مع موجة الإصلاحات الهيكلية التي طالت بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تتجه الأنظار إلى التقييمات الإيجابية التي أصدرتها وكالات التصنيف الائتمانية العالمية مثل «ستاندرد آند بورز»، و«موديز»، وفيتش، ما يعكس تحسن الآفاق الاقتصادية للمنطقة.
تأتي هذه التحسينات نتيجة لسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية وتنويع الاقتصادات والتحسن في السياسات المالية لعدة دول في المنطقة لا سيما في دول الخليج ومصر.
ومن أبرز الأخبار في مجال التصنيفات الائتمانية:
في سبتمبر أيلول 2023، «ستاندرد آند بورز» تؤكد تصنيف السعودية الائتماني عند A/A-1 مع نظرة مستقبلية مستقرة.
في مارس آذار 2024، «ستاندرد آند بورز» تعدل نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية.
في مارس آذار 2024، «موديز» تعدل آفاق تصنيف مصر الائتماني إلى «إيجابية».
في مارس آذار 2024، «موديز» تغير نظرتها المستقبلية لتونس من سلبية إلى مستقرة.
في مارس آذار 2024، «فيتش» تقول إن مشروع رأس الحكمة سيخفف ضغوط السيولة الخارجية على مصر.
في مارس آذار 2024، «ستاندرد آند بورز» تعدل النظرة المستقبلية لسلطنة عمان إلى إيجابية.
التنويع الاقتصادي.. مفتاح تحسن التصنيفات بالخليج
في مقابلة مع مدير التصنيفات السيادية في وكالة ستاندرد آند بورز بدبي، تريفور كولينان، أكد أن الاتجاهات الإيجابية في التصنيفات الائتمانية على مدى السنوات الأخيرة، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، تعكس بوضوح تحسن الأوضاع الاقتصادية والمالية لهذه الدول، على سبيل المثال، شهدت عُمان تحسناً ملحوظاً من خلال رفع تصنيفها الائتماني ثلاث مرات، بفضل استراتيجية السياسة المالية القوية التي انتهجتها واستخدامها للخدمات لسداد الديون، كما تم تحديث تصنيف السعودية بفضل استراتيجية التنويع الاقتصادي «رؤية 2030» التي بدأت تؤتي ثمارها من حيث تحسين التنوع والبنية الاقتصادية العامة للمملكة.
كما يلفت كولينان الانتباه إلى القدرات الفريدة لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تعود بالأساس إلى امتلاكها لموارد هيدروكربونية ضخمة، هذه الموارد مكَّنت بعض الدول من تحقيق فوائض مالية كبيرة في الماضي، والتي تم تخزينها في صناديق ثروة سيادية، تلك الصناديق بدورها، توفر وسائد أمان هائلة ضد الأزمات الخارجية والداخلية، كما برر كولينان التفاوت بين دول المجلس، حيث تظهر دول مثل عُمان والبحرين بمستويات أقل من الحصانة الاقتصادية مقارنة بنظيراتهما، نتيجة لاعتمادهما الأقل على الموارد الهيدروكربونية وتحقيقهما فوائض مالية أقل.
وقال يان فريدريش، رئيس التصنيفات السيادية لأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في وكالة فيتش، إن رفع تصنيف السعودية العام الماضي إلى +A يعكس تحسينات كبيرة في عملية صناعة السياسات الاقتصادية والمالية بالمملكة، ومع ذلك فإن تحقيق التوازن الطموح بين تحسين الأوضاع المالية وتنويع موارد الاقتصاد من خلال المشاريع الضخمة، التي تكون مكلفة وقد تؤثر على الميزانية العمومية السيادية، ما زال ينطوي على تحدٍ كبير.
كما أشار إلى أن مستوى سعر النفط اللازم لتحقيق التوازن المالي في السعودية يظل مرتفعاً نسبياً، ما قد يُشير إلى اتجاهات محتملة لزيادة الديون.
وأضاف فريدريش أن الوكالة تراقب عن كثب تمويل المشاريع الضخمة وتأثيرها على الميزانية.
وأكد أن التحسينات الكبيرة في إدارة السياسات والارتفاع في أسعار النفط قد أثمرا بالإيجاب على الميزانية العامة في سلطنة عُمان، ما دفع فيت لرفع التصنيف الائتماني للبلاد مرتين، وأضاف أن الوصول إلى درجة “الاستثمار” ما زال يتطلب تحسينات أكثر في السياسة المالية الأساسية أو استمرارية في ارتفاع أسعار النفط.
مسارات متباينة لاقتصادات مصر ولبنان
في الطرف الآخر من المشهد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تقف دول مثل لبنان، والأردن، ومصر، التي لم تحظَ بالمستويات العالية من الموارد الهيدروكربونية مثل نظيراتها الخليجية، بحسب ما قاله كولينان، ويضيف أن هذه الدول تختلف في مواقعها ومراحل تطورها الاقتصادي، على سبيل المثال، يظهر الأردن استقراراً نسبياً، بينما يقف لبنان عند مفترق طرق حاسم بعد التخلف عن سداد ديونه الخارجية منذ عام 2020، ويواجه لبنان، على وجه التحديد، تحديات هائلة تتطلب تنفيذ إصلاحات شاملة لاستعادة الثقة والحصول على دعم مالي خارجي.
وقال كولينان إن الوضع في لبنان يستوجب مراقبة دقيقة، إذ تُعتبر الخطوات نحو الإصلاح الاقتصادي والمالي أساسية لضمان استقرار مالي ونمو اقتصادي مستدام على المدى الطويل، مشدداً على ضرورة إجراء تقييم شامل للبنك المركزي والنظام المصرفي لتحديد الخسائر وبدء عملية التعافي، مع تأكيد أهمية تنفيذ الإصلاحات الضرورية التي ستعيد لبنان إلى مسار النمو الصحيح.
أما الوضع في مصر فينمُّ عن تحسن ملحوظ أيضاً، إذ أشارت ستاندرد آند بورز إلى التحسن في الوضع الاقتصادي نتيجة لالتزام الحكومة بإجراء إصلاحات، بدعم من برنامج صندوق النقد الدولي، ما يُتوقع أن يقلص العجز المالي ويسهم في تحجيم التضخم بشكل أفضل، وقال كولينان إن ما يساعد مصر كذلك الدعم الآتي من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى زيادة كبيرة في الاستثمار الأجنبي المباشر، خاصة في ضوء مشروع رأس الحكمة الذي يُعد بمثابة ضخ مباشر للاستثمارات الأجنبية بقيمة 24 مليار دولار في الاقتصاد المصري.
وقال فريدريش إن صفقة رأس الحكمة كانت مفاجأة إيجابية كبيرة، وأدت إلى إبرام اتفاقية مع صندوق النقد الدولي وأسهمت في الحد من المخاوف المتعلقة بزيادة الديون الخارجية وانخفاض إيرادات قناة السويس، التي تأثرت بالتوترات الجيوسياسية في المنطقة، وتابع أن الوضع المالي في مصر لا يزال يواجه تحديات، خاصة بسبب مدفوعات الفائدة الكبيرة على ديون الحكومة.
مخاطر جيوسياسية تحت المجهر
بالنسبة للمخاطر الجيوسياسية، خاصة تلك المرتبطة بالحرب الدائرة في غزة وهجمات البحر الأحمر، وما تبعها من تأثيرات على قناة السويس والسياحة في مصر، يرى كولينان أنها تُشكل عوامل ضغط يُمكن أن تؤثر على التقييمات الاقتصادية للمنطقة، ومع ذلك، فهو يشير إلى أن الأثر الاقتصادي لهذه المخاطر محدود نسبياً حتى الآن، مع استمرار التركيز على الإصلاحات الهيكلية وتحسين السياسات الاقتصادية والمالية كعوامل رئيسية لتعزيز النمو والاستقرار الاقتصادي في المنطقة، ومع ذلك، يُحذّر من أن أي تصاعد في الوضع قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على الاقتصادات الإقليمية، خاصة إذا أثرت على التجارة الإقليمية والعالمية أو على قطاعات حيوية مثل السياحة.
يعتقد كولينان أن المخاوف الرئيسية للوكالة «تكمن في اتساع نطاق الصراع في غزة، وبشكل خاص بالنسبة لتصنيفات دول مجلس التعاون الخليجي، إذا ما تسبب ذلك في عرقلة الشحن عبر مضيق هرمز أو حتى إغلاق المضيق لفترة ما، لأن ذلك سيمنع جزءاً كبيراً من صادرات تلك الدول الخليجية، ولكن هذا ليس شيئاً يتوقعه في الوقت الحالي».
مع تسليط الضوء على التقييمات الإيجابية من وكالات التصنيف الائتمانية العالمية تجاه بعض اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يبرز رفع تصنيف دول في المنطقة دليلاً على التطورات الاقتصادية والمالية التي تشهدها هذه الدول ضمن المنطقة، وهذه الخطوات تعكس جزءاً من الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار ودفع عجلة النمو، ومع ذلك، تظل المنطقة تحت مجهر التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي يمكن أن تؤثر على استمرارية هذه التقييمات الإيجابية.