يُحمِّل الكثير من المصريين الوافدين السودانيين مسؤولية ارتفاع قيمة وأسعار العقارات في مصر، التي صعدت بنحو 70 في المئة العام الماضي، لتضيف عبئاً جديداً على أسعار المساكن التي تصاعدت بسبب تخفيض قيمة الجنيه أكثر من مرة وارتفاع أسعار مواد البناء، لتتجاوز قيمة العقارات والإيجارات الضعف في بعض المناطق وتصبح خارج متناول معظم المواطنين.

أحمد جمال، موظف سابق بالمعاش، قال إن زواج ابنته «معطل منذ فترة إذ إن خطيبها لا يستطيع إيجاد أي مسكن يتناسب مع إمكانياته.. فشلنا في العثور على شقة إيجار نظام القانون القديم أو حتى وحدة سكنية بنظام القانون الجديد.. وكل هذا بسبب انتشار الطلب من السودانيين ودفع أسعار لا نستطيع مجابهتها.. فنحن لسنا هنا في بلد مستعد لاستقبال أعدادٍ كبيرة من الهجرة الوافدة».

ويقول محمد، مالك سوبر ماركت في حي مدينة نصر، وهو سوداني وصل إلى القاهرة في أكتوبر تشرين الأول الماضي: «قمت باستئجار منزل بحديقة في التجمع الخامس بمبلغ 100 ألف جنيه في الشهر لأسرتي وأسرة أخي، وقمت بدفع الإيجار لمدة عام كامل مسبقاً بناءً على طلب المالك المصري خوفاً من عدم قدرتنا على السداد أو التلاعب به».

ولكن الوضع يختلف مع عمر الرجل السبعيني الذي وصل إلى مصر من أم درمان قبل 15 شهراً «لم أتمكن من أن أنجو بأي شيء بعد اندلاع المعارك، فخسرت كل تجارتي، قمت باستئجار شقة صغيرة خاوية في أحد شوارع مدينة نصر مقابل 10 آلاف جنيه يدفعها لي أبنائي من كندا وأبوظبي.. واكتشفت لاحقاً أنها كانت تؤجر بأربعة آلاف جنيه قبل أن أسكن فيها».

أسباب ارتفاع سوق العقارات في مصر

خالد المهدي، نائب رئيس الجمعية المصرية للتقييم العقاري، قال في لقاء مع CNN الاقتصادية «إن سوق العقارات شهدت ارتفاعاً بنحو 70 في المئة في عام 2023.. وإن الوافدين السودانيين أحد أسباب هذه الزيادة، ولكن تعويم الجنيه مقابل العملات الأخرى وارتفاع أسعار مواد البناء ضمن العوامل التي تسببت في هذه الزيادة».

لا أحد يعرف تحديداً عدد السودانيين الوافدين إلى مصر بسبب اندلاع المعارك، ولكن منذ هذا الوقت تم تسجيل 310 آلاف مواطن سوداني كلاجئين في سجلات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.

ويقدر بعض المراقبين أعداد المقيمين السودانيين في مصر بشكل متفاوت بين 700 ألف و7 ملايين شخص.

وينتشر السودانيون في أغلب المدن المصرية الكبرى، وبالخصوص منطقة الملك فيصل القريبة من أهرامات الجيزة، ما دفع بعض رواد وسائل التواصل الاجتماعي لتسميتها «الخرطوم الجديدة» أو «فيصل فرع الخرطوم» بسبب كثرة أعدادهم.

ويضيف المهدي أن «الوافدين السودانيين من ذوي الإمكانات المادية المحدودة يقومون بالتشارك في إيجار وحدات سكنية، وهو ما يمكنهم من دفع إيجارات شهرية تفوق قدرة المصريين، وبالطبع الملاك يمنحون وحداتهم السكنية إلى من يستطيع دفع مبلغ أكبر».

في النهاية، سيتوجب على محمد صاحب السوبر ماركت تسديد مبلغ ألف دولار لتقنين أوضاعه، وهو لن يجد صعوبة في ذلك، وسيستمر عمر في الاستفادة من مبلغ 700 دولار تدفعها له المفوضية العليا للاجئين لمساعدته على تحمل مصاريف الحياة، وستستمر صعوبة ابنة جمال وخطيبها في إيجاد مسكن مناسب لإمكاناتهما المادية المحدودة، ولا توجد ضمانة في الأفق لتخفيض الملاك سعر أو إيجار المساكن سوى انخفاض الطلب أو زيادة المعروض، فبحسب عبدالهادي تحتاج السوق المصرية إلى إضافة نحو 500 ألف عقار كل عام، ولكن ما يتم تقديمه هو ما بين 330 و340 ألف مسكن فقط.

وبدأ توافد المواطنين السودانيين على مصر مع اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ربيع عام 2023 ما أدى إلى هروب أعداد كبيرة من السودانيين إلى دول الجوار لحماية أرواحهم.

وهذه ليست أول موجة لارتفاع العقارات في مصر، فقد بدأت بوصول الوافدين العراقيين عام 2003، وتجددت الارتفاعات مرة أخرى بداية من عام 2011 مع قدوم السوريين هرباً من الحرب الدائرة هناك.