يتحمل الشعب السوداني التبعات الوخيمة للحرب المندلعة منذ أبريل نيسان 2023 التي أدت إلى جعل الملايين على شفا المجاعة، وأملاً في منع وقوع هذه المجاعة وقّعت دولة الإمارات اتفاقية مهمة مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لمعالجة الأزمة الإنسانية في السودان ومنع هذا الخطر الوشيك.
استلمت منظمة الأغذية والزراعة 5 ملايين دولار من المخصصات المقدمة من دولة الإمارات، التي ستوجَّه لمشروع «تخفيف المجاعة في السودان ودعم أصحاب المشروعات الزراعية الصغيرة والأسر الرعوية المتأثرة بالصراع».
دعم إماراتي لصندوق السودان الإنساني
كما وقعت الإمارات اتفاقية مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) تخصص بموجبها خمسة ملايين دولار لدعم صندوق السودان الإنساني.
وقال مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ بعد توقيع الاتفاقية في مقر بعثة دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة في نيويورك «نحن ممتنون للغاية لحكومة وشعب دولة الإمارات على دعمهم السخي بمبلغ 70 مليون دولار أمريكي، للمساعدة في إغاثة شعب السودان من خلال الأمم المتحدة، ويمكننا بهذا التخصيص تعزيز دعمنا المنقذ للحياة للعائلات والمجتمعات المحاصرة جراء الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في السودان».
وأضاف «ستعمل مساهمة دولة الإمارات في الصندوق الإنساني للسودان، الذي يديره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، على تسهيل الوصول إلى الأموال لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر أهمية وحالات الطوارئ».
الإمارات تدعم مشروع تخفيف المجاعة بالسودان
ويهدف المشروع، الذي من المقرر أن يستمر لمدة عام واحد، إلى توفير مساعدات طارئة في مجال المحاصيل والماشية والخدمات البيطرية لنحو 275 ألف أسرة من صغار المزارعين والرعاة الضعفاء، وسيستفيد منه نحو 1.37 مليون شخص.
وسيوفر الدعم سبل العيش في حالات الطوارئ لـ155 ألفاً من أسر المزارعين أصحاب المشروعات الصغيرة والضعيفة، ويهدف المشروع إلى الحد من الخسائر في الثروة الحيوانية من خلال التطعيم الوقائي ضد الأمراض الحيوانية العابرة للحدود، ويستهدف مليونَي رأس من الحيوانات، يستفيد منه نحو 600 ألف شخص، منهم 25 في المئة على الأقل من الأسر التي تعيلها النساء.
من جانبه أشاد الممثل الإقليمي لمنظمة الفاو في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا عبدالحكيم الواعر «نقدّر بشكل كبير مساهمة دولة الإمارات السخية والتي ستعزز بشكل كبير جهودنا الرامية لتعزيز الأمن الغذائي والحصول على الغذاء في السودان».
وأضاف الواعر «يعد هذا الدعم مهماً للغاية لتحقيق أهداف خطة الاستجابة الإنسانية لمنظمة الأغذية والزراعة لعام 2024، المتمثلة في إيصال المساعدات إلى 1.8 مليون أسرة، وضمان سبل العيش لـ9 ملايين شخصاً في السودان، والمساهمة في إنتاج الغذاء للشعب السوداني على نطاق أوسع. نحن ملتزمون بإحداث تغيير ملموس في حياة الأشخاص الذين نخدمهم، وبهذه المساهمة، نقترب خطوة إضافية لتحقيق هدفنا في السودان».
الحرب تطيح بالعمود الفقري للاقتصاد
كانت الحرب ضربت القطاع الزراعي الذي اعتبره برنامج الأمم المتحدة للبيئة الأكثر أهمية في البلاد، وقد اعتبر الخبير الاقتصادي السوداني عمرو زكريا في حديث مع CNN الاقتصادية أن القطاع الزراعي كان يعتبر على مدى عقود القطاع المنتج الوحيد في البلاد؛ حيث يمثل 39 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل به نحو 80 في المئة من السكان، حسب قوله.
وحذَّر الخبير الاقتصادي عمرو زكريا من أن ضرب القطاع الزراعي في السودان قد يتسبب في مجاعة محققة «لم يذقها السودانيون من قبل»؛ حيث لا يتمكنون من استيراد الغذاء ولا إنتاجه بأنفسهم، وتابع زكريا قائلاً إن الوضع الأمني لا يسمح للمنظمات والدول الشقيقة أن تسهم في إرسال مساعدات غذائية، راوياً قصة أم سودانية تذوّب الطين مع الماء لتطعم أطفالها.
كنوز مربحة ضائعة
وأكّد زكريا أن هناك كنوزاً زراعية موجودة في السودان يمكن أن تُسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني إذا استخدمت بطريقة جيدة، وأضاف أنه يوجد في السودان نحو 200 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة، معظمها غير مستخدم أو غير مستغل حالياً، ومن الممكن أن يؤدي تطوير وتحديث هذه الإمكانات الزراعية الهائلة إلى تعزيز الإنتاجية والإنتاج، والمساهمة في النمو الاقتصادي.
وكان القطن والسمسم والفول والصمغ العربي السلع الرئيسة وفق زكريا، مشيراً إلى أنها كانت تسهم بنسبة 80 في المئة من الصادرات، وأضاف زكريا أن معظم المناطق الزراعية أصبحت غير مستقرة بالقدر الكافي الذي يجعلها منتجة زراعياً، مشيراً إلى الولاية الشمالية التي يوجد فيها بعض زراعة القمح، لكن مدخلات الإنتاج من البذور والمحروقات للري وللحرث أصبحت صعبة المنال أو مكلفة، وبحسب زكريا، هناك انخفاض حاد يشهده الناتج المحلي الإجمالي الزراعي في السودان بالأرقام، والتعطيل في إنتاج وتصدير المنتجات الزراعية مثل البرسيم والصمغ العربي وغيره.
القطاع الزراعي
نحو 60-80 في المئة من السكان في السودان يعملون أو يعتمدون على الزراعة للحصول على الدخل بحسب منظمة الفاو، لكن الأنشطة الزراعية والرعوية تضررت بسبب الصراع الذي دام أكثر من عام.
وبحسب منظمة الفاو، يوجد 5 ملايين شخص في السودان على شفير المجاعة، بينما يعاني 12 مليون شخص من نقص الغذاء.
وتتعرض نقاط الإنتاج الزراعية الساخنة لتداعيات الحرب، ما قد يؤدي إلى إصابة المحاصيل بالشلل هذا العام.
وتؤكد منظمة الفاو أن الصراع قد يكون منسياً، حيث لم يغطِّ تمويل الغداء إلا 20 في المئة من الاحتياجات في عام 2023.
الحرب تضيّع الفرص التجارية الذهبية
وأكّد زكريا أن السودان يمكن أن يغطي حاجة دول الخليج من السلع الزراعية بما يتميز به من قرب جغرافي وثقافي، وكذلك من أراضٍ شاسعة ومياه وفيرة، مشيراً إلى أن أهمية ذلك تكمن في أن دول الخليج تنمو بسرعة وتعداد سكانها صغير سناً، وفي تزايد؛ ما يشير إلى طلب أكبر على الغذاء مستقبلاً.
وختم زكريا قائلاً إن مصدّري الغذاء التقليديين مثل الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا والهند بدأ فيها ظهور تحديات مناخية مثل درجات الحرارة المرتفعة وشُح المياه الجوفية المتوفرة للزراعة؛ ما يمنح السودان الفرصة الذهبية ليكون بديلاً منافساً مع ميزاته المهمة في مجال الزراعة.
وكانت الإمارات قد أعلنت في أبريل نيسان خلال «المؤتمر الإنساني الدولي للسودان والدول المجاورة» تقديم 70 مليون دولار لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية للتخفيف من الأزمة الإنسانية الحادة في السودان.