في وقت تشكل فيه أزمة الديون إحدى أكبر المعضلات الاقتصادية في العالم، خاصة بعد جائحة كوفيد-19 والصراعات المختلفة التي تدور في العالم من الحرب في أوكرانيا إلى تلك الدائرة في غزة، تمكن الصومال، أحد أفقر البلدان في العالم الذي يعاني من حروب متتالية مستمرة منذ ثلاثة عقود وتداعيات تغيّر المناخ، من إلغاء 99 في المئة من الديون المستحقة عليه للدول الأعضاء في نادي باريس في تحرك إيجابي يمهد لعودة انضمامه إلى النظام المالي العالمي.
وأكّد النادي، وهو هيئة تابعة لوزارة المالية الفرنسية تعمل بمثابة أمانة للعديد من الدول الدائنة وممولة من أكبر اقتصادات العالم، أن الولايات المتحدة واليابان وروسيا وغيرها من دول الأعضاء ألغت أكثر من ملياري دولار من الديون المستحقة على الصومال، كما أعلن النادي ترحيبه بخطة لحصول الصومال على معاملة تفضيلية من الدول والمؤسسات الدائنة الأخرى.
ديون الدول الفقيرة تحدٍّ عالمي
ولطالما شكلت ديون الدول الفقيرة معضلة عالمية، خاصة بعد تراكمها على تلك الدول مع إصرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على رفع أسعار الفائدة في عامي 2022 و2023، ومع اعتبار الأمم المتحدة الجهود المبذولة لمحاولة حلّ أزمة ديون الدول الفقيرة غير كافية نظراً لحجم المشكلة وإلحاحها، يبقى هذا التحدي على قائمة الأولويات في الاجتماعات الدولية مثل مجموعة العشرين واجتماعات البنك وصندوق النقد الدوليين واجتماعات الأمم المتحدة ونادي باريس.
وفي إفريقيا، سيظل الدين العام فوق مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19 في عامي 2024 و2025، وفقاً للأمم المتحدة، في الوقت الذي تواجه فيه العديد من البلدان خطر الوقوع في أزمة ديون وتجد صعوبات في سداد خدمات القروض الدولية.
مبادرة نادي باريس
وتمكن النادي، في إطار مبادرة صندوق النقد والبنك الدوليين لتخفيف أعباء الديون على الدول الأشد فقراً والأكثر مديونية مع شطب نحو 815 مليون دولار من الديون الثنائية المستحقة على الصومال بشكل طوعي.
ولكن لم تكن مبادرة نادي باريس الأولى من نوعها لمساندة الصومال اقتصادياً، ففي ديسمبر كانون الأول 2023، وافق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على إعفاء الصومال من عبء ديون بقيمة 4.5 مليار دولار، وذلك لمساعدة البلاد على النمو الاقتصادي وتنفيذ مشاريع جديدة، وكانت هذه الصفقة جزءاً من برنامج الإعفاء من الديون، الذي يطلق عليه مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، والذي تشرف عليه المنظمتان.
وتمكنت هذه المبادرة آنذاك من تخفيض الدين الخارجي للصومال البالغ 5.3 مليار دولار من 64 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 إلى أقل من 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية 2023.
تحديات الاقتصاد الصومالي
على الرغم من التقدم المحرز، يواجه الصومال تحديات كبيرة في المستقبل، تتضمن تلك الناجمة عن المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والمناخية، فقد أدت موجات الجفاف والفيضانات التي شهدتها البلاد، وآخرها في نوفمبر تشرين الثاني 2023 إلى نزوح مئات الآلاف وذلك بالإضافة إلى صراع الحكومة الصومالية حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة منذ عام 2006.