تختلف قراءة نتائج الانتخابات التشريعية في الهند مع اعتبار البعض أن فوز رئيس الوزراء ناريندرا مودي بولاية ثالثة سيمثل واقعة استثنائية في تاريخ الهند بينما اعتبر البعض الآخر أن عدم تأمين حزب مودي «بهاراتيا جاناتا» أغلبية المقاعد لن يسمح له بتشكيل حكومة مستقلة وأن تشكيل ائتلاف داخل الحكومة أساسي لتمرير خططه الصناعية.
ويسعى ناريندرا مودي من خلال تشكيلات الحكومة المزمع عقدها في التاسع من يونيو الجاري إلى تحقيق طموحاته في تأمين تحالفات كافية لإقرار إصلاحات اقتصادية تمكن القطاع الصناعي وتعزز نموه، وهو مسار كان قد بدأه مودي منذ عام 2014 من خلال مبادرة «صنع في الهند» و«استثمر في الهند».
ويقول وائل عواد صحفي وباحث في الشؤون الآسيوية إن هذه الانتخابات ستكون عاملاً حاسماً في مسار الهند وستحدد دورها في إدارة الشؤون العالمية وتشكيل التحالفات لخلق عالم متعدد الأقطاب يعزز الاستقرار العالمي ويحد من التوترات الجيوسياسة.
الصناعة.. مسار ضروري ولو طويلاً
واستطرد عواد أن حكومة مودي عملت منذ عقد من الزمن على تشجيع الصناعة وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر حيث سعت إلى تحديث البنى التحتية وإقامة مشاريع اقتصادية مشتركة مع العديد من الدول.
وهذا برأيه دليل قاطع على أهداف الهند في تنمية الإنتاج الصناعي لتحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد الصين وأميركا، حيث توقع أن الهند ستتجاوز أوروبا وتضاهي الصين خلال عقد من الزمن في عالم الصناعة.
وتحتل الهند اليوم المرتبة الخامسة عالمياً في الإنتاج الصناعي العالمي بعد الصين وأميركا واليابان وألمانيا إلا أن حصتها لا تفوق الـ3 في المئة مقارنة بـ24% في الصين، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
ورغم ذلك تخطط الحكومة الهندية لزيادة حصتها في التصنيع العالمي إلى 5% بحلول عام 2030 و10% بحلول عام 2047، وفق ما نقلته وكالة رويترز.
ويقول ساهيتيا شاتورفيدي، الأمين العام لمجلس الأعمال والمهنيين الهندي (IBPC) في دبي، «إن رؤية الحكومة لزيادة حصة الهند في التصنيع العالمي يعني زيادة فرص التوظيف لدى الشباب بنسبة 300% في قطاع العمل الماهر وغير الماهر».
وأضاف أن الميزانية المؤقتة لعام 2024 رصدت حزمة من الإصلاحات التشريعية لخفض رسوم الاستيراد وتقسيم الميزانية على البنية التحتية وخريطة الطريق إلى «فيكسيت بهارات» التي هي رؤية مدعومة بالقيم لتسريع المبادرات الإستراتيجية لإصلاح البلاد لتصبح مركز التصنيع في العالم ورائدة في الاقتصاد الرقمي، وبالتالي فإن الترويج للشركات الناشئة هو المشروع التجريبي الأكثر نجاحاً، الذي ينفذه حزب مودي بهاراتيا جاناتا.
وأشار ساهيتا إلى أن الهند من الاقتصادات العالمية الأسرع نمواً «ولكنها تكافح تقليدياً مع الاقتصاد القديم الذي لا يوفر وظائف كافية».
عوائق بنيوية
سهلت سياسة الهند -برأي عواد- عملية تحقيق النهضة الاقتصادية خاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والزراعة والخدمات، الذي يشكل ما نسبته 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خاصة أن 43 في المئة من السكان يعملون في القطاع الزراعي.
ويعتقد عواد أن الأوضاع الداخلية لا تزال قاسية لا سيما لجهة الأسعار والبطالة والتضخم «فالهند تحتاج إلى نمو اقتصادي بنسبة 6.75 إلى 7 في المئة»؛ لتتمكن من تحقيق التقدم في خططها الصناعية الطموحة.
ويرى سانجاي كابور، الكاتب الصحفي والخبير الاقتصادي، أن مسار التنمية الصناعية والمشكلات التي تعاني منها الهند هي معقدة والحلول السهلة غير ممكنة.
وشرح أن الهند استطاعت جذب الاستثمارات الأجنبية لا سيما تلك المهاجرة من الصين أو الاستثمارات الخليجية المنشأ ولكن البعض منها تعرض إلى التعطيل بسبب غياب قانون واضح يفصل بين ملكية الأراضي والحق في استغلالها وبسبب السياسات الاجتماعية وسياسات التوظيف القائمة على قاعدة «التوظيف والتسريح».
وأناط كابور أهداف التنمية الصناعية واستقطاب الاستثمارات بعامل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي لبلوغ المستهدفات المطلوبة مناشداً بضرورة أن يكون تكثيف الاستثمارات على العمالة وليس على رأس المال فقط.
الهند المنافس القادم
وفي حين لا يزال قطاع الصناعة في الصين أسرع نمواً في الإنتاج والتصدير من مثيله الهندي إلا أن الخبراء يتفقون على الفرص الواعدة للهند في هذا المجال، فالديموغرافية الشبابية وأجور العمالة والمهارات العالية تشكل مزايا تنافسية للهند في قطاع الصناعة شريطة توفير الفرص الملائمة لها.
ويقول عواد إن الهند إزاء النمو السريع الذي تشهده بدأت تبحث عن أسواق جديدة لها سواء أكانت في آسيا الوسطى أم من خلال الممرات بين الشمال والجنوب عن طريق أوروآسيا، «وتسعى الهند إلى تنمية ميناء شاهبهار في إيران والدخول عبر أفغانستان إلى آسيا الوسطى لأنها أسواق تحتاج إليها الهند، وهي تحاول تعزيز وجودها في أسواق آسيا والمحيط الهادئ التي بدأت تستقطب استثمارات كبيرة منها تتدفق إلى الهند وستكون الهند من الدول الرائدة».
وفقاً لتقرير صادر عن نومورا، من المتوقع أن ترتفع صادرات الهند إلى 835 مليار دولار بحلول عام 2030 «مدفوعة بسوقها المحلية الواسعة التي تجتذب الشركات الساعية إلى تنويع سلسلة التوريد بعيداً عن الصين».
وأضاف ساهيتا شاتورفيدي أن الهند عقدت العديد من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة مع أهم الدول التجارية، أي الإمارات العربية المتحدة التي تعد ثالث أكبر شريك تجاري، وأضاف أن «السياسات الضريبية الواعدة وترتيبات العملة عبر الحدود، وتمكين وزارة الخارجية، مع الانخفاض التدريجي في عجز الميزانية من الأمثلة التي تبعث على التفاؤل في تثبيت موقف الهند إقليمياً وعالمياً».
ومع هيمنة الصين على قطاع الصناعة العالمي يبقى نجاح القطاع الصناعي في الهند رهينة الاستثمار في البنى التحتية وفي توفير استدامة سلاسل الإمداد بظل عالم يعاني زيادة في التوترات.