بعد ارتفاع كبير في نسبة التضخم العالمي منذ عام 2022، والذي وصل إلى ذروته عند 8.7 في المئة وفقاً لصندوق النقد الدولي، تراجعت المعدلات إلى 5.8 في المئة في 2024 بفضل سياسات نقدية متشددة مدعومة بتراجع في أسعار السلع الأولية.

وبعد سياسات نقدية متشددة من البنوك المركزية، برفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، تباينت السياسات النقدية لعدد من البنوك المركزية خلال الأيام الماضية، حيث اكتفى بعضها بتثبيت أسعار الفائدة، مع حديث عن خفض مرتقب، في حين عمد بعضها بالفعل إلى الخفض.

مفاجأة المركزي السويسري

على خلاف توقعات المحللين بإرجاء إمكانية خفض أسعار الفائدة إلى يونيو حزيران المقبل، اتخذ البنك المركزي السويسري قراراً مفاجئاً بخفض معدلات الفائدة الرئيسية بمقدار 25 نقطة أساس إلى 1.50 في المئة.

وبذلك أصبحت سويسرا أول دولة غربية رئيسية تخفض أسعار الفائدة، ما يؤكد اقتراب ساعة التحول في دورة السياسة النقدية المتشددة بالقارة الأوروبية.

من جهته، قال الخبير الاقتصادي نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية، أشرف غراب، لمنصة «CNN الاقتصادية»، «إن قرار البنك الوطني السويسري يعود إلى انخفاض معدلات التضخم في البلاد، ومن المتوقع أن تبقى لأقل من 2 في المئة، كما وصلت له منذ بضعة أشهر مضت، وهو يعد ضمن النطاق المسموح به لاستقرار الأسعار».

وأضاف أن هناك سبباً آخر لهذا القرار، وهو تخوف البنك المركزي السويسري من تراجع حجم الصادرات، خاصة أن الاقتصاد السويسري يعتمد بشكل أساسي على التصدير للخارج، ما دفع بعض رجال الأعمال في سويسرا إلى التحذير من التأثير السلبي لرفع سعر صرف الفرنك على قطاعات الأعمال، ومن ثم التصدير.

ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن التضخم في سويسرا بلغ ذروته عند 2.8 في المئة في 2022، وانخفض مع السياسة النقدية المتشددة إلى 2.2 في المئة في 2023.

وواصلت معدلات التضخم في سويسرا انخفاضها، حتى بلغت 1.2 في المئة في فبراير شباط الماضي، وفقاً لأحدث بيانات ريفينيتيف.

ومن المتوقع وفقاً لبيانات صندوق النقد أن يواصل التضخم في سويسرا انخفاضه إلى نسبة تتراوح بين 1.7 و1.5 في المئة خلال الأعوام الأربعة المقبلة.

تحول تاريخي في اليابان

شهدت اليابان تحولاً تاريخياً، أنهت به 17 عاماً من أسعار الفائدة السلبية، عندما أعلن بنك اليابان رفع سعر الفائدة إلى نطاق يتراوح بين صفر و0.1 في المئة، ليصبح آخر بنك مركزي على مستوى العالم يتخلى عن سياسة أسعار الفائدة السلبية، وينهي أعنف برنامج للتحفيز الاقتصادي في التاريخ الحديث.

وقال محافظ بنك اليابان المركزي، كازو أويدا، عقب إعلان القرار في مؤتمر صحفي، إن التحرك الأخير يمثل عودة للسياسة النقدية التقليدية مثلما تفعل سائر البنوك المركزية الأخرى حول العالم.

وأوضح أن هناك علامات متزايدة على احتواء الضغوط التضخمية، وتوقع اتجاه التضخم نحو المعدل المستهدف البالغ اثنين في المئة.

كما أشار غراب، إلى أن قرار بنك اليابان برفع سعر الفائدة كان مستبعداً من قبل صناع خبراء الاقتصاد والمصرفيون باليابان، مؤكداً أن السبب وراء ذلك يرجع إلى صعود الدولار مقابل الين الياباني بسبب حركة رؤوس الأموال بين أميركا واليابان، علماً أن الين الياباني مقيم بأقل من قيمته مقابل الدولار، وأنه في حالة رفع سعر الفائدة سيصعد الين مرة أخرى.

ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن التضخم السنوي في اليابان بلغ 3.2 في المئة العام الماضي.

كان التضخم في اليابان بلغ ذروته في يناير كانون الثاني 2023، عند 4.3 في المئة، وعلى الرغم من انخفاضه على مدار الأشهر التالية، فإنه ظل مرتفعاً عن الهدف المحدد، إذ وصل إلى 2.8 في المئة في فبراير شباط الماضي.

وتتوقع بيانات صندوق النقد أن يظل التضخم في اليابان مرتفعاً عند 2.9 في المئة خلال العام الجاري، على أن ينخفض خلال الأعوام الأربعة المقبلة إلى 1.6 في المئة.

الاحتياطي الفيدرالي

أعلن الاحتياطي الفيدرالي تثبيت سعر الفائدة دون تغيير للمرة الخامسة على التوالي، عند النطاق المستهدف البالغ 5.25– 5.5 في المئة، بما يتوافق مع توقعات الأسواق، بعدما واصل تشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة منذ مارس آذار 2022.

ويبقي الاحتياطي الفيدرالي على النطاق المستهدف الحالي لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية منذ يونيو حزيران 2023.

ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، بلغ التضخم في أميركا نحو 4.1 في المئة عام 2023، وعلى الرغم من التوقعات بانخفاضه فإنه يظل أعلى من الهدف البالغ اثنين في المئة، إذ يتوقع الصندوق أن يصل التضخم في أميركا إلى نسبة تتراوح بين 2.1 و2.8 في المئة خلال الأعوام المقبلة.

وكان التضخم في أميركا بلغ 3.2 في المئة في فبراير شباط الماضي، مقارنة بنحو 3.1 في المئة في يناير كانون الثاني، وفقاً لبيانات ريفينيتيف.

وتوقع غراب، أن يخفض الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة بداية من يونيو حزيران المقبل، ومع استمراره في الخفض على مدار العام، فقد يتراجع التضخم أكثر في مصر والدول العربية؛ وهذا قد يؤدي لتثبيت سعر الفائدة في مصر والدول العربية.

اتفاق أوروبي

تشابه الموقف الأوروبي مع نظيره الأميركي، إذ ثبّت البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة عند مستواه القياسي المرتفع البالغ أربعة في المئة، للمرة الرابعة على التوالي.

كما أقر بأن التضخم يتراجع بوتيرة أسرع مما كان يُعتقد من قبل، ما قد يمهد الطريق أمام خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق هذا العام.

ويبقي المركزي الأوروبي على تكاليف الاقتراض عند مستويات قياسية مرتفعة منذ سبتمبر أيلول، ويقاوم حتى الآن أي دعوات لخفض أسعار الفائدة حتى مع إقرار صناع السياسات الآن بأن مثل هذه الخطوة آتية لا محالة، وأن موعدها فقط هو المطروح للنقاش.

صدمة أرجنتينية

قرر البنك المركزي في الأرجنتين خفض معدل الفائدة الرئيسي بواقع 20 نقطة مئوية إلى 80 في المئة؛ على الرغم من استمرار معدلات التضخم المرتفعة في البلاد، وتوجيهات صندوق النقد بتشديد السياسة النقدية.

وأشار البنك إلى أن تباطؤ التضخم الشهري كان الدافع وراء هذه الخطوة بالتزامن مع ارتفاع عملة البيزو المحلية مقابل الدولار الأميركي في السوق الموازية.

وارتفع معدل التضخم في الأرجنتين إلى أكثر من 276 في المئة في فبراير شباط الماضي، ليخالف توقعات استطلاع رأي رويترز التي رجحت أن يتجاوز التضخم 282 في المئة.

ورجح صندوق النقد الدولي انخفاض معدل التضخم في الأرجنتين خلال الأعوام المقبلة، لكنه يظل أعلى بكثير من المستهدف.

رفع الفائدة في تركيا

قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي التركي رفع سعر الفائدة من 45 في المئة إلى 50 في المئة.

وعزت اللجنة قرارها إلى ارتفاع التضخم بوتيرة أسرع من المتوقع في فبراير شباط، خاصة في قطاع الخدمات.

وفاق التضخم في تركيا توقعات استطلاعات الرأي في رويترز التي رجحت وصوله إلى 65.7 في المئة في فبراير شباط الماضي، إذ بلغ أكثر من 67 في المئة، وفقاً لبيانات ريفينيتيف.

أسعار الفائدة في الدول العربية

عربياً، قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة الرئيسية بواقع 600 نقطة أساس مع السماح لسعر الصرف بأن يتحدد وفقاً لآليات السوق.

وفي المغرب، أبقى البنك المركزي على معدلات الفائدة دون تغيير للمرة الرابعة على التوالي، عند ثلاثة في المئة، لكنه توقع تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي والتضخم خلال 2024.

ولفت إلى استمرار تباطؤ معدل التضخم عن ذروته المسجلة في فبراير شباط 2023، عندما وصل إلى 10.1 في المئة، كما رجح استمرار تباطؤ معدل التضخم خلال 2024 ليصل إلى 2.2 في المئة، قبل أن يتسارع قليلاً إلى 2.4 في المئة في عام 2025.

وثبّت مصرف الإمارات المركزي سعر الأساس على تسهيلات الإيداع لليلة واحدة من دون تغيير عند 5.40 في المئة.

كما أبقت لجنة السياسة النقدية في مصرف قطر المركزي أسعار الفائدة دون تغيير عند 5.75 في المئة للإيداع و6.25 في المئة للإقراض.

وتوقع غراب، عدم لجوء مصر والدول العربية لخفض سعر الفائدة في الشهور المقبلة إلا بعد تحقيق الهدف من رفع سعر الفائدة وهو كبح جماح التضخم، موضحاً أن توافر السيولة الدولارية في مصر بعد المشروعات الاستثمارية الجديدة بها ومن تمويلات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، سيؤدي للمساهمة في خفض معدلات التضخم في مصر في وقت أسرع خاصة بعد حدوث انفراجة اقتصادية كبيرة ورفع التصنيف الائتماني لمصر، إضافة إلى أن مناخ مصر أصبح أكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية.