رغم النمو الاقتصادي الذي حققته هونغ كونغ بعد الجائحة بنسبة 3.2 في المئة العام الماضي، و2.9 في المئة خلال الربع الأول من هذا العام، وفق البنك الدولي، لا تزال تساؤلات تدور حول قدرة اقتصاد هونغ كونغ في المنظور القريب على التعافي واستعادة مكانته الاقتصادية كمركز مالي بين الشرق والغرب.
وقال جيفري لام عضو المجلس التنفيذي والتشريعي في هونغ كونغ لـ«CNN الاقتصادية» إن بلاده خلال الأشهر الأخيرة تمكنت من جذب المواهب والصناديق والأموال والأعمال العائلية من جميع أنحاء العالم بفضل تدابير وإجراءات مغرية للوافدين الجدد، لافتاً إلى أن المدينة شهدت مؤخراً عودة للشركات التي سبق أن غادرتها.
مبادرات حكومية شاملة
وترى وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أنه من غير المرجح أن يكون هناك ضغط على تصنيف هونغ كونغ عند «AA-»(مستقر) نظراً للحجم الكبير للاحتياطيات والمقدر بـ733.2 مليار دولار حتى مارس الجاري.
ورغم تراجع عجز موازنة البلاد للسنة المالية 2024 بنسبة 4.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وصفت «فيتش» تدابير الموازنة لضبط الأوضاع المالية بالبطيئة.
ويسعى اقتصاد هونغ كونغ إلى تقليص معدلات البطالة إلى 3 في المئة، بعد أن سجل عام 2020 أعلى مستوياته خلال خمس سنوات مضت (5.8 في المئة).
كما حققت الصادرات من هونغ كونغ خلال الربع الأول من العام الحالي نسبة نمو وصلت إلى 11.9 في المئة وتقلص العجز في الميزان التجاري من نحو 60 في المئة عام 2023 إلى 10.7 في المئة خلال الربع الاول من العام الحالي.
وكان الرئيس التنفيذي لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة جون لي أعلن أن «خطط السياسة العامة 2023» أواخر العام الماضي تضمنت سلسلة من المشاريع والخطط والتدابير التحفيزية لتعزيز النمو وتحفيز القدرة التنافسية بهدف جذب الشركات والمواهب وخلق محفزات ضريبية وتحسين الحياة من خلال الابتكار التكنولوجي والنمو الاقتصادي وبناء هونغ كونغ الخضراء والمستدامة والذكية.
وجرى رصد نحو 100 مليار دولار في موازنة الإنفاق الحكومي 2024-2025 وفق شركة الاستشارات كي بي أم جي.
ويقول باتريك لاو نائب المدير التنفيذي لمجلس تنمية تجارة هونغ كونغ لــ«CNN الاقتصادية» إن تطورات كبيرة حدثت في مجال التقنيات المالية في هونغ كونغ وبسرعة كبيرة.. تلك المتعلقة بالويب 3 والأصول الافتراضية، والعملة الرقمية، والتمويل الأخضر والتمويل البيئي والاجتماعي والحوكمة والتي تشكل كلها فرصاً استثمارية مميزة.
وأفاد باتريك تسانغ مؤسس نادي سفراء هونغ مونغ والرئيس التنفيذي لمجموعة تسانغ العائلية بأن هونغ كونغ تبقى خارج المنافسة، لا سيما من الدول المجاورة كسنغافورة وإندونيسيا على صعيد تجميع رؤوس الأموال كونها بوابة العبور الأولى إلى الصين، مشدداً على أن المطلوب هو استعادة الثقة وبمجرد توفر ذلك سوف تستعيد هونغ كونغ بريقها مجدداً.
قلق غربي.. وأزمة ثقة
عانت هونغ كونغ خلال السنوات الأخيرة من موجة اضطرابات اجتماعية ونزوح للمواهب والشركات العالمية بسبب الجائحة من جهة وبسبب قانون الأمن القومي الذي فرضته بكين عام 2020 بعد المظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدينة في 2019 للمطالبة بالديمقراطية.
وخلال شهر مارس الجاري أقرت هونغ كونغ قانوناً جديداً للأمن القومي تضمن خمس مخالفات جديدة لما يتصف بتعريض الأمن القومي للخطر والفتنة والتدخل الخارجي كالخيانة والتجسس وسرقة أسرار الدولة والتخريب، وتصل عقوبة مخالفة هذه الأحكام إلى السجن مدى الحياة.
ولفت جيفري لام عضو في اللجنة المسؤولة عن إنشاء هذا القانون إلى أن ذلك أفضل ما قامت به هونغ كونغ منذ 27 عاماً لأن الأمن القومي هو في أولوية الاعتبارات لدى الدول، مفصلاً أن القانون مشابه لكل القوانين المطبقة في أميركا وبريطانيا وسنغافورة وهو قانون عقلاني وشفاف جداً.
وورد في تقرير وكالة التصنيف فيتش أن الشيخوخة والتحولات في ممارسات الحكومة منذ الاضطرابات الاجتماعية في 2019-2020 هما أبرز التحديات أمام حكومة هونغ كونغ لاستعادة ديناميكية أعمالها وقدرتها التنافسية كمركز عالمي للتمويل والتجارة، خاصة أن موجات قلق عبرت عنها عدة دول غربية كأميركا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا إزاء تداعيات هذا القانون على الحريات.
وتضغط التوترات الجيوسياسة والاقتصادية بين واشنطن وبكين على مستقبل هونغ كونغ الاقتصادي المفتوح حيث بات التطلع إلى الشراكات الخارجية لا سيما مع الأسواق الناشئة والشرق الأوسط مطلباً ملحاً.. فهل تكون الاستثمارات العربية المنفذ لتحقيق النمو والتنوع الاقتصادي؟
باعتقاد تسانغ أن توقيت تنشيط التعاون والاستفادة من زخم الفرص المتوفرة بين الخليج وهونغ كونغ هو الآن في غاية الأهمية كون العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة في هذا الوقت بالتحديد في أدنى مستوياتها على عكس العلاقة بين الخليج والصين التي وصفها أنها في أوجها.
ترحيب عربي
تعزيز مبادرة الحزام والطريق هي إحدى الأولويات التي تصبو إليها بكين، كون هونغ كونغ بوابة مهمة للوصول إلى الأسواق الصينية والآسيوية ومركزاً أساسياً للتجارة والتمويل الدولي إلى جانب الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه هونغ كونغ في منظومة البريكس.
وكان لا بد من توسيع الشراكات بينها وبين دول الخليج الذي تنشط مؤخراً في استقبال وفود من مجتمع الأعمال في هونغ كونغ، بهدف تكثيف التعاون وتسهيل التبادل التجاري والاستثماري، لا سيما في مجال التكنولوجيا والابتكار والصناعات المتجددة والمستدامة واللوجسيتيات.
وكشف لام أن العمل على إنشاء منطقة تجارة حرة بين الصين والخليج وصل إلى مراحل متقدمة وكذلك العلاقات بين الخليج وهونغ كونغ.
ودعا باتريك تسانغ إلى مواجهة التباعد الجغرافي بين الخليج وهونغ كونغ بالتقارب الثقافي العميق، داعياً الصناديق السيادية الخليجية إلى التعرف عن كثب على هونغ كونغ والفرص الواعدة التي تزخر بها من أجل تحقيق الفائدة القصوى للجميع.