على مدار نحو 8 سنوات، مرت العلاقات الأميركية الخليجية بمنعطفات مختلفة وتحولات كان حجر زاويتها الرئيس الأميركي القاطن في البيت الأبيض وسياساته تجاه دول الخليج؛ فبين وجود دونالد ترامب وجو بايدن في سدة الحكم تشكلت العلاقات بين البيت الأبيض والتكتل الخليجي وفقاً لمصالح اقتصادية وسياسية تدعم الجانبين، وفي نهاية العام الجاري قد تشهد العلاقات فصلاً آخر مع انتخاب رئيس أميركي جديد بين ترامب وبايدن.
وعلى مدار سنوات حكم الرئيسين الأميركيين كان النفط و العلاقات التجارية والعسكرية محاور مهمة شكّلت الترابط بين ترامب وبايدن من جهة ودول الخليج من جهة أخرى.
النفط محور مهم في علاقة دول الخليج والرئيس الأميركي
لطالما شكّل النفط وتحديداً قرارات منظمة أوبك+ -التي تمثّل دول الخليج ضلعاً رئيسياً فيها- عنصراً رئيسياً في العلاقة بين أميركا ودول الخليج، وخلال فترة ترامب وبايدن اختلف تعامل كلا الرئيسين مع قرارات المجموعة.
تميزت إدارة ترامب بنهجها القائم على الضغط والتفاوض العلني مع أوبك+ لتحقيق أهداف تتعلق بالأسعار تخدم الاقتصاد الأميركي مستعينة بعلاقات شخصية قوية بين ترامب وقادة دول المجموعة.
وظهر دور ترامب جلياً في أبريل نيسان 2020، فمع اشتداد تداعيات فيروس كورونا على أسواق النفط، ارتفعت التوترات بسبب حرب الأسعار بين السعودية وروسيا التي أدت إلى تهاوي أسعار النفط وسط فائض كبير في السوق.
خلال الشهر ذاته، توصلت أوبك+ لاتفاق تاريخي لخفض إنتاج النفط، كان للرئيس ترامب دور حاسم في التوسط لهذا الاتفاق، إذ أسهم في حل الخلاف بين السعودية والمكسيك الذي هدد بفشل الاتفاق.
ويقول بشار الحلبي، محلل أسواق الطاقة لدى شركة ARGUS، لـ«CNN الاقتصادية»، إن الرئيس السابق دونالد ترامب تعامل مع قضايا النفط وخاصة قرارات أوبك+ عبر مسارين؛ أولهما يتعلق بعلاقاته الجيدة مع قادة دول أوبك+.
وأضاف أن ترامب كان لديه توجه للتعاطي أكثر بالتفاصيل والتدخل في سوق النفط، إذ كانت هناك حاجة إلى ذلك عبر الضغط لضخ كميات أكبر من أوبك+ لكن هذا التدخل يتوقف على استجابة المجموعة لمطالبه بما يخدم مصالحها.
وفي حال عدم استجابة أوبك+ لمطالب ترامب، كان يتخذ مساراً مختلفاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو نهج كان يلزمه طول فترة حكمه وفي كثير من القضايا.
يضيف الحلبي أن الذهاب لوسائل التواصل الاجتماعي والتعبير عن الرأي في قضايا وقرارات أوبك+ كان سلاحاً فعّالاً بين يدي ترامب.
وتسببت تغريدات ترامب على موقع إكس- تويتر سابقاً- أكثر من مرة في التأثير على سوق النفط والأسعار، وكتب ترامب في مارس آذار 2019 منتقداً ارتفاع الأسعار ومطالباً أوبك+ بالهدوء واتخاذ الأمور على محمل الجد، فارتفعت الأسعار أكثر.
وفي العموم استخدم ترامب سياسة تفاوضية مع حلفائه للحصول على ما يريده هو أو ما يريده الاقتصاد الأميركي، بحسب الحلبي.
مع تولي جو بايدن الحكم في 2021 كانت إدارته تأمل في اتخاذ الطرق الدبلوماسية والتعاون بحثاً عن استقرار أطول أمداً في أسواق الطاقة، لكن هذا الطريق لم يستمر طويلاً، إذ توترت العلاقات سريعاً بين أميركا والسعودية أكبر مصدر للنفط في العالم.
وأسهم مضي أوبك+ قدماً في خطتها لخفض إنتاج النفط ضاربة بمطالبات أميركا بزيادة الإنتاج عرض الحائط، في اشتعال الخلاف بين أميركا والسعودية العضو الرئيسي في مجموعة أوبك+، إذ جاءت الخطة في خضم حرب روسيا على أوكرانيا وفي ظل ارتفاع أسعار النفط وضغوط تضخمية تحيط أنحاء العالم.
«العلاقات المتشنجة مع السعودية لم تسمح لبايدن أن يطلب أو يتعاطى مع الأمور مثل سابقه ترامب عن طريق التفاوض مع أوبك+ لأنه اصطدم بحائط وهو أن العلاقات بالنهاية عليها أن تمر من خلال السعودية، وفي كل الأحوال لم تكن لأوبك+ أن تستجيب لمطالب بايدن إلّا إذ رأت أنها في صالحها»، حسبما يقول الحلبي.
ويضيف أن هذا يظهر جلياً في أنه لم تفلح زيارة بايدن إلى السعودية في صيف 2022 في إذابة الجليد بين الطرفين، إذ أعقبها خفض كبير للإنتاج أقرته أوبك+ في خريف العام نفسه.
وتسبب هذا الخفض في هجوم أميركي على السعودية وصل إلى حد أن قال الرئيس الأميركي إن السعودية ستواجه عواقب من وراء هذا القرار، حاول بايدن فيما بعد أن يُطلق المزيد من الاحتياطي النفطي الأميركي في محاولة للسيطرة على أسعار النفط، كما شرع في دعم مشروع قانون نوبك، الذي يهدف إلى الحد من قدرة أوبك في السيطرة على أسعار النفط.
الفورة في التصريحات الأميركية التي جاءت بالتوازي مع انتخابات التجديد النصفي الأميركية، هدأت قليلاً مع هدوء أسواق النفط واستمرار أوبك+ في تنفيذ سياستها الرامية لدعم دول المجموعة، ومع تبدل الظروف السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط.
التجارة بين دول الخليج وأميركا
احتفظت دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية بعلاقات اقتصادية متوازنة خلال فترة تولي ترامب الرئاسة الأميركية، واستمرت كذلك حتى انتشار فيروس كورونا الذي أوقف سلاسل الإمداد حول العالم.
ومع مجيء جو بايدن للرئاسة لم تعد قيمة الصادرات أو الواردات الأميركية إلى ومن منطقة الخليج إلى مستويات ما قبل كورونا، وإذا استمر الميزان التجاري بين البلدين يميل تجاه أميركا.
ويعني هذا أن الميزان التجاري بينهما يسجل فائضاً لصالح أميركا أي أن صادرات أميركا لدول الخليج أكبر من وارداتها.
وتشير البيانات التجارية بين أميركا ودول الخليج إلى أن واردات هذه الدول خلال أول عامين في ولاية ترامب كانت فوق مستوى 50 مليار دولار قبل أن تتراجع بفعل كورونا لمستويات 40 مليار دولار، بينما بلغت الصادرات الأميركية لدول الخليج في الفترة نفسها بين 32 و37 مليار دولار في أول عامين قبل أن تتراجع بشكلٍ حاد في 2019 إلى 24 مليار دولار بفعل تراجع كبير لأسعار النفط وقتها وتستمر مع انتشار فيروس كورونا.
ومع مجيء جو بايدن لم تتغير مستويات التجارة بين دول الخليج وأميركا، إذ بقيت الواردات عند مستوى 41 مليار دولار وعادت الصادرات لمستويات ما قبل كورونا، إلّا خلال العام الماضي الذي شهد تراجعاً في الصادرات والواردات.
لكن ميزان التجارة ظل يميل نحو أميركا وإن تقلص قيمة العجز التجاري مع تراجع الصادرات والواردات.
ويعتبر الوقود والزيوت المعدنية والألومنيوم ومصنوعاته والذهب والأسمدة أبرز الصادرات الخليجية التي تذهب إلى السوق الأميركية، بينما تستورد دول الخليج من أميركا الآلات والمعدات والسيارات والطائرات ومنتجات الصيدلة والأسلحة.
الاستثمارات الخليجية في أميركا
تستثمر الصناديق السيادية الخليجية في السوق الأميركية بكثافة، إذ تملك حصصاً في شركات تصنيع ومؤسسات مالية ومشروعات عقارية أميركية واستمرت في ذلك خلال ولاية ترامب وبايدن، وتظهر بيانات حديثة لشركة غلوبال إس دبليو إف الاستشارية أن نحو 52 في المئة من أصول جهاز أبوظبي للاستثمار موجودة في أميركا، بينما تذهب 33 في المئة من محفظة هيئة الاستثمار الكويتية إلى الوجهة نفسها، وتبلغ حصة أميركا من استثمارات صندوق الثروة السيادي السعودي 14 في المئة.
وتتأرجح نسبة استثمارات جهاز قطر للاستثمار في أميركا بين 20 في المئة، بينما ترتفع حصة الاستثمارات الأميركية في شركة مبادلة للاستثمار الإماراتية 38 في المئة.
وتقول غلوبال إس دبليو إف إن جهاز أبوظبي للاستثمار نشط بشكلٍ كبير في أميركا، وخلال السنوات القليلة الماضية توسعت بعض الصناديق الخليجية في أميركا، فمثلاً السعودية، ورغم الخلافات المعلنة على سياسات النفط مع أميركا، اشترت حصصاً في شركات أميركية شهيرة مثل أمازون وألفابت وبنك جي بي مورغان.
وخلال عام 2022 فقط كانت هناك 25 صفقة نفذتها صناديق سيادية خليجية بينها 17 صفقة في شركات أميركية وأوروبية.
وتظهر الدول الخليجية اهتماماً أكبر في الاستثمار في الأوراق المالية الأميركية، إذ تعد من كبار المستثمرين فيها وخلال سنوات حكم ترامب وبادين استمرت الاستثمارات عند مستوياتها، بل في بعض الأوقات ارتفعت مستفيدة من رفع الفائدة الأميركية التي بدأت في 2022، والسعودية هي أكبر مستثمر خليجي في الأوراق المالية الأميركية تليها الإمارات والكويت، وفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية.
ترامب أم بايدن.. كيف ستكون العلاقة مع دول الخليج؟
مع دخول الرئيس الأميركي الجديد البيت الأبيض مطلع العام المقبل، سينُظر للعلاقة مع دول الخليج من منظورين أولهما سياسي يتعلق بأزمة الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والثاني اقتصادي يتعلق بإنتاج النفط وعلاقة أوبك+.
ويرى آدم كليمنتس، مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركية، أن مجيء ترامب الداعم القوي لإسرائيل سيشكل الأساس الجديد لعلاقة الطرفين في ظل التوترات الحالية وفي ظل مواقف سابقة ومسئولين في إدارته دعمت إسرائيل بشدة خلال فترة حكمه.
ويضيف لـ«CNN الاقتصادية»، «أما في حال انتخاب بايدن لولاية أخرى، فهذا يعني تبني حل الدولتين كمحاولة لإيجاد نوع من الحلول طويلة المدى، وهو حل تدعمه دول الخليج».
ويقول «دول الخليج ومعهم بايدن تدرك تماماً أنه إذا كانت هناك رغبة في الاستقرار وفي الوصول لأهداف اقتصادية طويلة ومتوسطة المدى، يجب الوصول لحل نهائي لهذه الأزمة».
لكن سيبقى الأمر يعتمد على توجه الإدارة أميركية تجاه إسرائيل نفسها وأي منهم سيدعمها بشدة أو يمارس ضغطاً عليها، وفقاً كليمنتس.
أمّا على مستوى العلاقات الاقتصادية وتحديداً المتعلقة بالنفط، فإن استمرار بايدن مرة ثانية لا يعني مزيداً من التوترات مع دول الخليج، إذ إن اتفاق كوب 28 بالإمارات يمكن أن يمهد الطريق لعلاقة أفضل بين الطرفين، وفقاً للحلبي.
يُعرف بايدن أنه داعم للتحول الطاقي وجاء إلى الحكم بأجندة خضراء تدعم قضايا التغيّر المناخ وتحاول إيجاد حلول له.
ويقول الحلبي «اليوم أصبح هناك لغة مشتركة أكثر وأقل راديكالية للعمل على قضايا التحول المناخي، فدول الخليج تدرك تماماً أن عليها الاستثمار في قطاعات اقتصادية مختلفة وليس قطاع النفط فقط».
يعني هذا أنه لن يكون هناك مزيد من التشنجات والتوترات بين الجانبين لأن القضايا الاقتصادية الأخرى أصبحت ضرورة ملحة في الوقت الحالي.
لكن مجيء ترامب مرة أخرى يعني أن قمة المناخ ستفتقد إلى الدور الأساسي الذي تلعبه الولايات المتحدة بدبلوماسيتها التي تسير خلف الأبواب للتوصل إلى اتفاق بنهاية كل قمة، وفقاً للحلبي.
ولم يكن ترامب مهتماً بقضايا المناخ كثيراً، إذ بمجرد وصوله للحكم انسحب من اتفاق باريس التاريخي الخاص بالتخفيف من آثار التغيّر المناخي.
وعلى مستوى إنتاج النفط يقول الحلبي إن ترامب قد يعود مرة أخرى للتدخل والتفاوض في حال تعارضت مصالحه مع أوبك+، لكن نجاحه من عدمه يتوقف على مصالح المجموعة التي لديها حسابات مختلفة، حسبما يضيف.
وأين كان من ستأتي به الانتخابات الأميركية، ستعيد الأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية تشكيل علاقته بدول الخليج في وقت تعاني منطقة الشرق الأوسط صراعات عديدة على الإدارة الأميركية الجديدة التعاطي معها بحذر.