في ظل الأحداث التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة لا سيما في عامي 2023 و2024، من كوارث طبيعية مدمرة إلى أزمات سياسية وصراعات مسلحة، تبرز الحاجة الماسة إلى تضافر جهود قادة العالم لمواجهة التحديات الاقتصادية الناتجة عن ذلك، في هذا الإطار جاء انعقاد القمة العالمية للحكومات كمنصة للنقاش البناء وتبادل الخبرات والرؤى نحو إيجاد حلول فعالة للقضايا الملحة التي تواجه البشرية.

خلال العام المنصرم، لم تخلُ الساحة الدولية من التحديات الكبيرة، إذ شهدت العديد من الدول زلازل وفيضانات ونزاعات مسلحة زادت من تعقيدات الوضع العالمي، وبشكل خاص في العالم العربي، الذي واجه حصته الوافرة من هذه التحديات، ما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية وجعل الحاجة إلى التدخل والمساعدة أكثر إلحاحاً.

إعصار دانيال وفيضانات مدمرة في ليبيا

في ليبيا، على سبيل المثال، ترك إعصار دانيال والفيضانات المدمرة التي أعقبته آثاراً بالغة السوء، ما يستدعي تمويلاً ضخماً بقيمة 1.8 مليار دولار لعمليات الإعمار والتعافي، وفقاً لتقديرات البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي حديثه مع (CNN الاقتصادية)، تطرق عبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، بإسهاب إلى الجهود المكثفة التي تبذلها ليبيا في مسار إعادة البناء والتطوير.

وأوضح الدبيبة أن ليبيا، على الرغم من الحروب الشرسة التي واجهتها، تمر حالياً بمرحلة نهضة حقيقية، تُعيد من خلالها الحياة إلى شوارعها وأزقتها، كما أشار إلى أنه في كل زاوية من زوايا البلاد يُلاحظ وجود مشاريع بناء وتطوير قائمة، مضيفاً أن ليبيا خلال السنوات الثلاث الماضية شهدت أسرع معدلات النمو منذ عقدين، نتيجة لتوقف الحروب وزيادة الإنتاج، خصوصاً في قطاع النفط، بالإضافة إلى جهود إعادة تأهيل البنية التحتية من كهرباء وبناء وطرق.

الحرب تدفع اليمن نحو انهيار اقتصادي

أما اليمن، فلا يزال يعاني من جراء الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات، ما دفع البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصادي، وفقًا لتقارير أوكسفام، فأكثر من مليوني طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، وأكثر من 17 مليون شخص يعيشون في ظروف انعدام الأمن الغذائي، نصر صالح مثنى الحربي، مسؤول في وزارة المالية اليمنية علَّق على الوضع الراهن بالقول «الاقتصاد اليمني يواجه صعوبات جمة، أبرزها توقف صادرات النفط والحالة المعقدة بين الحرب والسلام، والتصعيد في البحر الأحمر وتأثيراته على الاقتصاد، خصوصاً فيما يتعلق بارتفاع الأسعار وتكاليف الشحن والتأمين يضيف تحديات جديدة، نحن نسعى خلال هذا العام إلى استئناف تصدير النفط، بدعم من الدول الصديقة والشقيقة، لتعزيز استقرار الاقتصاد اليمني».

تباطؤ الاقتصاد وحرب غزة يضغطان مصر ولبنان والأردن

لم يقتصرِ الأمرُ على اليمن وليبيا، فدول غيرهما في المنطقة العربية تعاني بالفعلِ مثل مصر، ولبنان، والأردن.

في مصر، يشهد الوضع المالي تحديات كبيرة، حيث طلب رئيس المجلس الأوروبي من صندوق النقد دعم الحكومة المصرية بشكل أكبر، وذلك نتيجة للضغوط الإضافية التي تواجهها القاهرة جراء احتمال وصول نازحين من غزة.

وأما في لبنان، حيث قطاع السياحة يُعد العمود الفقري للاقتصاد، فوقعت اشتباكات على الحدود الجنوبية للبلاد بين حزب الله والقوات الإسرائيلية، ودعت العديد من السفارات رعاياها للمغادرة، وألغت شركات الطيران رحلاتها إلى لبنان، في وقت تعاني فيه البلاد بالفعل من أزمة اقتصادية خانقة، وأشار المستثمرون إلى أن فرص إعادة هيكلة ديون لبنان قد تراجعت، وتتعرض سندات البلاد لعمليات بيع بسبب مخاوف من تورط حزب الله في الصراع.

وفي الأردن، تواجه البلاد تحديات بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي وقلة الاستثمارات الأجنبية، ما يزيد من تعقيد الوضع، حيث يقول محللون في غولدمان ساكس إن تطور النزاع قد يجعل الأردن عرضة لمزيد من التداعيات.

جهود جامعة الدول العربية

وقال أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية لـ(CNN الاقتصادية) إن الجامعة تعمل على تجميع الدول العربية في إطار تحرك اقتصادي متكامل، تسعى من خلاله لتخفيف آثار الحرب ودعم الاقتصادات العربية لتعزيز التفاعل والعمل المشترك بينها، وأضاف أبوالغيط أن المشكلة تكمن في أن الاقتصاد يحتاج إلى وقت لكي تظهر آثار التحركات على الأرض.

وفي ظل التوقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 2.9 في المئة هذا العام، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به لتحقيق استقرار وتنمية مستدامة في المنطقة، وعلى الرغم من التحديات الراهنة تظل هناك بارقة أمل في تعزيز التعاون الدولي والإقليمي لبناء مستقبل أفضل للمنطقة العربية والعالم بأسره، ومع استمرار هذه الصراعات والتحديات يظل الاقتصاد العالمي مرناً بشكل ملحوظ، مع نمو يتجاوز التوقعات في العام الماضي وتوقعات بانخفاض التضخم، ما يبشر بـ«هبوط ناعم» في العام الجاري، وفقاً لكريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد الدولي، التي شددت على أنه «لا يمكن إعلان النصر بعد».