من المحقق كونان الذي احترف حل أصعب الألغاز غموضاً، إلى قتال البشر ضد هجوم العمالقة في عالم (أتاك أون تايتن)، تحوّلت مسلسلات الأنمي بفضل خيال قصص (مانغا) المصوّرة التي رُسمت بنمط مشابه لليابان إلى شغف عالمي؛ لكن مع اختلاف ذائقة متابعيها، فإن المؤكد أن هذا الشغف الذي انعكس على إيرادات هذه الصناعة دعم الاقتصاد الياباني بقوة.
على الرغم من شهرة اليابان بالتكنولوجيا المتطورة، فإن اقتصاد الأنمي والمانغا يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي لليابان بشكل تصاعدي مع زيادة الشغف العالمي، إذ ارتفع إجمالي مبيعات الكتب المصوّرة والإلكترونية والمجلات بنسبة 0.2 في المئة خلال عام 2022، ما يعادل نحو 688 مليار ين (أكثر من 5 مليارات دولار)، وفقاً لإحصاءات جمعية الرسوم المتحركة اليابانية.
وكانت مبيعات المانغا تجاوزت حاجز 600 مليار ين للمرة الأولى في عام 2020، بفضل شعبية مسلسل (دايمون سلاير)، مستفيدة من الحجر المنزلي أثناء الجائحة أيضاً، وبعد عامين تمكنت مبيعات المانغا الرقمية من تحقيق ارتفاع بنسبة 8.9 في المئة.
لا تعكس مبيعات المانغا ازدهار صناعة الأنمي في اليابان، فهذه السوق لم تنتعش بفضل الجائحة، بل انخفضت بنسبة 96.5 في المئة في 2020، واستمرت في المعاناة حتى عام 2021، وذلك بعدما حافظت على نموها لمدة عشر سنوات متتالية من عام 2010، وفقاً للإحصاءات ذاتها.
عقب الجائحة، وجدت الأرباح من جديد طريقها إلى صناعة الأنمي، لتنمو بنسبة 113.3 في المئة، بما يعادل 2.74 تريليون ين في عام 2021، لتحقق رقماً قياسياً جديداً مقارنة بما حققته في 2019 بنحو 2.51 تريليون ين.
إجمالي نمو صناعة الأنمي في اليابان
وفقاً لأحدث تقارير جمعية الرسوم المتحركة اليابانية، فإن سوق الأنمي العالمية نمت بنحو 2.74 تريليون ين (ما يعادل نحو 20 مليار دولار) في 2021، بفضل سلاسل درامية مثل (دايمون سلاير) و(بوكيمون)، وانتشار منصات البث المباشر مثل نتفليكس، ما أسهم في ازدهار هذه الصناعة.
بهذه القيمة، حققت صناعة الأنمي نمواً بنسبة 13 في المئة مقارنة بعام 2020، حينما بلغت نحو 2.41 تريليون ين.
وشهدت مبيعات الأنمي في الولايات المتحدة تحولاً درامياً، بعدما ارتفعت بنحو 171 في المئة خلال 2021، مع وجود العديد من العناوين الشهيرة لدراما الأنمي مثل أتاك أون تايتن، وون بيس، وسباي فاميلي.
على الرغم من أن الأنمي شهد عصره الذهبي في السبعينيات من القرن الماضي، مع شغف جيل الألفية بالأنمي منذ أن حقق مسلسل المحقق كونان وسلاسل أفلام مثل فاينال فانتسي وسبيريتد أواي شهرة واسعة، ازداد انتشار الأنمي بعد انضمام الجيل زد إلى قائمة محبيه.
ومع المعدل الذي تحققه هذه الصناعة من إيرادات منذ عام 2002 إلى 2021، يتضح أنها تسير نحو زيادة يبلغ متوسطها نحو 25 مليار ين، ما يشير إلى إمكانية تحقيق سوق الأنمي العالمية نحو 7 تريليونات ين في 2031.
وتتصدر المسلسلات إيرادات الأنمي في اليابان، وتعقبها الأفلام، وفقاً لإحصاءات جمعية الرسوم المتحركة اليابانية، ووفقاً لتقارير (إي إم دي بي) فإن قائمة الأفلام يتصدرها دراغون سلاير وسبيريتد أواي ويور نايم أو (اسمك).
تأثير النجاح العالمي على الاقتصاد الياباني
في عام 2016، أطلقت اليابان فيلم الأنمي (يور نايم) ليحقق نجاحاً مدوياً، تسببت شهرته في توافد محبي هذا العمل إلى مكان تصويره، خاصة مع تمتع اليابان ببيئة مشابهة لأقصى درجة للأماكن الموجودة في أعمالها المقتبسة من المانغا.
وفي شهرين فقط، جذبت اليابان نحو 130 ألف سائح إلى محطة قطار هيدا، حيث كان المكان الشهير في الفيلم، وانتشر مصطلح التوافد إلى أماكن الأنمي للتمتع بالمناظر الحقيقية للأعمال الكارتونية، ومن ثم تعزيز قطاع السياحة في اليابان الذي جذب أكثر من 17.3 مليون زائر خلال الفترة من يناير كانون الثاني إلى سبتمبر أيلول 2023، وفقاً لبيانات منظمة السياحة الوطنية اليابانية، لتحقق تعافياً بعد فترة جائحة كوفيد-19، إذ بلغ عدد الزيارات في سبتمبر أيلول وحده نحو 2.18 مليون بنسبة نمو تصل إلى 957 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الذي سبقه.
وأظهرت بيانات المنظمة تأثر السياحة في اليابان بشكل ملحوظ بكل الأحداث التي نالت من الاقتصاد العالمي، إذ انخفضت خلال عام 2009 في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وعادت لتحقق نمواً ملحوظاً بدءاً من عام 2012 بالتزامن مع النجاح العالمي لأكثر أعمال الأنمي نجاحاً، إلى أن انخفضت مجدداً بسبب الجائحة.
وبعد استهداف الأعمال الكارتونية اليابانية أو الأنمي للأماكن الريفية، لم تعد السياحة في اليابان تعتمد على العاصمة طوكيو، وانتشرت في كل أرجاء الدولة.
ولم يقتصر تأثير الأنمي على انتشار السياحة في الأماكن الريفية فقط، بل شمل أيضاً انتشاراً واسعاً للمطبخ الياباني، علماً بأن الجهود اليابانية لإنعاش اقتصادها عن طريق الثقافة الشعبية بدأت منذ عام 2009، في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية.
كما أوردت أحدث بيانات لستاتيستا، أن إيرادات سوق تجارة الأنمي في اليابان بلغت 663.1 مليار ين ياباني في عام 2021، وعلى الرغم من تأثيرات جائحة كوفيد-19 والتدابير المضادة ذات الصلة، فقد زاد حجم السوق بأكثر من 81 في المئة.