بعد أن أعلنت مجموعة البريكس أواخر العام الماضي نيتها إنشاء نظام تسوية المدفوعات بعيداً عن الدولار من خلال تقنيات البلوكتشين، أقرَّ الكرملين منذ عدة أيام، وفق وكالات الأنباء الروسية، إنشاء هذه المنصة لتنفيذ التسويات التجارية بين الدول الأعضاء.
ويشكل بدء العمل بهذه المنصة خطوة تحوُّل بارزة في منظومة العمل بين دول البريكس، خاصة أنها تتزامن مع ترأس روسيا المنظمة هذا العام وإصرارها على تفعيل عمل منظمة البريكس والسماح بإجراء المعاملات التجارية والتسويات بعملات أخرى بعيداً عن الدولار أو عن نظام سويفت الذي خرجت منه سبعة مصارف روسية بسبب العقوبات الدولية المفروضة على روسيا جراء حرب أوكرانيا منذ عام 2022.
وتقول هدى الخزيمي الأستاذ المساعد في جامعة نيويورك بأبوظبي، إن هذه الخطوة تمكّن مجموعة البريكس من تأكيد سيادتها المالية واستقلالها عن نظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة، وأضافت أن «الهدف من تبني تقنيات البلوكتشين والأصول الرقمية للتسويات بين الدول الأعضاء في منظمة البريكس من شأنه أن يفعّل التجارة البينية والتعاون الاقتصادي لا سيما مع الاقتصادات الناشئة والتقليل من الاعتماد على الدولار».
ومن خلال استخدام تقنية البلوكتشين والأصول الرقمية كعملات بديلة، يمكن للدول التقليل من تعرضها للصدمات الخارجية مثل التضخم أو انخفاض قيمة العملة أو العقوبات التي قد تؤثر على نموها الاقتصادي واستقرارها، كما شرحت الخزيمي.
هل هيمنة الدولار إلى زوال؟
لطالما شكلت قضية ضرورة اعتماد مؤسسات التمويل الدولية على تعددية العملات في محافظها التمويلية موضوع نقاش في مجتمع التمويل الدولي، كما قال أزمت توفيق الشريك الإداري في بلو مونسون كابيتال للاستشارات المالية في مقابلة سابقة مع «CNN الاقتصادية».
وشدد على أن إتاحة التمويل بعملة الدولار خلقت المزيد من الأعباء على الدول المستفيدة من حيث سعر الصرف وغيره، مشدداً على ضرورة توفير التمويل بعملات أخرى، خاصة أن احتياجات الدول المستفيدة يجب أن تكون على رأس الأولويات.
وشرح أن التعامل مع عملات مختلفة يخلق تعقيدات إدارية جمة في عمليات الاحتساب ما لم تتوفر الجاهزية التامة لإدارة ذلك.
وتتم غالبية المعاملات التجارية بين دول البريكس عبر العملات الوطنية المحلية، الأمر الذي يؤخر من عملية تنشيط هذه المنظمة وزيادة حجم المبادلات التجارية بين الدول الأعضاء.
ويرى كمال الوصال الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة الإسكندرية أن تنشيط مبادرة المنصة اليوم هو نتيجة التوترات السياسية على الساحة الدولية، وهي معطيات أعادت إحياء هذا الملف وأعطت زخماً جديداً لتقليل الاعتماد على هيمنة الدولار الذي أصبح أداة سياسية أكثر منها اقتصادية بالنسبة لأميركا والغرب.
وسيؤثر نظام الدفع الخاص بدول البريكس، بحسب الخزيمي، على الطلب والعرض وعلى العملات التقليدية، خاصة الدولار الأميركي في السوق العالمية «فمع تقليل دول البريكس اعتمادها على الدولار الأميركي لأغراض التجارة والاحتياطيات، فإن الطلب على الدولار سينخفض، في حين سيزداد العرض، وهذا من شأنه أن يفرض ضغوطاً هبوطية على قيمة الدولار، ما يجعله أقل جاذبية كوسيلة للتبادل ومخزن للقيمة».
تنوع العملات الوطنية أم الرقمية؟
ولفت الوصال إلى أن دول البريكس تمتلك ربع الناتج المحلي الإجمالي، وتضم 40 في المئة من سكان العالم، و20 في المئة من صادراته ووارداته، وتحتاج هذه القوة الاقتصادية إلى تجاوز التعامل بالعملات المحلية التي تخفف من ضغط حاجات بعض الدول إلى النقد الأجنبي، لكن «عندما نتكلم عن نظام مستقر طويل الأمد فسيأتي دور العملات الرقمية».
وقال إن هناك العديد من البدائل عن العملات المحلية كالعملات المشفرة و العملات الرقمية المركزية والأصول غير القابلة للاسترداد التي لا يمكن استنساخها.
ونصح الوصال بتبني العملات الرقمية المركزية التي ازدادت شهية المصارف المركزية لها مؤخراً، خاصة دول التكتل؛ لما توفره من إطار تنظيمي قوي تمثله البنوك المركزية وعوامل الأمان والفاعلية.
تحديات البلوكتشين
هناك مشكلة الفوارق في البنى التحتية التكنولوجية بين الدول الأعضاء في البريكس، خاصة مع انضمام دول الجنوب التي تعد من الأسواق الناشئة والتي سيتطلب دخولها منظومة الرقمنة استثمارات كبيرة لإنشاء البنى التحتية اللازمة والتسريع من معدلات انتشارها.
لكن، كما شرحت الخزيمي، فمن الممكن أن تعزز تقنية البلوكتشين الشمول المالي والابتكار، خاصة بالنسبة للسكان الذين لا يملكون حسابات مصرفية أو الذين يعانون من نقص الخدمات المصرفية في دول البريكس.
وتضيف الخزيمي أن تبني الأصول الرقمية يطرح تحديات أساسية بين دول البريكس التي ستحتاج إلى مواءمة سياساتها وممارساتها مع تحديد الأولويات والمعايير والمبادئ التوجيهية الدولية الأخرى مثل توصيات منظمة العمل المالي ولجنة بازل للرقابة المصرفية.
وشرحت أن ذلك يتطلب بيئة تشريعية وتنظيمية متطورة وآليات تنسيق وثقة تتوافق مع المعايير والنظم الدولية رغم مقاومة بعض المؤسسات المالية التقليدية لها بسبب منافسة هذا النظام لنظم التسويات القائمة مثل سويفت وريبل، ويتطلب هذا الأمر تخطيطاً وتحليلاً جيداً للمخاطر جراء الانتقال من العملات التقليدية إلى العملات الرقمية.
وأخيراً يرى تكتل البريكس الذي يعمل على توسيع بصمته العالمية ونفوذه على الساحة العالمية أن نظام الدفع الخاص القائم على أساس البلوكتشين والأصول الرقمية سيوفر للتكتل السيادة المالية والاستقلالية المنشودة.