بدأت جانيت يلين زيارتها الثانية للصين كوزيرة للخزانة الأميركية لمواصلة الجهود الرامية إلى تعزيز استقرار العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم.
وقالت يلين يوم الجمعة، وهو أول يوم كامل لها من الاجتماعات في مدينة قوانغتشو الكبرى بجنوب البلاد، إنها ستعالج الفائض في المعروض من السلع الصينية في الصناعات الرئيسية، مثل السيارات الكهربائية والألواح الشمسية، وسرعان ما برزت هذه القضية باعتبارها مجالاً رئيسياً للخلاف في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر تشرين الثاني.
وقالت لمجموعة من المديرين التنفيذيين الأميركيين المقيمين في الصين «إن الطاقة الفائضة ليست مشكلة جديدة، لكنها اشتدت، ونحن نشهد مخاطر ناشئة في قطاعات جديدة».
وقد ذكرت هذه القضية لأول مرة في اجتماع سابق مع زعماء مقاطعة قوانغدونغ، القوة الاقتصادية للبلاد.
وقد أعرب المسؤولون والمشرعون الأميركيون عن قلقهم من أن الإفراط في الاستثمار والقدرة الفائضة في الصين يمكن أن يؤديا إلى إغراق الأسواق العالمية بمنتجات رخيصة، ما يؤثر على الصناعات المحلية وفرص العمل.
وعندما سألها الصحفيون يوم الأربعاء عما إذا كانت ستفكر في إقامة حواجز تجارية إذا لم تستجب الصين للتحذيرات بشأن الطاقة الفائضة، قالت يلين إنها «لا تريد استبعاد ذلك»، رغم أنها لا تخطط لاتخاذ أي إجراءات فورية.
وفي الشهر الماضي، خلال زيارة لمصنع للألواح الشمسية في جورجيا، قالت يلين إن الطاقة الفائضة لدى الصين تشوه الأسعار وأنماط الإنتاج وتضر الشركات والعمال الأميركيين، وأضافت أن الصين تتبع ممارساتها القديمة المتمثلة في إغراق الأسواق العالمية بالصلب والألومنيوم الرخيص المدعوم من الدولة.
كما ألمحت في تلك الرحلة إلى أن الزيادة في صادرات الصين من السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية والبطاريات كانت تخلق مشكلة في وقت استثمرت فيه الولايات المتحدة بكثافة في إحياء قطاع التصنيع الخاص بها.
من جانبها، تدرك بكين مشكلة القدرة الفائضة في البلاد، بعد أن اعترفت بها باعتبارها تحدياً رئيسياً في مؤتمر العمل الاقتصادي السنوي في كانون الأول ديسمبر.
لكن في الشهر الماضي، نشرت العديد من وسائل الإعلام الصينية المملوكة للدولة مقالات افتتاحية تتحدى فكرة أن وفرة العرض في الصين تشكل تهديداً للاقتصادات الأخرى، وكتبت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) «ما تصدره الصين هو قدرة إنتاجية متقدمة تلبي احتياجات العملاء الأجانب».
استدعاء الإصلاحات
وفي الاجتماع الذي استضافته غرفة التجارة الأميركية، أشارت يلين إلى المخاوف بشأن ما أسمته «تحول الصين بعيداً عن نهج السوق في التعامل مع الاقتصاد الأميركي والعالمي» من خلال توفير إعانات الدولة لبعض الصناعات التحويلية.
وأشارت إلى مدينة قوانغتشو التي استضافتها لتوضيح نقطة حول أهمية البراغماتية والانفتاح من خلال استحضار دنغ شياو بينج، الزعيم الإصلاحي الراحل الذي قاد الصين بعيداً عن الاقتصاد المخطط والإيديولوجيات الماوية.
وقالت «لقد كانت محطة رئيسية في جولة دنغ شياو بينج الجنوبية عام 1992، عندما جدد التزام الصين بهذه الإصلاحات (الموجهة نحو السوق)»، وأضافت «إنه المكان المناسب بالنسبة لي للتأكيد على العلاقات الاقتصادية القوية بين الولايات المتحدة والصين، والفوائد التي يمكن أن تجلبها هذه العلاقات لكل من الاقتصادين الأميركي والصيني».
شكلت الجولة نقطة حرجة في تاريخ الصين الحديث، وفي ذلك العام قام دنغ، الذي كان يبلغ من العمر 88 عاماً آنذاك، بزيارة مفاجئة إلى المناطق الاقتصادية الخاصة في قوانغدونغ التي أنشأها سابقاً، وأكد التزام الصين بالإصلاحات الموجهة نحو السوق والتحرير الاقتصادي.
ويُنظر إلى هذه الجولة، التي تمت خلال فترة من عدم اليقين السياسي، على نطاق واسع على أنها أعادت إحياء عملية الإصلاح والانفتاح في الصين، التي كانت قد توقفت تقريباً بعد عام 1989.
ومن المقرر أن تقضي يلين أربعة أيام في قوانغتشو وبكين، ومن المتوقع أن تلتقي رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانج، ونائب رئيس الوزراء هي ليفينج، وسلفه ليو هي، ومحافظ بنك الشعب الصيني بان جونج شنج، ووزير المالية لان فوان.
وقال كريج سينجلتون، المدير الأول لبرنامج الصين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، وهي مؤسسة بحثية غير حزبية في واشنطن، إن النتائج الملموسة من الرحلة قد تكون «محدودة».
وقال «في الوقت الحالي، يظل التركيز الأساسي للصين هو تصوير نفسها على أنها مفتوحة للأعمال التجارية، وتخفيف المخاوف المتزايدة بشأن الإجراءات الهزيلة التي اتخذتها الحكومة حتى الآن لمعالجة الانكماش الاقتصادي الذي يلوح في الأفق في البلاد».
وقالت يلين للصحفيين المسافرين معها إلى الصين إن الاجتماعات يجب أن يُنظر إليها على أنها «استمرار للحوار» بين الولايات المتحدة والصين منذ اجتماع بايدن وشي في نوفمبر تشرين الثاني 2022 في قمة مجموعة العشرين في بالي.
التوترات التجارية
واقترح مسؤولو إدارة بايدن زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية من أجل «تكافؤ» الفرص التجارية، ومع اقتراب الولايات المتحدة من السباق الرئاسي، يحاول المرشحان من كلا الحزبين أن يبدوا متشددين تجاه بكين، وقد هدد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المئة على الواردات من الصين إذا أعيد انتخابه.
تتصاعد التوترات التجارية مع استخدام القادة الصينيين بشكل متزايد استراتيجية تعزيز التصنيع للتصدير، للتعويض عن ضعف الطلب في الداخل وسط فقدان الزخم الاقتصادي.
وضخت بكين الأموال في صناعات جديدة مثل السيارات الكهربائية والبطاريات، في إطار سعيها إلى إيجاد محركات نمو بديلة تتجاوز قطاع العقارات الذي يعد ركيزة أساسية للاقتصاد الصيني، والذي انهار مؤخراً.
وقال ريك ووترز، المدير الإداري لمجموعة أوراسيا في الصين «تمثل الصين ثلث الإنتاج العالمي، لكنها تمثل سدس الاستهلاك العالمي فقط، وهذا الواقع يهدد بكسر النظام التجاري العالمي»، وأضاف «إن تركيز شي على (القوى الإنتاجية الجديدة) باعتبارها المحرك المستقبلي للنمو لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأمور سوءاً، في غياب التدابير الكفيلة بتعزيز الاستهلاك المحلي».
لقد صاغ الرئيس الصيني مصطلح «القوى الإنتاجية الجديدة» في العام الماضي، حيث سلط الضوء على الحاجة إلى نموذج جديد للنمو الاقتصادي يعتمد على الابتكار التكنولوجي، وغالباً ما يشار إلى «القوى» على أنها الصناعات الناشئة مثل المركبات الكهربائية والمواد الجديدة والذكاء الاصطناعي.
وقال ووترز إن الصراع بشأن التجارة من المرجح أن يتفاقم أكثر قبل الانتخابات، وقال إن تحقيق المادة 301 -التي تسمح للحكومة الأميركية بفرض تعريفات جمركية أو رسوم أو قيود أخرى لمعالجة السياسات التجارية غير العادلة من قبل الحكومات الأجنبية- وإعادة التنظيم المحتمل للتعريفات الجمركية في عهد ترامب لزيادة الحواجز أمام المركبات الكهربائية والواردات الأخرى، كلها على المحك.
ومن بين الموضوعات الأخرى التي تخطط يلين لمناقشتها مع نظرائها الصينيين التعاون الثنائي في مكافحة التمويل غير المشروع والعمل على القضايا العالمية مثل تغير المناخ والاستقرار المالي، وفقاً لوزارة الخزانة.
لكن المحللين لا يعتقدون أنه من المرجح أن تتزحزح بكين عن سياساتها الاقتصادية.
وقال سينجلتون «إن اجتماعات يلين المقبلة لا تؤدي إلّا إلى توسيع وهم المشاركة البناءة بين قوتين عظميين، ما يعزز مسار الصين المثير للجدل بدلاً من حله».
وهو يعتقد أن بكين تريد تقليص دور الشركات الأميركية متعددة الجنسيات في سلاسل التوريد التي تعتبرها الحكومة الصينية حساسة، مع تعميق سيطرتها على القطاع الخاص الصيني والشركات الدولية العاملة في الصين، مشيراً إلى تشريع الأمن القومي الذي تم سنه مؤخراً في هونغ كونغ.
(لورا هي-CNN)