أثارت استثمارات الصين في سندات الدين الأميركية مخاوف الخبراء من أن تقوم الصين مثلاً باستخدامها كسلاح تجاري بوجه أميركا والقيام بالتخلص منها، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة والإضرار بالنمو الاقتصادي الأميركي خاصة أن الصين حالياً هي ثاني أكبر دائن للولايات المتحدة بعد اليابان.
وتراجعت استثمارات الصين في سندات الخزانة خلال الربع الأول من العام لتصل إلى 797.7 مليار دولار، وبذلك تكون الصين قد تخارجت بنحو 40 في المئة خلال السنوات العشر الماضية بعد أن ناهزت أصولها من سندات الدين 1.1 تريليون دولار عام 2017.
ومع أن الصين تسير بخطوات ثابتة نحو التخارج من سوق الدين الأمريكي منذ عام 2015 إلا أن التخفيض هذه المرة يكتسب أهمية مزدوجة، تتمثل الأولى في تزامنه مع اشتداد التوتر في العلاقات الصينية الأميركية والثانية مرتبطة بأداء الاقتصاد الأميركي على أعتاب استحقاقات الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الجاري.
توقيت ينذر بالتصعيد؟
يقول أحمد رشاد، الأستاذ المساعد في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية لـCNN الاقتصادية إنه لا يمكن فصل ما تقوم به الصين من بيع لسنداتها عن الحرب التجارية الدائرة بين الصين وأميركا، مرشحاً أن يكون هناك دافعان وراء ذلك؛ يعود الأول إلى تقليل الاعتماد على الدولار ويتمثل الثاني في التحوط من العقوبات نظراً لانتهاج أميركا السابق هذه السياسات.
ولم ينفِ رشاد إمكانية أن يكون هذا التحوط بمثابة الرد الصيني على سياسة تضييق الخناق الأميركية على العلاقات التجارية مع الصين، وكانت إدارة جو بايدن أعلنت مؤخراً زيادة التعريفة على الواردات الصينية لتصل إلى 100 في المئة على السيارات الكهربائية والتكنولوجيات الخضراء والتي هي القطاعات الأهم بالنسبة للصين اليوم في تجارتها الدولية ومبادرة الحزام والطريق.
وأفاد رشاد بأن سياسة العقوبات التي تنتهجها الإدارة الأميركية تشكل قلقاً اليوم لدى الصين التي تلجأ إلى تنويع محفظة احتياطاتها وتقليل الاعتماد على الدولار، وكانت الصين قد زادت من استثمارات الذهب في احتياطاتها بما نسبته 4.9 في المئة خلال شهر أبريل الماضي، وهي النسبة الأعلى منذ عام 2015.
دعم اليوان
ورأى عبدالحليم شاهين، خبير السياسات الاقتصادية وأستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الأعمال، بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض في حديث مع CNN الاقتصادية، أن هناك تأثيرات إيجابية للصين من بيع سندات الخزانة الأميركية في ظل التحديات الاقتصادية المتصاعدة التي يواجهها الاقتصاد الصيني، وتتمحور هذه التأثيرات حول دعم اليوان الذي بات ضرورة ملحة لا سيما مع وصولها إلى أدنى مستوياتها التاريخية.
وشرح أن تعزيز قيمة اليوان يعتبر خطوة حاسمة لتحقيق التعافي الاقتصادي على المستوى المحلي، والذي تأثر بشكل كبير في السنوات الأخيرة نتيجة الأزمات المتتالية مثل جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية، فضلاً عن انخفاض السيولة الدولارية نتيجة الضغوط التجارية التي تمارسها الولايات المتحدة على الصين.
ومن مفاعيل هذا التخارج إذا ما استمر -وفق رشاد – إرهاق الاقتصاد الأميركي الذي يعاني من تضخم ديونه وزيادة تكلفة الاقتراض الحكومي، فضلاً عمّا يسببه ذلك من تقلبات في الأسواق المالية الأميركية وإضعاف قيمة الدولار الأميركي؛ الأمر الذي يؤثر على الميزانية الفيدرالية وقدرة الحكومة الأميركية على تمويل البرامج التنموية المختلفة، بحسب شاهين.
ونفى جوزيف تشاستر مؤسس ورئيس تنفيذي لـ(أيبوكس تشاستر) في حديث مع CNN الاقتصادية أن تتجه الصين نحو المزيد من التصفيات لسندات الدين الأميركية، مرشحاً أن يستقر الوضع على ما هو عليه اليوم، ولفت إلى أنه في مقابل التراجع الصيني تكثف اليابان من استثماراتها في الدين الأمريكي لتصبح اليوم ثاني دائن لأميركا بقيمة 1.3 تريليون دولار.
وشرح أن الصين تداركت حاجتها إلى هذه الأموال في مكان آخر يتلاءم مع منظورها في توزيع الأصول كالذهب والمواد الخام التي زادت الصين من الاستثمار فيهما.
وأكد أن أحد مسببات سياسة التخارج الصيني هو أداء سندات الخزانة الأميركية التي «لم تكن من أفضل الاستثمارات في العام الماضي، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، لقد شهدنا تحركاً كبيراً في سندات الخزانة من 3.8 إلى 5.15% بين يونيو ونهاية أكتوبر، وأعتقد أن هذا قد أخاف بعض المشاركين».
جرس إنذار
ويعتقدُ جوزيف تشاستر أن قراءة تخارج الصين من سندات الدين هي بمثابة جرس انذار للإدارة الأميركية بضرورة تدارك حجم الدين العام الذي ناهز الـ34 تريليون دولار ومدى قدرة الإدارة الأميركية على إدارة تكلفة خدمة الدين، معرباً عن أن نسبة الفائدة المعدلة للتضخم مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي الواجب دفعها أصبحت الآن أعلى من 1.3 في المئة وهي مرشحة للارتفاع، واستشهد تشاستر بتوقعات بنك غولدمان ساكس في أن تصل هذه النسبة إلى 2.3 في المئة، «وهذه هي المستويات التي قد تصبح فيها المؤسسات غير مرتاحة للغاية للشراء والمشاركة في المزادات المحتملة لسندات الخزانة».
وتتزايد مخاوف المستثمرين الأجانب من دول ومؤسسات من ذلك، لا سيما مع استمرار تسجيل الموازنات الأميركية معدل عجز وصل إلى 1.6 تريليون دولار خلال السنة المالية 2024 مع توقعات بأن يتصاعد العجز بشكل مطّرد ليصل إلى 2.6 تريليون دولار في عام 2034.
وتوقع تشاستر مع تقليص بنك الاحتياطي الفيدرالي تشديده الكمي ومحدودية الحلول المتاحة أمامه زيادة إقبال المستثمرين المحليين والمستثمرين المؤسسيين في حيازة جزء أكبر من كعكة مالكي سندات الخزانة الأميركية.
وأضاف «من الواضح أنه يتم الاستهانة بشدة بالمستثمرين الأفراد والمؤسسات الأميركية، إذ إن هناك نحو خمسة أو ستة تريليونات دولار من السيولة التي يمكن أن تستثمر في سندات الخزانة».