تعاني منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة من تنامي التوترات الجيوسياسية التي طرأت على العالم أجمع وليس المنطقة العربية فحسب، وفي ظل هذه الصراعات يتأثر قطار التنمية ويشهد تأخراً نحو تحقيق أهدافه المستدامة.

وعلى صعيد الصراع القائم في قطاع غزة، يقول عبدالله الدردري، الأمين العام المساعد ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في مقابلة خاصة مع CNN الاقتصادية على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي، إن المنطقة تعاني بالفعل من ضعف معدلات النمو الاقتصادي، وتعاني من ضعف مؤشرات التنمية البشرية، وتعاني من ضعف تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، كل هذا قبل نشوب الحرب على غزة، لتأتي هذه الأزمة الجديدة بمزيد من التحديات.

أشار الدردري إلى تأثير جائحة كورونا أيضاً على التنمية والتطور الاقتصادي، قائلاً إن المنطقة «واجهت أزمة كوفيد-19 وأثرت عليها بشكل ملموس، بحيث إننا المنطقة الوحيدة في العالم الآن التي لم تخرج بعد من آثار كوفيد-19».

وأضاف الدردري «هناك أيضاً قضايا هيكلية تجمع ما بين كل دول المنطقة، غنيها وفقيرها، المنطقة تعاني من انخفاض في الإنتاجية، بالأحرى إنتاجية منطقتنا في عام 1980 كانت أفضل مما هي عليه اليوم»، وشدد على أن حصة المنطقة العربية في الاقتصاد العالمي عام 1980 كانت نحو 9 في المئة، أما اليوم فحصتنا في الاقتصاد العالمي تقدر بـ4.5 في المئة، وفقاً لما ذكره مدير المكتب الإقليمي للدول العربية في المكتب الإنمائي.

حجم الخسائر والضرر على المنطقة بسبب حرب غزة

فلسطين ككل خسرت نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الـ6 أشهر الماضية، بحسب الدردري خلال حديثه عن حجم الضرر الواقع على غزة إثر الهجمات الإسرائيلية عليها.

وأضاف الدردري أن حجم البطالة والفقر قد ارتفع بشكل هائل في مجمل الأراضي الفلسطينية وليس فقط في غزة.

وبالحديث عن إمكانية إعادة إعمار غزة، يقول الدردري «عملية إعادة إعمار غزة ستحتاج ما بين 30-40 مليار دولار على الأقل»، ويرى من وجهة نظره أنه لا يوجد اليوم، على الأقل في المستوى العالمي، الاستعداد لتأمين هذا التمويل دون عملية سلام واضحة ومستقرة تضمن عدم إعادة تدمير هذا الأمر.

وأضاف أن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة يُعِد الآن لبرنامج تعافٍ مبكر يسمح بتسكين نحو مليون شخص في سكن مؤقت كريم في موطنهم الأصلي، وشدد قائلاً «لن نسمح بتهجير أحد»، وأوضح أنه سيتعين تقديم الخدمات الأساسية لهؤلاء في مناطقهم من مياه وصرف صحي ومياه شرب وطاقة وتعليم وصحة وغيرها من الأمور وباقي الخدمات الأساسية، وتكلفة هذا الأمر من مليارين إلى ثلاثة مليارات دولار، وأشار إلى أن هذه تكلفة التعافي المبكر فقط، وستأخذ من 3 إلى 5 سنوات.

أما عن باقي المنطقة فقد أثرت حرب غزة سلبياً على المناخ الاقتصادي وفرص الاستثمار، ويعيد الدردري هذا الأمر إلى عدم استقرار المنطقة، موضحاً «لأن هناك حالة من عدم الثقة، الناس لا تعرف كيف يمكن أن ينفجر هذا الصراع ويتوسع».

كما أشار الدردري إلى وجود تحول في هياكل التجارة، ما أدى لزيادة تكلفة التجارة العالمية، خاصةً بما يحدث من أحداث في قناة السويس.

وبالحديث عن جنوب لبنان يقول الدردري إن «تكلفة ما دُمر في لبنان تفوق ملياري دولار»، وقد أُحرق حتى الآن أكثر من 100 ألف شجرة زيتون تعاش منها آلاف العائلات، وبالنسبة للتهجير فهناك نحو 200 ألف لبناني هُجروا من مناطقهم.

وبالنسبة للنزاع السوداني القائم فهناك ملايين السودانيين حتى الآن في مصر وغيرها من الدول، كما أن هناك أثراً شديداً على الأمن الغذائي العربي، لأن السودان كان حتى فترة قريبة مصدراً مهماً في المواشي الحية واللحوم والمنتجات الزراعية التي بطبيعة الحال «فقدتها المنطقة، وهي منطقة بالأصل تواجه حالة من الهشاشة أمام موضوع الأمن الغذائي»، حسب ما ذكر الدردري.

ما وضع أهداف التنمية في المنطقة الآن؟

ومع تسارع كل هذه التحديات يرى هاوليانغ شو، وكيل الأمين العام لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن هناك فجوة حقيقية بين الدول النامية والدول المتقدمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ويقول هاوليانغ شو لـCNN الاقتصادية، في مقابلة بمقر الأمم المتحدة في الرياض على هامش فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي، إن جائحة كورونا كان لها شديد الأثر على اقتصادات العالم، إذ انخفض مستوى التنمية البشرية في جميع أنحاء العالم لمدة عامين على التوالي، بالإضافة لحرب أوكرانيا التي أثرت على سلاسل الإمداد، وعطلت سلسلة الإمدادات الغذائية على سبيل المثال، وأسهمت في ارتفاع الأسعار، وزيادة أسعار السلع الأساسية في البلدان النامية.

ويظهر التقرير الأخير للبرنامج الإنمائي أن مستوى التنمية البشرية بالنسبة لجميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد انتعش إلى مستوى عام 2019، بل وتجاوزه، لكن بالنسبة للبلدان النامية الأمر مختلف، فعلى سبيل المثال أكثر من نصف البلدان الأقل نمواً حتى اليوم لم تتعافَ إلى مستوى التنمية في عام 2019، ما يدل على التباين في التنمية، وذلك وفقاً لما ذكره شو وكيل الأمين العام لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

ويقول شو إن العامل متأخر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المقرر الوصول لها بحلول عام 2030، إذ تخبرنا الإحصائيات الأخيرة أن نحو 15 في المئة فقط من هذه الخطة كانت على المسار الصحيح.

وعند سؤال هاوليانغ شو عن إمكانية مواجهة الدول النامية لتلك التحديات، قال إن أهم ما يركز عليه الأمين العام للأمم المتحدة هو سبل التمويل لأنها عماد التنمية، وأوضح أنه «بدون التمويل الكافي، فإن احتياجات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية وغيرها من الخدمات لن تكون مضمونة، ولا يمكننا أن نحقق على نحو جيد مسار أهدافنا المتعلقة بالتنمية المستدامة».

وذكر شو أن من ضمن الحلول هو تقديم الأمين العام ملفاً لخطة تحفيز تدعو إلى تمويل إضافي بقيمة 500 مليار دولار سنوياً لضمان حصول البلدان النامية على هذا الحيز المالي.

وأضاف أن أطر التمويل الوطنية المتكاملة تعد جزءاً من خطة عام 2030 التي تم الاتفاق عليها في عام 2015، ومن ثم العمل مع شركاء الأمم المتحدة داخل الأمم المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي كدول مانحة، في سبيل دعم 85 دولة لتطوير أدوات هذه السياسة، لجلب جميع مصادر التمويل، ومواءمتها لدعم أهداف التنمية المستدامة.

ماذا بعد حرب غزة؟

يتطلب إعمار غزة مليارات الدولارات، ويحتاج إلى خطة تكاملية بين أطراف المجتمع الدولي ودول المنطقة والمؤسسات الأممية، ويرى عبدالله الدردري، مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، «إذا كنا سنعتمد الأساليب القديمة في إعادة الإعمار فقد يأخذ الأمر عقوداً، ولا أبالغ إذا قلت قد يأخذ الأمر أكثر من 200 سنة ربما، إذا أردنا أن نعتمد الأساليب القديمة نفسها».

وذكر الدردري أن غزة اليوم تعاني من 37 مليون طن من الركام، وأشار إلى أنهم بحاجة إلى 650 مليون دولار فقط لإزاحة الركام، وأوضح أن عملية إزالة الركام أمر لا مفر منه، «وإذا أردنا أن نبني للناس سكناً مؤقتاً مع الخدمات الملحقة بهذا السكن فنريد أماكن فارغة».

وقال الدردري إنه «يوجد الآن في أسواق رأس المال العالمية نحو 500 تريليون دولار تبحث عن فرص استثمار، وبالتالي 30 مليار دولار لغزة ليست بالأمر الصعب».