أظهرت بيانات للحكومة المصرية انخفاض معدل النمو السكاني في عام 2023 إلى 1.4 في المئة، وهي النسبة الأعلى منذ خمسين عاماً أي بعد حرب أكتوبر تشرين الأول بعام أو قبل إعلان الرئيس أنور السادات تبني سياسة الانفتاح الاقتصادي، تظهر البيانات كذلك أن نسبة النمو تراجعت بنسبة 0.7 في المئة مقارنة بالعام السابق، بعد أن كان معدل النمو السكاني 2.1 في المئة.
واستُقبل انخفاض النمو السكاني في مصر بشكل مختلف، كما تمت قراءة أسباب البيانات بشكل متباين؛ فبينما استقبل العاملون في مجال الصحة العامة والصحة الإنجابية في مصر البيانات كنتيجة «لمجهود تراكمي في مجال التوعية»، عزا الاقتصاديون الانخفاض إلى أسباب اقتصادية بحتة.
في ثمانينيات القرن الماضي، عرض التلفزيون المصري إعلان «حسنين ومحمدين» لتوعية الأسر والحد من الإنجاب، جاء الإعلان باللهجة المصرية الصعيدية ويظهر فيه اثنان من الممثلين في حالة صراع أثناء ممارسة رياضة التحطيب، أحدهما كثير الإنجاب والآخر اكتفى بمولودين اثنين فقط، وفي النهاية يفوز الشخص الذي أنجب طفلين فقط على غريمه ويفسر الخاسر ضعفه البدني بأنه بسبب كثرة الإنجاب.
وعلى الرغم من انتشار إعلان حسنين ومحمدين وحملات توعية أخرى لاستخدام وسائل منع الحمل وبقائها في الذاكرة الجمعية للكثير من المصريين، فإن كل الخطوات التي اتخذتها الدولة كانت بمثابة حرث في البحر ولم تنجح في خفض النمو السكاني في مصر، وأصبح عدد السكان اليوم يقترب من 110 ملايين نسمة بعد أن كان أقل من 45 مليوناً في عام 1981.
مسؤولو الصحة العامة و النمو السكاني
حلل خالد مجدي، المدير الإقليمي السابق لصندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر، البيانات الأخيرة في إطار الصحة العامة بعيداً عن المعطيات الاقتصادية، وأعرب في اتصال مع «CNN الاقتصادية» عن رضاه عن نسبة نمو السكان الجديدة، قائلاً إنها جاءت «نتيجة لعمل طويل من القائمين على الصحة الإنجابية في مصر، فضلاً عن اتجاه الكثير من الإناث إلى التعليم ما بعد الجامعي ما يؤدي إلى تأجيل الزواج والحمل، فضلاً عن وجود جيل يفضل الاكتفاء بإنجاب طفل واحد».
الأزمة الاقتصادية و تراجع النمو السكاني
قرر شريف، الذي يعمل مدرساً في إحدى المدارس الخاصة في القاهرة الجديدة، إنجاب طفل واحد يبلغ من العمر الآن خمسة أعوام، ويرى شريف، الذي لا يتجاوز راتبه خمسة آلاف جنيه، أن «الاكتفاء بطفل واحد ضرورة» بسبب ضيق إمكانياته وضعف راتبه.
وتزامن إعلان بيانات السكان الجديدة مع كشف مؤسس شركة (فوندر باس) ماكس برامويل عن احتلال مصر المرتبة الرابعة في الدول الأقل أجراً في العالم، إذ بلغ متوسط الأجور في مصر 117.85 دولار، لتحل مصر بحسب التقرير بعد بنغلاديش وفنزويلا وباكستان.
ووضع أحمد يوسف، الذي ينشط على صفحة على فيسبوك تحمل اسم لا للإنجاب في مصر، منشوراً يُظهر فارق أسعار الوقود في مصر بين عامي 2014 و2024، وكتب بالعامية المصرية «لسه في ناس عايزة تجيب أجيال قادمة».
تشهد مصر موجة تضخمية عنيفة منذ أكثر من عام، إذ وصل التضخم في المدن المصرية إلى 38 في المئة في سبتمبر أيلول الماضي، وهي أعلى نسبة يتم تسجيلها على الإطلاق، وبلغ معدل البطالة 7.1 في المئة في الربع الثالث بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبة والإحصاء، وهو الجهة المسؤولة عن تنظيم التعداد العام للسكان في مصر الذي ينعقد كل عشر سنوات، ووصلت نسبة الدين الخارجي للناتج المحلي الإجمالي 40 في المئة، ليرتفع نصيب الفرد من الدين إلى 1446.3 دولار، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
تراجع النمو السكاني و الاقتصاد
شكك ماجد عثمان، أستاذ الإحصاء بجامعة القاهرة والرئيس التنفيذي لمركز بصيرة للبحوث المجتمعية، في اتصال مع «CNN الاقتصادية» في دقة البيانات، لكنه أكد وجود انخفاض تدريجي في النمو الديموغرافي، وعزا أسبابه إلى «تأخير الزواج والإنجاب في مصر، حالات الزواج تراجعت في عام 2023، ربما بسبب الضغوط الاقتصادية، لكن هذا التراجع قد يكون مؤقتاً ويتم تعويضه في السنوات المقبلة في حال تحسن الظروف الاقتصادية».
تضاعف عدد المصريين في عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ليصل عددهم في عام 2008 إلى نحو 76 مليون نسمة، وكان العنصر الأبرز في فترة حكمه الطويل الذي امتد نحو 30 عاماً، رأى مبارك الذي أنجب ابنين فقط، في الزيادة السكانية «قضية أمن قومي وعقبة في تحقيق مستويات التنمية المطلوبة»، ورهن الازدهار الاقتصادي بانخفاض معدلات نمو السكان.
أما الرئيس عبدالفتاح السيسي فيتناول القضية السكانية بشكل أكثر برغماتية ممن سبقوه في الحكم، إذ يرى أن استمرار الزيادة السكانية ووصول المصريين إلى 140 أو 150 مليوناً بحلول عام 2040 سيعني أن المصريين سيحتاجون إلى ضعف كمية المياه التي تُستهلك اليوم، وقال السيسي في سبتمبر أيلول الماضي إن أصعب ما يمر به أن يكون المتاح أقل مما هو مطلوب، وبالتالي سينعكس ذلك على الجودة في كل شيء.
وبين بيانات التضخم وتأخر سن الزواج وارتفاع معدلات الطلاق وإنجازات مسؤولي الصحة العامة ومخاوف من لا يرغبون في الإنجاب وتحذيرات الرئيس السيسي، سيبقى رقم شبه صحيح بطل المعادلة وهو وصول 5599 مولوداً جديداً إلى الحياة كل يوم في مكان ما من مصر.