سيصل إجمالي الانخفاض في إيرادات السياحة وقناة السويس في مصر على مدار السنتين الماليتين 2023-2024 و2024-2025 إلى نحو 3.7 مليار دولار على الأقل، وفقاً لتقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر بعمل دراسة عاجلة حديثة لتقييم تأثير الحرب في غزة وانعكاساتها على مصر كدولة جوار، وذلك وفقاً لثلاثة سيناريوهات مختلفة متوقعة.

إذ أشارت الدراسة إلى أنه في ظل السيناريو متوسط الشدة، يمكن أن يصل إجمالي الانخفاض في القنوات الرئيسية لتأثير الحرب في غزة على اقتصاد مصر مثل قناة السويس وقطاع السياحة إلى 9.9 مليار دولار، و13.7 مليار دولار في إطار السيناريو شديد القصوى، والذي يفترض اشتداد الحرب أو توسعها.

وتحدثت «CNN الاقتصادية» مع أليساندرو فراكاسيتي، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر عقب إصدار البيان الصحفي الأولي، للتعليق على هذه الدراسة الحديثة.

وقال فراكاسيتي لـ«CNN الاقتصادية»، «إن قدرة مصر على الصمود هي أحد الأسباب التي دفعتنا إلى إلقاء نظرة على هذه الدراسة وإعداد تقييم اجتماعي واقتصادي لتأثير حرب غزة».

وأضاف أن مثل هذه الدراسة أجريت «ليس على مصر فقط، بل أجرينا دراسة مماثلة على دولة فلسطين وعلى لبنان والأردن لمعرفة تأثير هذه الحرب على المدى الزمني القصير وأيضاً على مدى أطول قليلاً».

تأثير الحرب في غزة على اقتصاد مصر

ويشير التحليل الأولي المبسط إلى أن التكلفة الاقتصادية الإجمالية للحرب على الاقتصاد المصري بما في ذلك التأثيرات المضاعفة على مدار السنتين الماليتين قد تصل إلى 5.6 مليار دولار في ظل سيناريو منخفض الشدة، و14.6 مليار دولار في ظل سيناريو الشدة المتوسطة، و19.8 مليار دولار في ظل سيناريو الشدة العالية.

وتقابل هذه التكاليف خسارة قدرها 1.6 في المئة من متوسط الناتج المحلي الإجمالي السنوي في ظل سيناريو الشدة المنخفضة، و3.9 في المئة في ظل سيناريو الشدة المتوسطة، و5.2 في المئة في ظل سيناريو الشدة العالية.

وقال الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر إن النتائج الأولية للدراسة تشير إلى أن أكثر قنوات الدخل التي تأثرت في مصر من حرب غزة تتمثل في عائدات قناة السويس وعائدات السياحة، وأوضح أن «كليهما يشكّلان معاً 20 في المئة من إيرادات مصر من النقد الأجنبي حالياً».

وتشير الدراسة إلى أنه في حالة تصاعد الحرب، من المتوقع أن يتأثر مؤشر التنمية البشرية في مصر (HDI) -وهو مقياس مركب يتتبع التقدم المحرز في مجالات الصحة والتعليم والدخل لكل شخص- سلباً بسبب حرب غزة، وأن يتراجع إلى مستويات السنوات السابقة (2018-2021).

وبالإشارة إلى أهداف الدراسة، أكد فراكاسيتي أن «الغرض الحقيقي هو تزويد صُنّاع السياسات والشركاء الدوليين وغيرهم بنتائج ورؤى قائمة على الأدلة يمكن من خلالها صياغة السياسات الصحيحة وتجميعها».

وأشار ممثل البرنامج الإنمائي في مصر، إلى الوضع المتفاقم للاقتصاد الكلي المصري، والذي اشتدت وطأته مع تداخل الأزمة القائمة على الحدود المصرية في قطاع غزة.

وأوضح فراكاسيتي أن مصر تمر منذ فترة بأزمات متتالية وصدمات خارجية بدءاً من وباء كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، مروراً إلى أزمة السودان التي خلفت أكثر من نحو 600 ألف لاجئ سوداني إلى مصر، «ناهيك عن تأثير حرب غزة الذي جاء فوق كل ذلك».

ويعتقد المسؤول الأممي أن «مصر أثبتت على مر السنين أنها قادرة على الصمود في وجه الأزمات المتعددة والصدمات الخارجية المختلفة»، وعقّب أنه بالرغم من أن مصر أظهرت مرونة واضحة في التصدي أمام التحديات الكثيرة المتعاقبة، فإنه يرى «أن كل هذا الضغط المشترك حالياً يضع قدرتها على الصمود والتصدي أمام الاختبار».

سياسات التخفيف

وبالنظر إلى واقع الأمر فإن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في مصر يرى أن الحكومة بالفعل قد وضعت عدداً من السياسات وإجراءات التخفيف أمام الوضع الاقتصادي الراهن المتأثر بكل الأحداث المحيطة، كما أشار فراكاسيتي إلى تدفقات رأس المال الأجنبية من الشركاء الدوليين لمصر التي جاءت بالأخص في الربع الأول من عام 2024، مؤكداً أن هذه الأموال «تشير بطريقة ما إلى أنها كانت هناك بالفعل استجابة لتأثير الحرب على غزة في مصر».

وأوضح أيضاً أنه «على سبيل المثال لا الحصر، لدينا تدفق نحو 57 مليار دولار مجتمعة بين قرض صندوق النقد الدولي، و اتفاقية الشراكة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي، واتفاقية الشراكة أو اتفاقية الاستثمار مع الإمارات العربية المتحدة»، موضحاً «التي من الواضح أنها كانت فرصة كبيرة لالتقاط الأنفاس لمصر»، على حد تعبيره.

إذ يرى البرنامج الإنمائي أن رأس المال هذا ساعد مصر بالفعل على الصمود في وجه اختبار مرونتها الذي تتناوله الدراسة الحديثة، وتوصي الدراسة بعدد من إجراءات للتغلب على الأزمة أيضاً، والعمل على الوقاية، والإنذار المبكر للأزمات المستقبلية، وعلى أي إجراء من شأنه دعم سوق العمل على سبيل المثال، والفئات الضعيفة الأكثر تأثراً، وغيرها.

وتنظر الدراسة إلى قطاع السياحة كقناة رئيسية لتأثير الحرب في غزة على اقتصاد مصر، لذلك «ندعو إلى أن تكون السياحة قادرة على الصمود أمام الصدمات المستقبلية»، وفقاً لما أورده أليساندرو فراكاسيتي.

وأوضح قائلاً «مثلاً فقد ترغب في توسيع مفهوم السياحة ليشمل السياحة المستدامة لتنويع العرض السياحي المقدم للتأكد من وجود مجموعة أوسع من المستفيدين من السياحة، بحيث تفيد على سبيل المثال المجتمعات المحلية وغيرها حتى تتمكن من الاستعداد جيداً في حالة حدوث صدمات مستقبلية».

وبالحديث عن الأثر الواقع على قناة السويس، يقول فراكاسيتي إن «بعض هذه العوامل ليست فقط على مصر، ولكن أيضاً على مستوى العالم»، وأضاف أنه بحلول شهر مارس آذار كان هناك انخفاض بنسبة 59 في المئة تقريباً في حركة التجارة عبر قناة السويس، بينما كانت هناك زيادة بنسبة 66 في المئة في حركة المرور عبر رأس الرجاء الصالح، وتساءل عن مدى تأثير ذلك من حيث زيادة التكلفة للشركات، فضلاً عن زيادة الانبعاثات الناتجة عن مسافات السفر والإبحار الأطول بشكلٍ كبير.

وتماشياً مع برنامج الإصلاح الهيكلي الوطني في مصر، أظهر التقرير أن بعض القطاعات استمرت في المساهمة في النمو الاقتصادي على الرغم من الحرب، مثل المنسوجات والزراعة، وبالتالي فإن تعزيز نمو هذه القطاعات يمكن أن يساعد على تعزيز مرونة الاقتصاد المصري.

وأكد فراكاسيتي أن التوصيات الموجودة في الدراسة جاءت نتاج المناقشة الجارية بالفعل بين كل الأطراف الفاعلة المعنية بالاقتصاد المصري بما في ذلك المؤسسات المصرية والوزارات الحكومية مثل وزارة التخطيط ومعهد التخطيط الوطني، بالإضافة إلى مجموعة من الخبراء والاقتصاديين التابعين للبرنامج الإنمائي وجمهورية مصر العربية، والذين أيضاً بدورهم شاركوا في عملية التدقيق لهذه الدراسة.

ويرى فراكاسيتي أن هناك توافقاً جيداً على الدراسة وأن البيانات والنموذج الذي تم استخدامه في الدراسة للتوصل لهذه الأرقام والنتائج قد تم التأكد منها والتوافق عليها وقبولها من قبل المؤسسات المصرية».

أولويات الإصلاح

وعند سؤاله عن الأولويات التي يجب أن تركّز عليها مصر للتعافي بناءً على توصيات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، يرى فراكاسيتي أنه «من أجل التعافي من أي أزمة، تحتاج البلد إلى وضع أنظمة أفضل»، وأكد أن هذا بالطبع ينطبق على أي بلد تخضع لاختبار أو أزمة لتكون أكثر مرونة في مواجهة الأزمات في المرة القادمة.

وأضاف أنه أيضاً يجب أن تتمتع البلد بوجود شركاء يمكنهم تقديم الدعم لها في هذه الحالة، ويرى فراكاسيتي أن مصر بالنسبة لما يحدث مؤخراً وحتى الآن، قد تمكنت بالفعل من جذب هذا النوع من الدعم وإيجاد طرق للتخفيف من بعض التوقعات الأسوأ التي أشارت إليها الدراسة، ولكنه شدد «بالرغم من ذلك، لا ينبغي التغاضي عن أن هناك العديد من المجالات التي تحتاج إلى دراسة متأنية، وإلّا فسيكون لها تأثير على الاقتصاد بأكمله».

وقال فراكاسيتي إن العالم كله مترابط تماماً وأن أي تأثير على مصر أو المنطقة سيؤثّر مؤكداً على باقي العالم ولا يمكن أن ينحصر الأثر على بلد واحد أو منطقة بعينها خاصة عندما يتعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط.

«دعونا لا ننسى أن أفضل طريقة لمعالجة كل هذا الأمر هي أن تتوقف الحرب، وأن يكون لدينا وقف فوري لإطلاق النار، وأن يتم استئناف الدعم الإنساني على الفور، هذا هو أول الأشياء التي يجب القيام بها، وإلّا فإن هذا الوضع المأساوي سيستمر».. هكذا اختتم الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر حديثه مع CNN الاقتصادية.

مضيفاً «بالطبع نحن نركّز على الاقتصاد هنا، ولكن الموت والدمار الذي سببته هذه الحرب غير مسبوق وهذا ما يجب أن ننظر إليه الآن».