في مخبز متهالك بحي بسيط بالعاصمة العراقية بغداد تعمل أم عباس لكسب قوت يومها وإعالة عائلتها الكبيرة المكونة من 12 ابناً وابنة و43 حفيداً، وإثر وفاة زوجها وجدت السيدة السبعينية نفسها أماً وأباً لعائلة كبيرة تحتاج إلى الرعاية.
وبعدما كبر أولادها فوجئت أم عباس بواقع جديد فالحروب والصراعات التي شهدها وطنها العراق جعلت أولادها بين عاطل عن العمل أو ذي دخل محدود، وعليها أن تستمر في العمل لا لإعالة نفسها، لكن لدعم أحفادها.
الفقر في العراق
تكاد عبارة «الحمد لله» لا تغادر شفاه أم عباس التي أصرت على استقبالنا في منزلها البسيط وخلال جلستنا قالت «أعمل من أجل أولادي وأحفادي، وأبدأ عملي من السابعة صباحاً كل يوم».
وعند سؤال أم عباس عن المساعدات الحكومية وهل تلقت أي دعم، ردت «لا فمن يساعد؟ الله يساعد، أنا لا احتاج مساعدة من أحد بل أنا من يعطي للعالم أنا ساعدت النازحين وأساعد أقرب الناس لي الآن»، مشددة «أنا لن أحني رأسي لأحد».
أم عباس ليست حالة فردية، فهناك الآلاف من أمثالها في بلاد الرافدين، فقد أعلنت وزارة التخطيط العراقية في عام 2023 عن وصول نسبة الفقر في البلاد إلى 25 في المئة، مؤكدة في الوقت نفسه إعدادها استراتيجية لدعم الفئات الفقيرة والمهمشة وتحسين سبل الحياة في مختلف المجالات من صحة وسكن وتعليم وتحسين الدخل.
وأضافت الوزارة في بيان أن «نسبة الفقر في العراق بلغت 25 في المئة من إجمالي السكان البالغ تعدادهم أكثر من 42 مليون نسمة، بعدما كانت النسبة لا تتجاوز 20 في المئة خلال عامي 2019 و2020».
من جانبه شدد الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد خلال مقابلة خاصة مع «CNN الاقتصادية» على أن «الفقر في العراق غير مقبول، لأننا دولة غنية ويجب أن نساعد كل عائلة عراقية على رفع مستواها».
جهود العراق لمواجهة الفقر
وقال الرئيس رشيد «في العراق يوجد بعض العائلات الفقيرة لكن ليس لدينا مجاعة أو مشكلات كبيرة»، مضيفاً «حتى مع وجود الفقر لدينا الضمان الاجتماعي موجود لكل عائلة عراقية يستلمون راتباً، ولو أن الراتب ليس معناه ثروة لكن يستطيعون العيش عليه».
الرئيس العراقي وجه حديثه إلى أم عباس قائلاً «أم عباس تستطيع التقديم وإذا لم تقدم تأتي وسأساعدها»، معقّباً «معظمهم -يقصد العائلات الفقيرة- لا يعرفون الطريق الصحيح حتى يحصلوا على الامتيازات، هذه أزمة موجودة ونحن نعالجها».
وشدد الرئيس رشيد «أي أحد ليس عنده دخل يستحق أن يطلب مساعدة الدولة عن طريق وزارة الضمان الاجتماعي».
وكان وزير العمل العراقي أحمد الأسدي قد أعلن في يوليو تموز 2023 أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة رفعت مستوى العراق 20 درجة في تسلسل درجات الفقر الدولية، وفق منظمة الأمم المتحدة.
وقال الأسدي إن «العراق كان يحتل المرتبة الـ86 ووصل الآن إلى المرتبة الـ66، وسنستمر بعملنا حتى يصل العراق إلى مراحل متقدمة».
الفساد والفقر
رغم كل الحروب والصراعات والتحديات التي شهدها العراق خلال الأعوام العشرين الماضية يُعد الفساد المتهم الأول في قضية الفقر، وفي مارس آذار من عام 2023 قال رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى كاظمي خلال مقابلة صحفية إن الفساد كلف البلاد نحو 600 مليار دولار في الفترة بين عامي 2003 و2020.
وأكد الرئيس العراقي ضرورة مواجهة الفساد بجميع أشكاله وقال «أنا أتصور أن البرلمان العراقي وكذلك الحكومة العراقية ورئاسة الجمهورية مهتمون جداً بمحاربة الفساد».
وأضاف الرئيس رشيد «لكن كما تعرفين قضية الفساد مربوطة بالشبكات ومربوطة بتخطيط، ومعالجتها غير بسيطة، أولاً تحتاج إلى سلطة قوية جداً من قِبل المحاكم، والبرهان ضروري جداً، ولذلك أنا في اعتقادي، محاربة الفساد ضرورية من قبل الحكومة، فالفساد سرطان لأي مجتمع».
وحذر الرئيس العراقي من مغبّة الفساد «أنا دائماً أشير إلى أن نهاية كل الإمبراطوريات في العالم من إمبراطورية إيطاليا إلى الإمبراطورية العثمانية فشلها ونهايتها كانا نتيجة الفساد، لا توجد حكومة في العالم إذا لم تحارب الفساد بشكل جدي تبقى على الحكم».
وفيما يخص جهود مواجهة الفساد شدد الرئيس رشيد «هناك خطوات جدية لمحاربة الفساد لأن قضية الفساد ليست أخذ مال فقط، إنها معقدة جداً، لذلك يجب أن نفكر بكيفية معالجتها بطريقة صحيحة، بطريقة قانونية يؤيدها المجتمع».