تبذل الدول العربية مساعي عدة لإيجاد حل سياسي في ليبيا كان آخرها الاجتماع الليبي في القاهرة الذي عُقد تحت إشراف جامعة الدول العربية.

وفي وقت يتفق الجميع على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية في البلاد لإنقاذ الاقتصاد الرازح تحت وطأة أزمات عدة، يخشى كثيرون أن تبقى مخرجات الاجتماعات حبراً على ورق، فهل يكون الاجتماع الأخير خلاص ليبيا وبداية فعلية لتعافيها الاقتصادي؟ وهل تتفق الأطراف لمنع عرقلة هذا التعافي؟

تعاني ليبيا من تداعيات عقد من الحرب الأهلية التي اندلعت بعد انتفاضة فبراير شباط التي أطاحت بالعقيد الراحل معمر القذافي وأشعلت فتيل الصراع الإقليمي على ليبيا عام 2011، ما قاد إلى تدخل تحالف دولي بقيادة واشنطن ولندن وباريس وحلف شمال الأطلسي، وبعد عقد من الاقتتال الداخلي، سقط عشرات الآلاف من القتلى ومُنيت البلاد بخسائر اقتصادية تخطت التريليون دولار (حتى عام 2020).

تعاني ليبيا أيضا من أزمة خسارة الأرواح نتيجة ركوب البحر بحثاً عن حياة أفضل، وتوقعت المفوضية السامية للاجئين أن حركة النزوح غير المنظم من ليبيا وتونس ستحافظ على نسبها في عام 2024 وقد تكون مرشحة للارتفاع.

وبالنسبة للدول الأوروبية، تعد ليبيا أيضا ممراً رئيسياً للمهاجرين القادمين من إفريقيا للوصول إلى أوروبا عبر شواطئها الواسعة التي تمتد لنحو 2000 كيلومتر على البحر الأبيض المتوسط.

وكأن الأزمات الاقتصادية لم تكن كافية، فانضم إلى قائمة الكوارث الإعصار سببته العاصفة «دانيال» الذي ضرب شرقي البلد وتحديداً منطقة درنة الذي أودى بحياة أكثر من عشرين ألف شخص وترك أكثر من 250 ألف بحاجة ماسة إلى المساعدات بعد انهيار ما يقارب 2200 مبنى بحسب الأمم المتحدة، وكانت هذه الخسائر قد كبدت الحكومة الليبية خسائر بنحو 1.65 مليار دولار.

خلاف سياسي بشأن خفض الدينار الليبي

وفيما يتفق الجميع على أن أي مساعٍ لجمع الأطراف الليبية كافة هي خطوة للأمام نحو تأمين الاستقرار السياسي وبالتالي بداية حقيقية للتعافي الاقتصادي، يختلف المسؤولون على قرار خفض العملة الذي صدر في الآونة الأخيرة عن مجلس النواب في شرق ليبيا.

وكان عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي في شرق ليبيا قد قرر خفض قيمة الدينار عبر فرض ضريبة تبلغ 27 بالمئة على مشتريات العملات الأجنبية، في خطوة قال إن العمل بها يستمر حتى نهاية العام فقط، وتضعف الضريبة الجديدة سعر الصرف فعلياً من 4.80 دينار ليبي للدولار إلى ما بين 5.95 و6.15 دينار للدولار.

واعتبر وزير الاقتصاد والتجارة الليبي محمد الحويج في مقابلة خاصة مع «CNN الاقتصادية» أن «هذا القرار غير مناسب وغير سليم، وقد يؤدي إلى تجويع المواطن الليبي وخلق أزمة اقتصادية بالبلاد، ووزارة الاقتصاد وحكومة الوحدة الوطنية ضد هذا القرار، لأنه لم يأتِ في الوقت المناسب ولا بالأسلوب المناسب ولا بالسعر المناسب، وخاض البنك المركزي هذه التجربة في السابق وفشلت، ولم يؤخذ رأي وزارة الاقتصاد أو وزارة المالية ووزارة التخطيط في هذا الموضوع، وقد يؤدي إلى زيادة الأسعار بنسبة لا تقل عن ثلاثين في المئة وتخفيض مستوى دخل الناس ويشجع على تجارة العملة».

أمّا سلامة الغويل، وزير الدولة الليبي السباق للشؤون الاقتصادية ورئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الليبي التابع لمجلس النواب، فقال خلال مقابلة مع «CNN الاقتصادية» إن هذه الخطوة «بداية للإصلاح الحقيقي» وهو عبء سيتحمله الليبيون جميعهم، مضيفاً أن «المعارضة» لهذا القرار هي ميزة بحد ذاتها تؤكد وجود الرأي والرأي الآخر.

السياسات النقدية والمالية

وعن التنسيق بين السياسات النقدية والمالية لضبط السوق السوداء وضمان حقوق المواطن الليبي بعيش كريم، أكد الغويل أنه يجب إدارة الأمور بشكل استراتيجي، مشيراً إلى استخدام الاحتياطي البالغ 80 مليار دولار لسد العجز، مؤكداً أن المصرف المركزي سيتحمل أيضاً عبء هذا القرار.

أمّا الحويج، فقد أكد أن بناء الثقة بين البنك المركزي ورجال الأعمال والمستثمرين من خلال تثبيت سعر الصرف والدفاع عنه أمر ضروري لكسب ثقة المستثمرين.

وقال «علينا بناء ميزانية واضحة للإنفاق من خلال التوازن في الواردات وفي الإنتاج المحلي، وأيضاً السياسة النقدية، وعلينا تفعيل دور البنوك سواء من ناحية التمويلات أم من ناحية الإقراض».

رفع الدعم عن المحروقات

وحول رفع الدعم عن المحروقات، اعتبر الغويل أن الحكومة الحالية لا تستطيع «خوض هذا الموضوع» لأنه موضوع وطني يحتاج إلى استقرار وانفتاح على كل الأطراف، وتابع الغويل أن رفع الدعم يجب أن يحدث على مراحل، مؤكداً أن ما يحصل الآن «هدر لأموال البلاد».

أمّا الحويج، فشدد على أنه «لم يرفع الدعم حتى الآن لأن ذلك مرتبط بإرادة الشعب وهذه ثروة قومية وطنية، وهناك تهريب للبنزين ومواد أخرى، وهناك مؤشرات على تهريب النفط والغاز، إذ يرى بعض الخبراء أن الدعم يجب أن يدفع نقداً والبعض الآخر يفضّل أن يدفع من خلال البطاقات، وهناك من يعتبر أن الدعم يجب أن يكون تدريجياً».

الانقسام والاقتصاد في 2024

أكد الحويج أن ليبيا تتوقع نمواً اقتصادياً على المدى القريب بحسب مؤشرات وزارة الاقتصاد، مشيراً إلى أنها ستكون من الأفضل اقتصادياً مقارنة بالدول المجاورة كونها تعمل ضمن رؤية وطنية تستند إلى توحيد مؤسسات الدولة، وأيضاً تحديث التشريعات من أجل تشجيع القطاع الخاص وزيادة حجم الاستثمارات الوطنية والأجنبية وتحسين الأداء المصرفي المتهالك وزيادة حجم الاستثمارات النفطية، لأن نحو 90 في المئة من إيرادات ليبيا تعتمد على النفط والغاز.

من جهة أخرى، توقع المصرف المركزي الليبي أن يكون هناك عجز في موازنة هذا العام يُقدّر بنحو 45 مليار دينار ليبي (7.2 مليار دولار) وذلك من خلال رسالة موجّهة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دولياً عبدالحميد الدبيبة عن الوضع الاقتصادي للدولة.

وجاء في الرسالة أن إجمالي الإنفاق الحكومي المتوقع لسنة 2024 قد يتجاوز 165 مليار دينار بينما سيبلغ حجم الإيرادات المتوقعة 120 مليار دينار منها 5 مليارات إيرادات سيادية و115 مليار دينار إيرادات نفطية وهو تراجع ملحوظ لإيرادات النفط مقارنة بما كان يتحقق في السنوات الماضية.

أمّا صندوق النقد الدولي، فكانت توقعاته لليبيا إيجابية على المدى المتوسط في توقعات أصدرها في نوفمبر تشرين الثاني 2023، وذلك بسبب الارتفاع المتوقع في أسعار النفط، على الرغم من الفيضانات المدمرة، وعدم توفر تقديرات للأضرار الناجمة عن الفيضانات حتى الآن.

وتوقع الصندوق أن يسجّل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2024 نحو 7.5%.