استيقظ الشعب السوداني قبل عام على كابوس لم ينتهِ حتى الآن، عندما اندلعت حرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية والتسبب في أكبر أزمة نزوح في العالم، وسط مخاوف من حدوث مجاعة.
تسبب الصراع المستمر في السودان منذ 15 أبريل نيسان 2023 في نقص واسع النطاق لإمدادات الغذاء والمياه وخدمات الرعاية الصحية ليترك 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان في حاجة لمساعدات إنسانية، ويشرد 8.6 مليون شخص داخل السودان وخارجه.
وقالت منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة إن الأزمة في السودان قد تتفاقم في الأشهر المقبلة مع استمرار القيود على توزيع المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد نقصاً بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المئة من المرافق الصحية، ومخاطر انتشار الأوبئة والأمراض.
في غضون ذلك، يسعى وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي إلى جمع مزيد من التمويل للسودان اليوم الاثنين عندما يجتمعون في باريس بالتزامن مع الذكرى الأولى لاندلاع الصراع.
وذكر مصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة رويترز، أن مؤتمر باريس يهدف لجمع ما يزيد على مليار يورو، إذ سيتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 350 مليون يورو، بينما ستضيف فرنسا 110 ملايين يورو، كما ستدفع الولايات المتحدة ما مجموعه 147 مليون دولار، بعدما تعهدت ألمانيا بتقديم 244 مليون يورو في وقت سابق اليوم الاثنين.
الاقتصاد السوداني في ظل الحرب
كان يطلق على السودان ذات يوم اسم «سلة الغذاء» بحسب تقرير لأكاديمية أوكسفورد بسبب قطاعها الزراعي الذي كان يوظف 53 في المئة من القوى العاملة، ومثل 21.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019.
لكن بعد عام من الحرب والصراع المستمر، تدهور القطاع الزراعي بشكل حاد مع بقية البنية التحتية للبلاد، إذ انخفض إنتاج الحبوب بنسبة 46 في المئة في مارس آذار 2024، مقارنة بالشهر ذاته من العام السابق، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
وقال جبريل إبراهيم، وزير المالية السوداني، في مؤتمر صحفي في فبراير شباط بمدينة بورتسودان، إن الاقتصاد السوداني انكمش بنسبة 40 في المئة في 2023، وهبطت إيرادات الدولة بما يتجاوز 80 في المئة، ما ألقى بثقله على الرواتب المدفوعة للعاملين بالدولة، وأسهم في تفاقم أزمة المعيشة التي تعاني بالفعل من ارتفاع الأسعار.
كما تدهور سعر الصرف بشكل حاد مقابل الدولار الأميركي بسبب تزايد الديون وضعف الإنتاج والإيرادات، بحسب جبريل إبراهيم الذي أشار إلى ارتفاع سعر الدولار من 570 إلى 1200 جنيه سوداني خلال الحرب، قبل أن يستقر بشكل طفيف.
ويواجه السودان مخاطر من تفاقم الديون خاصة في ظل الحرب الحالية، إذ مثلت ديون الحكومة المركزية في السودان نحو 127.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2022، بحسب صندوق النقد، وهي في المرتبة التاسعة عشرة عالمياً ضمن أعلى دول العالم من حيث ديون الحكومة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
في حين يقع السودان في المرتبة الخامسة ضمن أقل دول العالم من حيث متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، والذي بلغ 533.84 دولار في عام 2023، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي.
السودان عطِش للمساعدات الإنسانية
أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن السودان يحتاج إلى مساعدات بقيمة 2.6 مليار دولار للوصول إلى 14.7 مليون شخص من أصل 24.8 مليون شخص بحاجة ماسة للمساعدات، لكنه لم يحصل سوى على 1.3 مليار دولار حتى الآن، أي أقل من نصف المبلغ المطلوب.
ومما يثير القلق أن 17.7 مليون شخص -أكثر من ثلث سكان البلاد- يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بحسب الأمم المتحدة، من بينهم 4.9 مليون شخص على حافة المجاعة، والأطفال المتضرر الأكبر.
ومن جانبه، قال رئيس مكتب الأمم المتحدة بالسودان، جوستين برادي «كانت الحرب قاسية بشكل خاص على الأطفال، إذ يعاني ما يقدر بنحو 730 ألف طفل من سوء التغذية الحاد، وبدون مساعدة عاجلة يمكن أن يموت أكثر من 200 ألف طفل بسبب الجوع الذي يهدد حياتهم في الأسابيع والأشهر المقبلة».
وقال توم بيرييلو المبعوث الأميركي الخاص للسودان، في تصريحات نقلتها وكالة رويترز، إن الحكومة الأميركية تأمل أن يتمكن مؤتمر باريس من تخفيف القيود المالية وتعهدت بتخصيص أكثر من مئة مليون دولار لتمويل جهود الإغاثة في السودان.
وأضاف بيرييلو «الاستجابة الدولية مؤسفة حتى الآن، لقد حصلنا على خمسة في المئة من المبلغ المطلوب»، مضيفاً أن الولايات المتحدة خصصت بالفعل أكثر من مليار دولار من المساعدات الإنسانية للصراع.