«إنَّه الاقتصاد يا غبي» هي عبارة في السياسة الأميركية استُخدمت خلال الحملة الانتخابية لبيل كلينتون ضد جورج بوش الأب عام 1992، لكن يبدو أنها لا تزال الأهم في ما يتعلق باختيار رئيس البلاد؛ إذ لطالما صُنف الاقتصاد بين أهم القضايا التي تشغل الناخبين، إن لم يكن أهمها، في الانتخابات الرئاسية.
السباق الحالي بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب ليس استثناءً على الإطلاق، إذ أشار ما يقرب من 90 في المئة من المشاركين في استطلاع للرأي أجرته شبكة «إيه بي سي نيوز» في مايو أيار إلى أن الاقتصاد هو القضية الأكثر أهمية في تحديد من سيحصد النسبة الأكبر من الأصوات في نوفمبر تشرين الثاني القادم، وهذا يعني أنه من المؤكد أن يكون نقطة نقاش رئيسية خلال مناظرة ليلة الخميس، والتي تبدأ الساعة 9 مساءً بالتوقيت الشرقي على شبكة «CNN».
لدى بايدن وترامب وجهات نظر متعارضة بشأن الاقتصاد، وسيحاول كلاهما بلا شك إقناع الناخبين برؤاهما وسياساتهما وسجلاتهما، ولكن كي نفهم ما سيقولانه، فلنلقِ نظرة بالأرقام على وضع الاقتصاد الأميركي داخلياً، ومقارنته بأداء دول مجموعة السبع.
البطالة منخفضة ولكن..
ظل معدل البطالة في أميركا أقل من 4 في المئة لمدة 27 شهراً، وهي أطول فترة من نوعها ومطابقة لفترة الستينيات، وانتهت هذه السلسلة الشهر الماضي عندما ارتفع معدل البطالة إلى 4 في المئة من 3.9 في المئة.
وفي الوقت ذاته، انخفض عدد الوظائف الشاغرة في الولايات المتحدة مؤخراً إلى أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات، وهو مؤشر آخر على التباطؤ في سوق العمل، وهذا يعني أن الباحثين عن عمل قد يجدون صعوبة في الحصول على وظيفة.
وعلى وجه الخصوص، ضعف سوق العمل لخريجي الجامعات الجدد؛ معدل البطالة بين الحاصلين على درجة البكالوريوس الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 29 عاماً يزيد على 12 في المئة، أي بزيادة قدرها أربع نقاط مئوية تقريباً مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل.
ستكون إحدى أكبر نقاط التباين خلال المناظرة هي خلق فرص العمل، ولكن على مستوى التعافي من الأزمات، وسيقول بايدن إن ترامب هو أول رئيس منذ هربرت هوفر يغادر منصبه تاركاً الاقتصاد الأميركي فاقداً الوظائف خلال فترة رئاسته.
إذا كانت هناك قاعدة واحدة في تاريخ الاقتصاد الأميركي، فهي محاولة عدم المقارنة بهربرت هوفر، وبطبيعة الحال، كان السبب هو جائحة كوفيد-19.
فعلى عكس فترات التعافي السابقة، انتعشت سوق العمل في الولايات المتحدة بسرعة، وفي غضون تسعة وعشرين شهراً استعادت جميع الوظائف المفقودة خلال الجائحة؛ بدءاً من مايو أيار 2024، تم خلق أكثر من خمسة عشر مليون وظيفة من خلال إدارة بايدن، وفقاً لخبراء «المجلس الأطلسي».
التضخم مرتفع ولكن بوتيرة هادئة
تباطأ التضخم أكثر من المتوقع الشهر الماضي، حيث انخفض إلى 3.3 في المئة من 3.4 في المئة في أبريل نيسان الماضي، وبالمقارنة كانت النسبة في هذا الوقت من العام الماضي 4 في المئة، وقبل عامين كانت 9 في المئة.
ولكنْ هناك سبب يجعل المستهلكين يشعرون أن كل شيء لا يزال باهظ الثمن.
في حين أن الخصومات بدأت تظهر بشكل أكبر لدى تجار التجزئة الكبار، فإن تخفيضات الأسعار لا تحدث في جميع القطاعات، وذلك لأنه عندما يهدأ التضخم فهذا يعني ببساطة أن وتيرة زيادات الأسعار تتباطأ، ومع ذلك فهذا لا يعني أن الأسعار الفعلية التي تُدفع مقابل السلع والخدمات أقل مما كانت عليه قبل عام.
وبالمقارنة بمعدلات التضخم في دول مجموعة السبع، فالمعدل يتراجع، ولكن ليس بالسرعة التي تشهدها أوروبا، ومع تسارع النمو يعتبر التضخم ثابتاً إلى حد ما في الولايات المتحدة، إذ يكافح من أجل العودة إلى النطاق المستهدف لنمو الأسعار الذي حدده بنك الاحتياطي الفيدرالي بنسبة 2 في المئة.
إن ارتفاع التضخم خلال الجائحة ومستويات الأسعار التي لا تزال مرتفعة هو الذي ولّد الكثير من السخط محلياً بشأن الاقتصاد الأميركي، ولهذا لا يمكن للناخبين أن يشعروا بأن أداءهم قد يكون أفضل من المواطنين في اليابان أو ألمانيا، ما يمكن أن يشعروا به هو مدى تكلفة الذهاب إلى متجر البقالة هذا العام مقارنةً بالعام الماضي.
أميركا تتصدر في الانتعاش الاقتصادي
تتفوق الولايات المتحدة في الأداء على جميع نظيراتها في الاقتصادات المتقدمة في نمو ما بعد الجائحة، وهي ليست حتى قريبة منهم، ويُتوقع أن يقول بايدن في المناظرة إن السياسة المالية لعبت دوراً في ذلك.
بدأت الاستثمارات الرئيسية في البنية التحتية من خلال قانون الحد من التضخم وقانون الرقائق والعلوم، بخلق فرص عمل جديدة في قطاع التصنيع، كما لعب بنك الاحتياطي الفيدرالي دوراً رئيسياً في ضخ تريليونات من السيولة ودعم الاقتصاد بعد الأزمة من خلال إحكامه السيطرة على أسعار الفائدة، ولكنّ هناك عوامل أخرى تؤثر أيضاً، بما في ذلك ظهور شركات الذكاء الاصطناعي المحلية والمنتجين مثل إنفيديا، ما يعزز تقدم الولايات المتحدة على نظيراتها من دول مجموعة السبع، ومع زيادة نمو الإنتاجية نشهد حدوث طفرة غير متوقعة في الاقتصاد الأميركي.
إحدى القضايا التي يبدو أن كلا الجانبين يتفقان عليها هي اتخاذ موقف قوي بشأن المنافسة الاقتصادية مع الصين؛ إن مسألة مدى قوتها ستكون مطروحة للنقاش، إذ يقترح ترامب فرض تعريفة جمركية بنسبة 60 في المئة على البضائع الصينية، بينما يتبع بايدن نهجاً أكثر استهدافاً في زياداته الجمركية الأخيرة على السيارات الكهربائية والصلب والسلع الأخرى.
ومن المرجح ألّا يذكر بايدن أن معظم التعريفات الجمركية في عهد ترامب لا تزال سارية، ولن يرغب ترامب في الاعتراف بأن حصة الواردات الأميركية القادمة من الصين أصبحت الآن أقل مما كانت عليه في أي وقت في العقد الماضي، مع الأخذ في الاعتبار أن ضمن القوى الدافعة لذلك التباطؤ الاقتصادي في الصين وسياسات القضاء على فيروس كورونا، الأمر الذي ينبغي أن يُذكر ضمن المناظرة.
تراجع الانبعاثات وارتفاع الناتج المحلي
يواصل الاقتصاد الأميركي إظهار انخفاض في كثافة الانبعاثات من الناتج المحلي الإجمالي، أي كمية انبعاثات الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتعمل الولايات المتحدة على خفض الانبعاثات، بينما تواصل تنمية الاقتصاد، وتتوقع مجموعة «روديوم» أن تنخفض الانبعاثات بنسبة 1.9 في المئة حتى مع توسع الاقتصاد بنسبة 2.4 في المئة في عام 2023.
وبناءً على ذلك، تستمر كثافة الانبعاثات الأميركية من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الانخفاض على الرغم من أن الاقتصاد الأميركي أكبر مما كان عليه في أي وقت مضى.
يبلغ إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة أعلى مستوياته على الإطلاق بسبب ارتفاع إنتاج البلاد من النفط والغاز ومصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وارتفعت الطاقة المولدة من إنتاج النفط في عام 2023 بنسبة 5 في المئة مقارنة بأوقات ما قبل الجائحة في عام 2019، بينما زاد إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة 32 في المئة، وارتفع إنتاج الطاقة الشمسية بنسبة هائلة بلغت 104 في المئة، كما زاد إنتاج طاقة الرياح بنسبة 44 في المئة.
وقد فرضت هذه التطورات ضغوطاً على إنتاج الفحم الذي انخفض بنسبة 17 في المئة، ومن المتوقع أن يواصل الانخفاض، وتجاوز توليد الطاقة الشمسية استهلاك الفحم لأول مرة في مارس آذار 2024 في تكساس، أكبر ولاية مستهلكة للفحم في البلاد.