في عالم متسارع التغيرات، مليء بالتحديات الاقتصادية والسياسية والبيئية، تبرز أهمية التعاون بين دول الجنوب العالمي كأداة حاسمة لتحقيق التنمية المستدامة والتقدم المشترك، فدول الجنوب العالمي تشير إلى البلدان النامية التي تقع في مناطق إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.
وتواجه هذه الدول تحدياتها المشتركة في مجالات مثل الفقر والتنمية المستدامة والتكيف مع تغير المناخ، من خلال تبادل الخبرات والموارد، يمكن لهذه الدول تعزيز قدراتها على مواجهة الأزمات وتحقيق أهداف التنمية.
وعلى هامش منتدى صندوق أوبك للتنمية الدولية تحدثت CNN الاقتصادية إلى مجموعة من صناع القرار للبحث في أهمية التعاون بين دول الجنوب ودور الحكومات، والقطاع الخاص، والبنوك المتعددة الأطراف في تعزيز التعاون بين هذه الدول.
دور الحكومات
تلعب الحكومات دوراً رئيسياً في توجيه جهود التعاون بين دول الجنوب العالمي، من خلال صياغة السياسات والتشريعات المناسبة، يمكن للحكومات تسهيل التجارة وتطوير البنية التحتية وتعزيز رأس المال البشري، وأكد أمين مجلس الوزراء للخزانة الوطنية والتخطيط الاقتصادي لجمهورية كينيا، نجوغونا ندونغو في مقابلة مع CNN الاقتصادية أن «التجارة مهمة للغاية لأنها ستشغل الإنتاج وتخلق الأسواق، ولكن الجانب الآخر منه هذا هو التمويل» وأضاف أن التعاون بين بلدان الجنوب يسهم في تطوير التمويل وتنمية رأس المال البشري، ما يعزز الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية.
من جهة أخرى، أشار وزير الدولة للشؤون المالية في سريلانكا، شيهان سيماسينغي إلى أن التعاون الدولي يتجاوز حدود الجنوب العالمي، مشدداً على ضرورة التعاون العالمي لمواجهة التحديات المشتركة، في حديثه مع CNN الاقتصادية قال سيماسينغي: «التعاون الجنوبي- الجنوبي مهم جداً، وعلاوة على ذلك يجب على العالم أن يتعاون ويعمل معاً لضمان مواجهة هذه التحديات واتخاذ إجراءات استباقية لضمان تخفيف تأثير الكوارث إلى أقصى حد»، وهذا يشير إلى الدور الحاسم للحكومات في خلق بيئة مؤاتية للتعاون وتعزيز الروابط الاقتصادية والاجتماعية.
دور القطاع الخاص
يلعب القطاع الخاص دوراً حيوياً في تعزيز التعاون بين دول الجنوب العالمي من خلال تقديم الحلول التكنولوجية والتمويلية المبتكرة، شركات مثل أكوا باور تتصدر الجهود في هذا المجال، وتقوم بتطوير مشاريع الطاقة المتجددة وتحلية المياه التي تسهم في تحقيق الاستدامة.
وأوضح الرئيس التنفيذي لأكوا باور، ماركو أرتشيلي، في مقابلة مع CNN الاقتصادية أن الشركة من بين الشركات الرائدة في توفير حلول للانتقال الطاقوي وتحلية المياه في الأسواق الناشئة، وأشار إلى أن الشركة تجمع بين أفضل التقنيات والحلول لضمان استدامة المشروعات وتوفير طاقة ومياه بأسعار معقولة.
قطاع الطاقة المتجددة، على وجه الخصوص، يمثل فرصة كبيرة للتعاون بين دول الجنوب العالمي، هذه الدول تتمتع بموارد طبيعية كبيرة، ما يمكنها من تطوير مشروعات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، يمكن تحقيق تقدم كبير في هذا المجال، ما يسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأضاف ماركو أرتشيلي «يمكن أن نقطع شوطاً طويلاً لأنه إذا تمكنا من توفير طاقة ميسورة التكلفة، وبأسعار معقولة، ومياه نظيفة وصالحة للشرب، وفي المستقبل أيضاً مناطق خضراء، كما تعلمون ستكون هناك حاجة متزايدة إليها في القطاعات التي يصعب تخفيفها (الإسمنت والفولاذ)، لذلك يمكن للسكان المحليين حقاً أن تتاح لهم الفرص لتطوير اقتصاد محلي من شأنه أن يحافظ على نمو ورفاهية السكان المحليين»، وهذه التصريحات تعكس الدور المحوري للقطاع الخاص في دعم التنمية المستدامة والتعاون بين دول الجنوب العالمي.
دور البنوك المتعددة الأطراف والمؤسسات الدولية
تلعب البنوك المتعددة الأطراف والمؤسسات الدولية مثل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) دوراً حاسماً في تمويل مشاريع التنمية وتعزيز الأمن الغذائي في دول الجنوب العالمي. هذه المؤسسات تقدم الدعم المالي والفني للمشاريع التي تهدف إلى تحسين الإنتاج الزراعي وتعزيز القدرة على مواجهة الصدمات الخارجية.
وأوضح رئيس إيفاد، ألفارو لاريو في مقابلة مع CNN الاقتصادية أن «العديد من الدول، خاصة في الجنوب العالمي، أدركت أنه يجب عليها زيادة إنتاجها المحلي، وتنوع محاصيلها حتى لا تكون ضعيفة أمام الصدمات الخارجية»، مضيفاً أن الاستثمار في البنية التحتية، والمياه، والوصول إلى التمويل، والتكنولوجيا المناسبة هي عناصر حاسمة لضمان الأمن الغذائي.
بالإضافة إلى ذلك، تعزز البنوك المتعددة الأطراف التعاون بين الدول من خلال تقديم الدعم للمشاريع البيئية والتنموية، على سبيل المثال يعمل إيفاد على ربط الاستثمارات الإنسانية بالتنمية لضمان استدامة المشاريع في مواجهة التحديات.
وأشار لاريو إلى أن «نحن نتلقى تلك الصدمات، حتى يتمكن السكان من الاستفادة بمرور الوقت وليس مرة واحدة فقط، وهذا النهج الشامل يعكس أهمية التنسيق بين الاستثمارات طويلة الأمد والمساعدات الإنسانية لتعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة».
دور صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد)
يلعب صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد) دوراً مهماً في تمويل مشاريع التنمية في دول الجنوب العالمي، مع التركيز على تحقيق الأمن الغذائي ودعم الانتقال الأخضر، يقدم الصندوق الدعم المالي والفني للمشاريع التي تعزز التنمية المستدامة وتقليل الفقر، كما يسهم في تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب من خلال دعم المبادرات المشتركة وتبادل الخبرات.
من خلال تمويل مشروعات الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة، يسهم أوفيد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الأمن الغذائي، على سبيل المثال يدعم الصندوق مشروعات تهدف إلى تحسين إنتاجية المحاصيل وتوفير المياه النظيفة، ما يساعد في تعزيز قدرة الدول على مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية.
في الختام، يبرز التعاون بين دول الجنوب العالمي كأداة قوية لتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة التحديات المشتركة، وتلعب الحكومات والقطاع الخاص والبنوك المتعددة الأطراف دوراً حيوياً في تعزيز هذا التعاون من خلال توفير التمويل والتكنولوجيا المناسبة وتطوير البنية التحتية، ومن خلال تعزيز هذا التعاون يمكن لدول الجنوب العالمي تحقيق تقدم ملموس نحو مستقبل أكثر استدامة واستقراراً.
في ظل التحديات العالمية المتزايدة يصبح التعاون بين دول الجنوب العالمي ليس خياراً فحسب، بل ضرورة ملحة لتحقيق التنمية والازدهار المشترك، وعبر التنسيق الفعال بين الحكومات، القطاع الخاص والمؤسسات الدولية، يمكن لهذه الدول بناء مستقبل مشرق ومستدام للأجيال القادمة.