في ظل الصراعات والتوترات التي تشهدها المنطقة من حرب غزة والحرب في جنوب لبنان، تسود مخاوف من دخول لبنان في موجة جديدة من هجرة شبابه في حال توسع رقعة الاعتداءات إلى باقي المناطق اللبنانية.

وهذا اتجاه رشحه محمد شمس الدين الباحث في الدولية للمعلومات في حديثه مع الـCNN الاقتصادية، قال «سيهاجر عشرات الآلاف من اللبنانيين في حال توسعت الحرب في لبنان».

ولفت إلى أن نسبة الهجرة تطورت منذ العام 1992؛ أي مع انتهاء الحرب الأهلية حتى 2023، لتسجل ما نسبته 25% من سكان لبنان.

الهجرة نعمة أم نقمة؟

شكلت الهجرة منذ تأسيس دولة لبنان رافعة للاقتصاد اللبناني وشريانه الحيوي، حسب شمس الدين الذي قدر تجاوز تحويلات المغتربين ما قيمته 7 مليارات دولار (وفق إحصاءات البنك الدولي ومؤسسة النقد الدولية لعام 2021) لتسجل نحو 17 مليار دولار إذا تم احتساب التحويلات الرسمية والنقدية، وتلك عبر القنوات غير الرسمية.

وشرح شمس الدين قائلاً، إن الهجرة في لبنان أزمة قديمة منذ عام 1854، وقد شهدت أرقامها ارتفاعاً متزايداً مذ ذاك، ففي فترة الحرب الأهلية اللبنانية من (1975-1991) هاجر أكثر من 650 ألف لبناني تضاعفت إلى نحو 1.5 مليون مهاجر منذ الحرب الأهلية حتى 2023.

وعزا شمس الدين أسباب الهجرة إلى الظروف الاقتصادية والأزمات الأمنية التي يرزح اللبنانيون تحت أثقالها، والتي فاقمت الوضع سوءاً مستشهداً بارتفاع الهجرة ثلاثة أضعاف بين عامي 2022 (نحو 60 ألف مهاجر) و2023 لتسجل مغادرة نحو 180 ألف شاب لبناني أرض الوطن.

ولفت إلى أنه على الرغم من زيادة أعداد المهاجرين وصل معدل البطالة في لبنان إلى مستويات قياسية لامست الـ33%.

وذكر شمس الدين أن عدد العاطلين عن العمل يبلغ 400 ألف لبناني ألف و200 ألف منهم من الشباب “وما زال هذا العنصر يعاني من صعوبة في إيجاد فرص للعمل، ويجب استخدام إيجابية الهجرة لتثبيت من بقي في لبنان”.

ورصد تقرير أعده “مرصد الأزمة” التابع للجامعة الأميركية في بيروت في عام 2021 ما وصفه بـ”موجة الهجرة الثالثة”، لافتاً إلى أن البلاد دخلت بعد انفجار مرفأ بيروت مرحلة الهجرة الجماعية (Exodus) محذراً من العواقب طويلة الأمد على مصير لبنان.

تصدعات البنية الديموغرافية

وأفاد شمس الدين بأن غالبية المهاجرين هم من الفئات الشبابية وفي عمر العمل والإنتاج، مضيفاً أن البلد يعاني اليوم من تراجع في معدل الولادات بنحو 40 في المئة بين 2018 و2023 وتراجع معدل الزواج، وهذا الأمر إذا ما استمر سيؤدي إلى شيخوخة الشعب اللبناني، حيث تشير الإحصاءات إلى أن من بين 400 ألف مهاجر هذا العام من لبنان نصفهم هم من الفئات الشبابية.

ولبنان هو من بين الدول الأولى في العالم من حيث تراجع النمو السكاني وفق شعبة السكان في الأمم المتحدة، ودائرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية على أساس التوقعات السكانية في العالم 2022، حيث تناقص متوسط المعدل السنوي للتغير السكاني في عام 2023 بنسبة -2,68 في المئة، الأمر الذي ينذر بأزمة ديموغرافية بدأت معالمها تلوح في الأفق.

وتضاعف عدد كبار السن (65 عاماً) بمعدل 5 أضعاف، حيث بلغت نسبة الشيخوخة 14 في المئة العام الماضي وفق الأمم المتحدة.

الهجرة إذن سيف ذو حدين، ورغم تداعياتها الإيجابية فإنها قنبلة موقوته تهدد ديموغرافيا لبنان وتركيبته السكانية، ويبقى النمو والازدهار رهن قدرة الدول على تحقيق الاستقرار والسلام المنشودين.