انفجارات مدوية هزت أصفهان، لتجدد المخاوف من عدم قدرة الاقتصاد الإيراني على التعافي، خاصة في وقت كان يتوقع فيه البنك الدولي تراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.2 في المئة خلال العام الجاري، واستمرار تراجعه حتى العام المقبل إلى 2.7 في المئة.
يعتمد الاقتصاد الإيراني على قطاعات النفط والغاز والزراعة، إضافة إلى التصنيع والخدمات المالية، ووفقاً للبنك الدولي، فإن إيران تحتل المركز الثاني عالمياً من حيث احتياطات الغاز الطبيعي، والرابعة من حيث احتياطات النفط الخام.
على الرغم من هذا التنوع البسيط في الاقتصاد الذي تسعى إليه إيران، تظل عائدات النفط هي الأساس الذي يعتمد عليه اقتصادها، لذلك فهو متقلب بسبب العقوبات الأميركية على صادراتها النفطية، إضافة إلى أسعار السوق التي تتأثر بالتوترات الجيوسياسة، والقرارات المتعلقة بخفض إنتاج النفط، ما يؤثر على العملة الإيرانية أيضاً.
كما أدى نقص المياه والطاقة إلى انكماش قطاعي الزراعة والصناعة، وأدى النقص في عائدات النفط إلى تزايد عجز الموازنة، ما زاد من الضغوط التضخمية في البلاد، ووصل معدل التضخم في إيران إلى 41.5 في عام 2023، وفقاً لأحدث بيانات ريفينيتيف.
وفي الوقت الذي كان يتعافى فيه الاقتصاد الإيراني بشكل تدريجي بين عامي 2021 و2022، مدعوماً بتعافي الخدمات بعد جائحة كوفيد-19، وزيادة نشاط قطاع النفط، لينهي عشرة أعوام من الركود الاقتصادي، ارتطم ثانية بتصاعد الصراع في الشرق الأوسط، فضلاً عن العقوبات الأميركية.
وبعد الهجوم الإيراني بأكثر من 200 طائرة مسيّرة وصاروخ على إسرائيل، رداً على استهداف قنصليتها في دمشق، قالت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إنها ستفرض عقوبات جديدة على إيران، ما قد يضر بصادرات النفط الإيرانية في المستقبل القريب.
ويدرس المشرعون الأميركيون حالياً، تشريعاً قد يفرض إجراءات على الموانئ والمصافي الأجنبية التي تعالج النفط في إيران، وفقاً لوكالة رويترز.
كيف يصمد الاقتصاد الإيراني؟
عقب أيام من التصعيد الإيراني الإسرائيلي، رجح البنك الدولي في تقرير أصدره بعنوان ( الصراع والديون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، تأثر إيران التي تعتبر من الدول النامية المصدرة للنفط، بالصراع الذي يشهده الشرق الأوسط، موضحاً أنه عرضة للمخاطر الاقتصادية لأسباب جيوسياسة، خاصة مع تشديد العقوبات الأميركية الحالية على صادرتها النفطية.
وأضاف أن الأمر سيؤثر سلباً على نمو الناتج المحلي الإجمالي، متوقعاً هبوط نسب النمو على أساس سنوي من 4.7 في المئة خلال عام 2023، إلى 3.2 في العام الجاري، واستمرار التباطؤ في العام المقبل ليصل إلى 2.7 في المئة.
ووفقاً لبيانات ريفينيتيف، فإن تراجع الاقتصاد الإيراني قد يستمر حتى عام 2028 لتبلغ نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو 1.9 في المئة.
تأثير التوترات على التجارة الخارجية
لم يكن للعقوبات الغربية تأثير يذكر على تجارة النفط الإيرانية مع بكين، إذ سبق أن كشفت إيران عن تصدير كميات من النفط أكثر من أي وقت مضى خلال السنوات الست الماضية، ونقلت وكالة رويترز عن بيانات شركة فورتيكسا لتتبع السفن، أن الصادرات النفطية في هذه الفترة منحت اقتصاد إيران دفعة تبلغ 35 مليار دولار سنوياً.
واشترت الصين -وهي أكبر مستورد للخام في العالم وأكبر عميل لإيران- ما متوسطه 1.05 مليون برميل يومياً من النفط الإيراني في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، وهذا أعلى بنسبة 60 في المئة من الذروة التي سجلتها الجمارك الصينية قبل العقوبات في عام 2017.
من جهته، استبعد الخبير في الاقتصاد السياسي، أحمد ياسين، تأثُر التجارة الخارجية لإيران بحدة التوترات الجيوسياسية في المنطقة. وقال في حديثه مع «CNN الاقتصادية»، إن إيران انضمت إلى التكتلات الاقتصادية تحت قيادة الصين وروسيا، ومثل هذه العلاقات التجارية بالتأكيد قوية جداً، ومن المتوقع أن تتنامى كثيراً خلال الفترة المقبلة.
وشدد على أهمية الموقع الاستراتيجي لإيران بالنسبة للتحالف الدولي بين الصين وروسيا وتركيا، والهدف من هذا التكتل هو تأمين خطوط إمداد للتجارة العالمية الجديدة عبر منطقة القوقاز، لتنتهي في تركيا، ومثل هذه الخطوط التجارية الجديدة، ترتبط مع التطورات العسكرية التي تشهدها منطقة البحر الأحمر.
كانت تجارة السلع والخدمات في إيران، سجلت 44.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في ديسمبر كانون الأول 2020، وفقاً لبيانات سي إي آي سي.
ثم نمت الصادرات الإيرانية بنسبة 52.7 في المئة على أساس سنوي إلى 71.6 مليار دولار في ديسمبر كانون الأول 2021، وفقاً لبيانات سي إي آي سي. كما سجّل الميزان التجاري الإيراني فائضاً قدره 22.7 مليار دولار في الشهر ذاته.
أما الواردات، فإن أحدث بيانات ريفينيتف كشفت عن قيمتها خلال أول ستة أشهر من عام 2022، إذ بلغت نحو 28.2 مليار دولار، استناداً إلى بيانات البنك المركزي الإيراني.
لذلك، فإن قدرة الاقتصاد الإيراني على الصمود، تعتمد إلى حد كبير على ما إذا كانت العقوبات الغربية الجديدة قادرة على خفض صادراتها النفطية بشكل كبير، ما يحد من علاقاتها الخارجية.