بينما يخطو العراق نحو الاستقرار الأمني والنهوض الاقتصادي، ويتطلع العراقيون لبناء عراق جديد، جاء التصعيد بين الفصائل المسلحة في البلاد والولايات المتحدة بالإضافة إلى الهجمات الإيرانية ليكون حجر عثرة يدفع بالملف الأمني إلى الواجهة في البلاد، ولتتعالى دعوات خروج القوات الأميركية من العراق، وهو الأمر الذي طلبته بغداد من واشنطن بشكلٍ صريح وواضح.

من جانبه، أكد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد في مقابلة خاصة مع «CNN الاقتصادية» أن «بقاء الأميركيين أو خروجهم يقف على اتفاقية بين الحكومة العراقية وتفاهم الجانب الأميركي».

جاء هذا في وقتٍ تسعى فيه الحكومة العراقية إلى تسليم ملف الأمن داخل المدن إلى قوات الشرطة بعد سنوات من انتشار الجيش لتوفير حالة الأمن، في حين قد يمثِّل التصعيد الأخير ضربة للاستثمارات الأجنبية التي كانت بغداد تتوق لجذبها.

وقال الرئيس العراقي «برنامجي للعراق، أول شيء فيه التركيز على الأمن والاستقرار في العراق، فدون أمن واستقرار لن نستطيع إنجاز أي شيء».

وأضاف «أي خرق أمني في العراق له تأثير كبير على المجتمع العراقي، لأن المجتمع العراقي عانى مشكلات في الماضي لفترات طويلة من القصف ومن الإرهاب، وأملي في المستقبل أن نركّز على الأمن والاستقرار في العراق».

وتابع «ركّزنا ومنذ عدة أعوام على ضمان الأمن والاستقرار في العراق، وأنا أعتقد أن وضع العراق من الناحية الأمنية ومن ناحية الاستقرار أفضل بكثير من بعض دول العالم، لكن الانطباع الموجود في الخارج ليس على المستوى المطلوب، لذلك من واجبنا إعطاء الصورة الصحيحة للعراق دون مبالغة»، مشدداً على أن «الحالة الأمنية أفضل بكثير حالياً من السابق، ولا تُقارن بالوضع في عام 2007».

الهجمات الإيرانية على أربيل

شنّ الحرس الثوري الإيراني في 15 يناير كانون الثاني هجوماً صاروخياً على إقليم كردستان العراق مخلفاً ضحايا مدنيين، وزعمت إيران أن هجماتها على الأراضي العراقية استهدفت مواقع للموساد الإسرائيلي، وهو ما نفاه المسؤولون العراقيون الذين أكدوا أن الصواريخ الإيرانية استهدفت مواقع مدنية.

وعلى إثر الهجوم استدعت بغداد سفيرها لدى طهران للتشاور، وقدمت احتجاجاً رسمياً إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة مشددة على أن الهجوم الإيراني هو انتهاك صارخ لسيادة العراق وأمنه.

وحذّرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في بغداد، غينين هينيس بلاسخارت، من أن العراق معرض لخطر «الانجرار إلى الصراع» الدائر في منطقة الشرق الأوسط.

وقالت في بيان «يمر الشرق الأوسط بمرحلة حرجة، ويهدد الصراع المحتدم في غزة والأعمال المسلحة في أماكن أخرى باندلاع مواجهة كبيرة»، داعية جميع الأطراف في العراق إلى ممارسة «أقصى درجات ضبط النفس».

الهجمات الأميركية في العراق

وشهد 20 يناير كانون الثاني أحدث عمليات التصعيد بين القوات الأميركية والفصائل المسلحة في العراق، إذ تعرضت قاعدة عين الأسد لهجوم بصواريخ بالستية خلّف إصابات بصفوف القوات الأميركية.

ووصف نائب مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون فاينر، الهجوم «بالخطير للغاية»، ومثّل الهجوم تحولاً لنهج الفصائل المسلحة فبعدما كانت تستخدم صواريخ بدائية الصنع ومسيرات بتكنولوجيا بسيطة أصبحت تستخدم صواريخ بالستية.

وكان الجيش الأميركي قد قصف في 25 ديسمبر كانون الأول ثلاثة مواقع عراقية، ما أثار غضباً كبيراً داخل الأوساط الشعبية وتصاعدت دعوات ضرورة مغادرة القوات الأميركية للأراضي العراقية.

ومنذ منتصف أكتوبر تشرين الأول، سُجلت عشرات الهجمات على الوجود العسكري الأميركي في العراق، وأعلنت «المقاومة الإسلامية في العراق»، وهي تحالف فصائل مسلحة مرتبطة بإيران وتعارض الدعم الأميركي لإسرائيل في حربها على حماس في غزة، مسؤوليتها عن معظم الاستهدافات.

وقال الرئيس العراقي «الأعمال التي تمت في الفترة القصيرة الماضية كان لها تأثير على وضع الشركات الأجنبية والمستثمرين الأجانب، وبالطبع نحن لسنا راضين عمّا حدث في الفترة الأخيرة لكن بقاء الأميركان أو خروجهم يتوقف على الاتفاقية الموجودة بين الحكومة العراقية والتفاهم مع الأميركان، أي تحتاج إلى مفاوضات ودراسة، وكذلك استراتيجية للمستقبل».

الحالة الأمنية وجذب الاستثمارات

حققت الحكومة العراقية تقدماً في الأمن الداخلي مؤخراً، وسلّمت الأمن الداخلي في عدد من المحافظات إلى قوات الشرطة بعدما ظلت قوات الجيش توفر خدمات الأمن للمدن لسنوات.

وقال قائد شرطة بغداد الكرخ، اللواء بلاسم حمد حسن، في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية» إن الشرطة استلمت الملف الأمني بسبع محافظات، «وتباعاً إن شاء الله في عام 2024 سيتم استلام الملف الأمني في كل محافظات العراق».

وتسعى حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لتسليم ملف الأمن داخل المدن إلى وزارة الداخلية خلال عام 2024، وترى بغداد أن عودة الحياة الطبيعية داخل البلاد خطوة ضرورية لجذب الاستثمارات الأجنبية.

في هذا السياق، قال الرئيس العراقي «دون أي خجل، لدينا بعض المشكلات في العراق، مثلاً الناحية الاقتصادية كانت مهملة لفترة طويلة، كذلك الجميع يعرف كم عانينا من الصراعات سواء كانت داخلية أو خارجية، بالإضافة للحروب؛ من حرب مع جيراننا إلى غزو واحتلال ثم حصار وآخر شيء أعمال إرهابية، وتقريباً وقع ثلث الدولة تحت سيطرة الإرهابيين لفترة قصيرة وحاربناهم، ولكن هناك تأثيرات كبيرة للأعمال الإرهابية من قبل داعش وما سبقه على المجتمع».

وأضاف «لفترة طويلة العراق كان متوقفاً من ناحية الاستثمارات، ومن ناحية التعامل مع الدول الأجنبية كان معزولاً، الآن نحن في العراق الجديد نحتاج إلى دعم دولي ودعم الدول الصديقة من أجل تشجيع الاستثمارات في العراق واستغلال المشاريع الموجودة في العراق، لذلك نحن نشجعهم».

وتابع الرئيس العراقي «هناك نقاط أخرى مهمة، في العراق وحتى الآن القطاع الخاص ضعيف جداً، والمعامل والمصانع غير موجودة، والشركات الكبيرة غير موجودة في العراق وإذا وجدت لم تكن بيد العراقيين، والزراعة لفترة طويلة كانت متوقفة، ولذلك نحن نحتاج إلى تحسين البنية التحتية وكذلك تشجيع القطاع الخاص من أجل معالجة أزمة البطالة».

وقال «هناك اتصالات دائمة مع الدول الصديقة ودول الجوار وكذلك الدول الأوروبية من أجل تشجيعها على الاستثمار في العراق، وحتى الآن النتائج غير واضحة، لكن بدأ العمل وعدد كبير من الدول لديها استثمارات مهمة وكبيرة في العراق».

ومنذ عام 2014، يشهد العراق انخفاضاً في حجم الاستثمارات الأجنبية فبعدما كان إجمالي هذه الاستثمارات يبلغ أكثر من عشرة مليارات دولار انخفض إلى أقل من النصف ليسجل عام 2017 نحو 5.1 مليار دولار، واستمر الانخفاض في عامي 2018 و2019 ليسجل خمسة مليارات و3.2 مليار دولار على الترتيب، وفي الأعوام الثلاثة اللاحقة 2020 و2021 و2022 سجل إجمالي الاستثمارات الأجنبية ثلاثة مليارات و2.7 و2.3 مليار على الترتيب.