يتصدر ملف الهجرة بشكل عام، وغير الشرعية منها على وجه الخصوص، مشهد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الخامس من نوفمبر تشرين الثاني المقبل، وقد يبدو المشهد أكثر قتامة حال وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى.

فقد توعد ترامب بإجراء ما وصفه بأكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة، إذ قال في مقابلة أجريت معه مؤخراً إنه سيستهدف جميع المهاجرين غير الشرعيين الذين يقدر عددهم بنحو 15 مليوناً والمقدر وجودهم في البلاد، بدءاً من مارس آذار الماضي.

وقدر تحليل أجراه نموذج الميزانية في بن وارتون، وهي مبادرة غير حزبية للأبحاث عن التأثير المالي للسياسة العامة، تكلفة عمليات الترحيل الجماعي بأكثر من تريليون دولار على مدى 10 سنوات، فهل يستطيع ترامب فعل ذلك؟

ووفقاً لتقديرات وزارة الأمن الداخلي، واجهت السلطات الفيدرالية أكثر من 2.5 مليون مهاجر عبروا الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك العام الماضي، وأسهم ذلك العدد في صافي هجرة نحو 3.3 مليون شخص إلى الولايات المتحدة في عام 2023، وهو أعلى بكثير من المتوسط السنوي البالغ 900 ألف شخص من عام 2010 إلى عام 2019، بحسب تقرير مكتب الميزانية بالكونغرس.

وبحسب مركز دراسات الهجرة، فإن السلطات الأميركية يمكنها ترحيل ما يزيد على مليون مهاجر سنوياً حال إنفاذ القانون، وحدد ترامب بعض أجزاء العالم التي يمكن أن تخضع لحظر السفر منها إلى بلاده، فقد تعهد بتقييد دخول الأشخاص من قطاع غزة وليبيا والصومال وسوريا واليمن وأي مكان آخر «يهدد أمن الولايات المتحدة»، حسب ما ذكره في خطاب ألقاه في أكتوبر تشرين الأول العام الماضي.

حملة ترامب الأولى ضد الهجرة

كي نفهم ماذا يمكن أن يحدث إذا ما وصل ترامب مرة ثانية إلى البيت الأبيض، علينا أن نستعرض ما قام به المرشح الجمهوري عندما تولى مقاليد الحكم منذ ثماني سنوات، أدت حملة ترامب المستعرة ضد الهجرة خلال فترة توليه الحكم بين عامي 2016 و2020 إلى انخفاض عدد العمال الأجانب وغيرهم من المهاجرين الذين يصلون إلى الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى منذ عقود.

خلال فترة ولايته، جعل ترامب من الصعب على العمال الأجانب دخول الولايات المتحدة بتأشيرات أو حتى كلاجئين، وتزايدت حالات رفض التأشيرات وتمديدها ومن ثم انخفض عدد قبول اللاجئين داخل أميركا.

كان صافي الهجرة إلى الولايات المتحدة قد ارتفع بمقدار 1.05 مليون في الفترة من 2015 إلى 2016، لكنه هبط إلى النصف تقريباً بين عامي 2018 و2019 إلى 595 ألفاً، وفق بيانات مكتب الإحصاء الأميركي.

وبالطبع أثلجت تلك الحملة ضد الهجرة صدور مؤيدي ترامب، لكن ذلك قد يكلف الولايات المتحدة غالياً في المستقبل، مع تباطؤ نمو الوظائف، وعدد أقل من الشركات الناشئة، وضعف الاقتصاد العام، كما يقول الاقتصاديون وقادة الأعمال ومحللو الهجرة.

وبدون تجديد التأشيرات، فستكون بعض الشركات الأميركية قد فقدت موظفيها الذين سيضطرون إلى مغادرة البلاد عند انتهاء صلاحية تصاريح العمل، وفي السياق نفسه صدر عدد أقل بكثير من البطاقات الخضراء، وفقاً لمعهد كاتو الأميركي، وهو مركز أبحاث يدعو إلى توسيع الهجرة القانونية.

التداعيات الاجتماعية والاقتصادية

يستهدف ترامب في «بروجكت 2025» أو ما يُعرف بمشروع الانتقال الرئاسي، وضع قواعد فورية تؤثر على تأشيرات العمل المؤقتة وتصاريح العمل، و«بروجكت 2025» عبارة عن مجموعة من المقترحات السياسية لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية الأميركية بشكل كامل في حالة فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.

ويصف المحافظون من الحزب الجمهوري مشروع الانتقال الرئاسي بأنه تفويض للقيادة في حالة نجاح ترامب، ولطالما انتقد ترامب بشدة سياسة الرئيس جو بايدن التي سمحت بدخول لاجئين من فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا وهايتي وأوكرانيا وأفغانستان، وتعهد بإلغائها.

ويدعو المشروع إلى تعليق التحديثات على القائمة السنوية للبلدان التي يمكن لمواطنيها تقديم تأشيرتي العمل المؤقتتين (H-2A) و(H-2B)، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على أصحاب العمل في مجالات الزراعة والضيافة والغابات والبناء الذين يعتمدون عليهما في توظيف العمال، قطاع الزراعة قد يتضرر بشدة، إذ سيفقد ما يصل إلى 10 في المئة من القوة العاملة في بعض المزارع، وفقاً لمركز نيسكانين الأميركي.

قطاع التكنولوجيا الأميركي قد يتضرر أيضاً، إذ لطالما اشتكت شركات التكنولوجيا من نقص أعداد الخريجين الأميركيين الذين يتمتعون بالمؤهلات اللازمة لتلبية احتياجاتهم.