مع بدء العام الجديد 2024، اجتمع قادة العالم في قمة المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري، في محاولة لرسم ملامح مستقبل عالم يشوبه الغموض، وبمزيج من التفاؤل والحذر تباينت آراء الخبراء حول أداء الاقتصاد العالمي هذا العام، مع الحفاظ على نظرة إيجابية لاقتصادات الخليج التي نجحت في تسجيل معدلات نمو قوية رغم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة.

التضخم والدين وقناة السويس.. مخاطر تقوض النمو العالمي

على الجانب الأكثر تفاؤلاً، توقع صندوق النقد الدولي حدوث هبوط ناعم للاقتصاد العالمي، أي تباطؤ معدل النمو دون الدخول في مرحلة الركود الاقتصادي.

من جانبه، حذَّر جيمي ديمون، رئيس بنك جي بي مورغان، من الإفراط في التفاؤل خاصة حيال الاقتصاد الأميركي، ما يعكس مدى تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي.

فعلى الرغم من بدء تراجع معدلات التضخم في معظم الاقتصادات الكبرى، فإنها لا تزال بعيدة عن المستهدفات الوطنية، على سبيل المثال فاجأت المملكة المتحدة العالم بارتفاع نسبة التضخم لديها إلى 4% في ديسمبر على أساس سنوي.

ولا يقتصر القلق على التضخم فحسب، بل يشمل أيضاً الارتفاع القياسي في مستويات الديون؛ فوفقاً لديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لبنك غولدمان ساكس، يقف الدين العالمي الحالي عند مستويات غير مسبوقة مسجلاً 307 تريليونات دولار، أي أكثر من ضعفي حجم الاقتصاد العالمي البالغ 85 تريليون دولار.

وفي أميركا وحدها، وصل الدين العام إلى مستوى قياسي جديد قدره 34 تريليون دولار بعد أن رفع المشرعون سقف الدين العام الماضي لتجنب التخلف عن السداد.

كما يواجه العالم تحديات جيوسياسية متزايدة مع استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، واندلاع الصراع بين حماس وإسرائيل، والتأثيرات المحتملة لهجمات البحر الأحمر على حركة الملاحة بقناة السويس وما يترتب عليها من تعطل التجارة العالمية ومن بينها الإمدادات النفطية.

يضاف إلى ذلك الغموض المحيط بتحركات أسعار الفائدة، مع اتجاه البنك المركزي الأوروبي نحو خفض معدل الفائدة في الصيف وفقاً لتصريحات رئيسة البنك كريستين لاغارد في دافوس، في حين ألمح جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى نهاية حقبة التشديد النقدي، مشيراً إلى ثلاثة تخفيضات في عام 2024.

الإمارات والسعودية.. نمو لافت رغم التحديات

هناك تساؤلات حول مدى تأثر اقتصادات الخليج بتحركات الفائدة الأميركية نظراً لارتباط عملاتها المحلية بالدولار.

ورداً على تلك التساؤلات، استبعد وزير الاقتصاد الإماراتي عبدالله بن طوق في تصريح خاص لـ«سي إن إن الاقتصادية» أن يشهد العام الجاري تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة، وأشار إلى النمو المتصاعد للاقتصاد الإماراتي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مستشهداً على ذلك بنمو الناتج المحلي الإجمالي من 5.3 في المئة في عام 2021 إلى 7.9 في المئة في 2022، ولافتاً إلى نمو الناتج المحلي غير النفطي بـ7.2 في المئة في 2022.

ورغم التحديات العالمية المتزايدة مثل ارتفاع الفائدة والتضخم، أشار الوزير الإماراتي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي نما بـ3.6 في المئة في النصف الأول بينما توسع الاقتصاد غير النفطي للبلاد بـ5.9 في المئة،؜ مؤكداً أهمية النمو الأخضر كعنصر أساسي في الاقتصاد الإماراتي، وهو ما يظهر بشكل واضح في استضافة الإمارات لقمة المناخ (كوب 28) التي تمثل منصة عالمية لتحقيق اقتصاد أخضر منخفض الكربون، مع التركيز على جذب الاستثمارات وتحفيز القطاعات الاقتصادية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.

وبحسب أحدث تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، سجلت الإمارات ثاني أعلى زيادة عالمية في مشاريع الاستثمار الأجنبي الجديدة في عام 2023 بعد الولايات المتحدة، إذ شهدت ارتفاعاً بنحو 28 في المئة في التدفقات الاستثمارية في الوقت الذي تراجعت فيه التدفقات العالمية بنسبة 18 في المئة خلال الفترة ذاتها.

من جهته، تحدث وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف لـ «سي إن إن الاقتصادية» عن الجهود المبذولة لتحفيز الاستثمارات وضمان الاستدامة في أكثر من 12 قطاعاً في المملكة بهدف تحقيق رؤية 2030، مؤكداً التركيز على القطاعات المستهدفة في المملكة وفي مقدمتها السيارات، والصحة، والنفط والغاز، والبتروكيماويات، والبناء والتشييد، والصناعات الغذائية.

كما أكد الخريف أهمية جذب المستثمرين الجدد، سواء المحليون أو العالميون، والعمل على تطوير البنية التحتية ودعم التمويل الحكومي للمشاريع.

دول الخليج.. استمرار النظرة المتفائلة

بينما تستمر التحديات العالمية في إلقاء ظلالها على النمو الاقتصادي، تبرز دول مجلس التعاون الخليجي نموذجاً للمرونة في مواجهة هذه التحديات بفضل التزامها بتنويع اقتصاداتها، والاستثمار في البنية التحتية والقطاعات الحديثة كالطاقة المتجددة والتكنولوجيا.

وفي هذا السياق، أكدت شركة إنفستكورب للاستثمارات البديلة، التي تمتلك محفظة استثمارية بقيمة 53 مليار دولار، استمرار النظرة الإيجابية لمنطقة الخليج عبر مختلف القطاعات في عام 2024، مشددة على أهمية الاستثمار في أصول البنية التحتية.

واتفق معها مارون كيروز، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي شارك إنفستكورب توقعاتها المتفائلة لدول الخليج.

وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، أوضح كيروز أن التوقعات تنقسم إلى قسمين؛ ففي حين يسود التفاؤل بشأن دول الخليج بفضل الإصلاحات الجذرية والنهضة الاجتماعية والاقتصادية الشاملة التي تشهدها تلك الدول عبر كل المجالات، يختلف الوضع في بقية المنطقة التي تواجه تحديات مرتبطة بالتجارة العالمية وارتفاع أسعار الطاقة والمديونية.

كما أشار كيروز إلى التوقعات المتباينة للاقتصاد العالمي، لافتاً إلى أن الاقتصاد الأميركي تغلب عليه النظرة المتفائلة فيما تغلب النظرة التشاؤمية على توقعات الاقتصادين الصيني والأوروبي.

وأكد أنه لمس تفاؤلاً عاماً تجاه دول الخليج لدى معظم المستثمرين الذين التقاهم خلال الجلسات الحوارية مع وفود الدول المختلفة، وعزا ذلك للإصلاحات الواسعة التي نفذتها تلك الدول، لا سيما فيما يتعلق بتحسين مناخ الأعمال.