عندما أشار مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي، في نهاية العام الماضي، إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة، كان الأمر محور تحركات وول ستريت، لكن رياح التضخم العنيد جاءت بما لا تشتهي سفن المستثمرين.
كان بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى في ربع قرن تقريباً، ثم ثبّتها عند المستوى ذاته منذ يوليو تموز؛ لكن البيانات الاقتصادية الأخيرة تُظهر أنه لم يكن هناك تحسن كبير هذا العام، بعد تباطؤ التضخم خلال العام الماضي، ما بدد آمال خفض قريب للفائدة، بل أثار الشكوك بإمكانية رفعها.
جاء تقرير مؤشر أسعار المستهلك لشهر مارس آذار، ليظهر ارتفاع الأسعار بنسبة 3.5 في المئة الشهر الماضي مقارنة بعام 2023، بارتفاع كبير على 3.2 في المئة في فبراير شباط، وأعلى من توقعات الاقتصاديين، كما يمثل أعلى قراءة في نصف عام.
وأدى ارتفاع أسعار الغاز وتكاليف الإسكان المرتفعة إلى ظهور قراءة أكثر سخونة من المتوقع، ما أثار الفزع في وول ستريت، وأدى إلى عمليات بيع جماعية يوم الأربعاء وقلل من احتمالات خفض سعر الفائدة في يونيو حزيران.
ومؤخراً قالت محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي ميشيل بومان، التي يمكن وصفها بالصوت الأكثر تشدداً في البنك المركزي، إنها تفضل رفع أسعار الفائدة إذا توقف التقدم بشأن التضخم.
من جهته، طرح رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، نيل كاشكاري، الأسبوع الماضي إمكانية عدم خفض أسعار الفائدة على الإطلاق هذا العام، قائلاً إن رفع أسعار الفائدة بالتأكيد ليس خارج طاولة البحث، على الرغم من أنه احتمال مستبعد.
بدوره، أيدهم رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز، قائلاً إن رفع أسعار الفائدة ليس جزءاً من توقعاته الأساسية في الوقت الحالي.
وقال ويليامز رداً على سؤال طرحته شبكة CNN في مناقشة يوم الخميس مع الصحفيين، إن هناك ظروفاً تستحق رفع أسعار الفائدة، مثل ارتفاع التضخم بشكل ملموس، لكن المسار الحالي لا يتناسب مع ذلك.
وقالت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن سوزان كولينز، يوم الخميس، إن البيانات الأخيرة لم تغير توقعاتها بشكل ملموس، لكنها تسلط الضوء على الشكوك المتعلقة بالتوقيت، والحاجة إلى الصبر، مع الاعتراف بأن تراجع التضخم قد يأخذ وقتاً.
وأكدت أن تقرير الوظائف القوي المثير للصدمة الشهر الماضي، أضاف 303 آلاف وظيفة في مارس آذار، متجاوزاً التوقعات السابقة بإضافة 205 آلاف وظيفة فقط، وهو سبب أكثر للبنك المركزي للتحلي بالصبر مع خفض أسعار الفائدة، مضيفة أن ذلك قد يعني تخفيضات أقل هذا العام.
وفي الوقت نفسه، لم يتناول رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مؤخراً الحاجة المحتملة لرفع أسعار الفائدة.
توقعات الاقتصاديين
في الوقت الحالي، يتوقع المسؤولون بشكل عام خفض أسعار الفائدة في وقت ما هذا العام، إذ تُظهر أحدث التوقعات الاقتصادية للمسؤولين أنهم يتوقعون في الغالب خفض أسعار الفائدة خلال العام الجاري، على الرغم من انقسامهم حول مدى قوة التخفيض، إذ توقع 10 منهم تخفيضات بمقدار ثلاث نقاط أو أكثر، بينما توقع تسعة من المسؤولين تخفيضات بمقدار ربع نقطة مئوية أو أقل.
من جهته، حذر وزير الخزانة السابق لاري سامرز يوم الأربعاء من رفع أسعار الفائدة، خاصة بعد تقرير مؤشر أسعار المستهلك لشهر مارس آذار.
كان سامرز واحداً من عدد قليل من الاقتصاديين الذين جادلوا بشكل صحيح في عام 2021 بأن التضخم لم يكن مؤقتاً، وفقاً لتصنيف مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي حينذاك.
ومنذ إصدار تقرير مؤشر أسعار المستهلك يوم الأربعاء، تراجع عدد من اقتصاديي البنوك الكبرى، بما في ذلك يو بي إس وباركليز وغولدمان ساكس وبنك أوف أميركا، عن توقعاتهم المتعلقة بتوقيت خفض الفائدة.
على سبيل المثال، يتوقع الاقتصاديون في بنك أوف أميركا الآن خفض سعر الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام في ديسمبر كانون الأول، على عكس توقعاتهم السابقة بإمكانية خفض الفائدة أربع مرات.
يعد توقيت الخفض الأول لأسعار الفائدة أمراً بالغ الأهمية؛ لأنه إذا أقدم بنك الاحتياطي الفيدرالي على هذه الخطوة في وقت مبكر جداً، فإنه يخاطر بإبقاء التضخم عند مستوى مرتفع.
وإذا أقدم عليها في وقت متأخر جداً، فقد يؤدي ذلك إلى إلحاق ضرر غير ضروري بالاقتصاد، ولهذا السبب ينتظر بنك الاحتياطي الفيدرالي المزيد من البيانات قبل تقديم أي استنتاجات حول الاقتصاد، بما في ذلك ما إذا كان التضخم قد وصل إلى المستهدف البالغ اثنين في المئة.
(إليزابيث بوتشوالد وبريان مينا-CNN)