوبن إيه آي) لمساعدة الموظفين في الأسئلة واللوائح الضريبية كجزء من استثمار بقيمة مليار دولار أميركي لتوسيع استخدام الذكاء الاصطناعي.

فيما أطلقت ماكنزي أداتها (لي لي) في أغسطس آب، وبدعم من الذكاء الاصطناعي يمكن لموظفيها طرح الأسئلة، وقيام الأداة بمسح بيانات الشركة لتحديد الإجابات ذات الصلة.

تحول البنوك بعيداً عن السياسة التشديدية

استمرت البنوك المركزية العالمية في رفع أسعار الفائدة في بداية عام 2023، ولكن مع حلول النصف الثاني من العام، بدأت البنوك الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير بقيادة البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وهو ما مهد لتوقعات انتهاء دورة التشديد النقدي.

ولأول مرة منذ أبريل نيسان 2020، انخفض معدل التضخم في الولايات المتحدة خلال شهر نوفمبر تشرين الثاني على أساس شهري؛ بعد أكثر من ثلاث سنوات من ارتفاع الأسعار، ما عزز التفاؤل بشأن اتجاه الفيدرالي لوقف التشديد النقدي.

وفي اجتماع ديسمبر كانون الأول، خفض الفيدرالي الأميركي متوسط توقعات الفائدة لعام 2024 بواقع 50 نقطة أساس من 5.1 في المئة إلى 4.6 في المئة، ما يشير إلى تخفيضات متوقعة في أسعار الفائدة بواقع 75 نقطة أساس عن مستوياتها الحالية.

كانت هذه الأحداث أبرز ما أثر في الاقتصاد العالمي خلال عام 2023، ويبدو أن بعضها يستكمل مسيرته معنا في عام 2024 المقبل، ومع نهاية العام الوشيكة، ينتظر العالم المزيد من الأحداث والمفاجآت الاقتصادية في العام الجديد وسط آمال بأن يكون عاماً أكثر هدوءاً واستقراراً.