في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، اعتبر ستيفين أندرسون الشريك في شركة بي دبليو سي أن أزمة البحر الأحمر تزيد الفجوة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الشرق الأوسط الأخرى، وعزا ذلك لارتفاع أسعار النفط والإيرادات النفطية في دول الخليج بينما تواجه بعض الدول الأخرى تداعيات حرب غزة التي أثرت على أعمدة أساسية في اقتصاداتها وخاصة القطاع السياحي.
وفي تقرير بي دبليو سي عن التوقعات الاقتصادية لعام 2024، اعتبرت الشركة أن زيادة الطلب على النفط تلعب دوراً رئيسياً في التأثير على نمو دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط.
وكان رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورجيه برندي قال في مقابلة مع
«CNN الاقتصادية»، «في الشرق الأوسط، لدينا شرقان أوسطان لدينا الخليج والبلدان المزدهرة، ثم لدينا البلدان النامية».
ويقول أندرسون «الاقتصاد غير النفطي في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يشهد طفرة، وتمر المنطقة بتحول هائل سواء من حيث التحول الرقمي أو إزالة الكربون والتحديث وتوطين الصناعات والخصخصة، هذا هو التقدم وهذا يُترجم إلى نمو اقتصادي قوي للغاية، من الواضح أن التحديات أكبر في بلاد الشام ومصر في ظل اضطرابات البحر الأحمر التي تستنزف الكثير من الإيرادات من مصر وقناة السويس».
تأثير أزمة البحر الأحمر على التجارة يزيد الحاجة إلى طرق تجارية بديلة
بحسب تقرير بي دبليو سي، فإن الهجمات على سفن الشحن في البحر الأحمر تذكير صارخ بأهمية طرق التجارة في المنطقة وخاصة بعد إعادة توجيه معظم التجارة التي كانت تمر عبر مضيق باب المندب حول رأس الرجاء الصالح والتي أضافت أكثر من أسبوعين إلى رحلات سفن الشحن، وبالتالي زادت التكاليف.
وذكر التقرير أن 15% من التجارة العالمية التي تتخطى قيمتها تريليون دولار (بما في ذلك نحو 8 ملايين برميل يومياً من النفط) كانت تمر عبر مضيق باب المندب وتشمل التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا.
وفي هذا الصدد يقول أندرسون إن «من الواضح أن هذا الاضطراب يسبب مشكلات كبيرة في أوروبا وأيضاً بالنسبة لنا هنا في المنطقة».
وبدوره، يشدد رائد الترك الرئيس التنفيذي لـ«التجمع الدولي للاستشارات» في مقابلة مع
«CNN الاقتصادية» على أن «المستهلك الغربي سيعاني من ارتفاع أسعار السلع جراء رفع تكاليف الشحن وانعكاسات الانقطاع في سلاسل التوريد».
وبحسب التقرير، أدت أزمة البحر الأحمر الحالية إلى خفض إيرادات مصر الحيوية من قناة السويس بأكثر من النصف في وقت كانت تواجه فيه تحديات تمويل خارجية حادة، على الرغم من أن هذه التحديات تراجعت بعد أن حصلت على استثمارات من الإمارات وقروض إضافية من صندوق النقد الدولي.
ويقول أندرسون إنه على المدى البعيد «هناك بديلان محتملان مطروحان أولهما هو ممر الشرق الأوسط، وطريق تطوير العراق» ولكن على المدى القصير سيواجه العالم عملية إعادة تحويل المسار.
طرق جديدة مقترحة تواجه تحديات
المشروعان الرئيسيان اللذان تم اقتراحهما في السنوات الأخيرة هما الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) وطريق التنمية في العراق، ولكن بحسب التقرير يواجه كلاهما تحديات.
ويشير التقرير إلى أن الإعلان عن خطة ممر الشرق الأوسط الجديد في مجموعة العشرين في دلهي في سبتمبر أيلول 2023 كان تنقصه وثيقة رسمية مفصلة بما في ذلك مسار السكك الحديدية الدقيق، الذي من المفترض أن يمتد من دبي إلى حيفا، وذكر أيضاً خط أنابيب الهيدروجين الأخضر والكابلات الكهربائية وكابلات الألياف الضوئية على طول الممر.
وتشير التحديات، بحسب التقرير، إلى أن مقترحات مد خطوط أنابيب الغاز إلى كل من أوروبا والهند قد يكون من الصعب تسويقها تجارياً فيما سيتم بناء الجزء البري على خط السكك الحديدية الحالي بين الشمال والجنوب في السعودية وخطط لربط الشبكة السعودية بشبكة الاتحاد للقطارات في الإمارات، وهذا بحسب اندرسون «لا يترك سوى طريق قصير نسبياً بطول 300 كيلومتر من الحديثة إلى حيفا للبناء، وهو لن يكون ممكناً إلا في منطقة متكاملة».
أمّا طريق التنمية في العراق، فكان قد طُرح إنشاؤه في عام 2022 بينما كانت الإمارات وتركيا تتفاوضان على اتفاقية تجارية وتم توسيعها بشكل أكبر في مؤتمر بالبصرة في ديسمبر كانون 2022 تحت الاسم السابق «القناة الجافة» وتم الإعلان عنه في أيار 2023 بهدف إتمامه في 2029 بتكلفة تقديرية تبلغ 17 مليار دولار، لممر عبر العراق يضم الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب والألياف الضوئية، وقد تم تأطيره كعنصر أساسي للتنويع الاقتصادي للعراق، على غرار مشاريع الجيجا المتعلقة برؤية السعودية 2030.
مستقبل التجارة في الشرق الأوسط
ومع استمرار تزايد التدفقات التجارية داخل منطقة الشرق الأوسط وعبرها، فإن الدافع هو تطوير ممرات تجارية أسرع وأرخص وأكثر مراعاة للبيئة وأكثر أماناً.
وبحسب التقرير، من غير المرجح إحراز تقدم في أي من المبادرتين حتى يتم الوصول لحل للصراع الدائر في غزة، وهو الأمر الذي قد يكون مطلوباً أيضاً لإنهاء الاضطرابات في البحر الأحمر، ومع استمرار نمو التجارة قد يكون هناك مجال لتطوير هذين المسارين وكذلك للتوسع في قناة السويس، حيث تجري مصر حالياً دراسة جدوى لتحويل المقاطع ذات المسار الواحد إلى ممرات مزدوجة قادرة على استضافة السفن التي تتحرك فيها.
وفي الوقت نفسه، يؤكد التقرير أن هناك مجالاً لتطوير القسم الشرقي من الطريق التجاري من الخليج، ويُنظر إلى ممر الشرق الأوسط جزئياً على أنه تحدٍ لمبادرة الحزام والطريق الصينية، ومع ذلك فإن التجارة الصينية مع المنطقة وأوروبا ستستفيد أيضاً منه، أو من طريق التنمية العراقي، خاصة أن الصين تكمل ممرها التجاري عبر باكستان.
وتُعَد الصين شريكاً تجارياً رئيسياً بشكل مباشر مع أغلب دول الشرق الأوسط، وهي منخرطة بالفعل في مبادرة الحزام والطريق بطرق مختلفة، بما في ذلك من خلال المشاركة في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهو مصدر رئيسي لرأس المال لمبادرة الحزام والطريق.
وفي الوقت نفسه، يؤكد التقرير أن تجارة المنطقة مع الهند تتوسع، فقد وقّعت الإمارات اتفاقية تجارة حرة في عام 2022، في حين تفيد التقارير بأن عُمان على وشك الاتفاق عليها، بالإضافة إلى هذه التدابير التنظيمية لتسهيل التجارة هناك أيضاً استثمارات عبر الحدود واتفاقيات بشأن البنية التحتية التجارية، بما في ذلك توقيع موانئ أبوظبي مذكرات تفاهم في فبراير مع مجلس غوجارات البحري وشركة النقل الهندية RITES، وتوقيع موانئ دبي العالمية مذكرات تفاهم في يناير لتطوير محطات حاويات جديدة في ولاية الهند.
الانتعاش التجاري ضروري لتحقيق الانتعاش الاقتصادي
وفي وقت تعاني الكثير من البلدان في الشرق الأوسط من تردٍ على أصعدة اقتصادية كافة، يقول برندي إن التجارة تنمو الآن بشكل أبطأ مما كانت عليه في العقود الثلاثة الماضية بسبب الرسوم الجمركية الجديدة، وأيضاً بسبب التجارة مع الدول الصديقة الذي سببه التفتت الجيوسياسي والذي عمّقته أزمة البحر الأحمر.
وتابع برندي قائلاً إنه «علينا أن نحقق انتعاشاً تجارياً حتى نحقق انتعاشاً اقتصادياً حقيقياً»، وأشار إلى أن المنتدى الاقتصادي العالمي يتوقع نمواً عالمياً بنسبة 3% هذا العام، وأضاف أنه في السابق كانت التجارة تنمو عادة بشكل أسرع من النمو الاقتصادي، لكن «الآن العكس هو الصحيح، فالتجارة تنمو بشكل أبطأ، لذلك نحن بحاجة إلى تدابير جديدة للتأكد من أن التجارة يمكن أن تكون محرك النمو مرة أخرى».