تعد العملة المحلية عنصراً حاسماً في استقرار اقتصاد الدول وضمان تنافسيتها لتصبح قادرة على تعزيز صادراتها وجذب الاستثمارات الأجنبية، واتجهت بعض الدول -ومنها دول الخليج- إلى تبني هذا النهج والتقليل من اعتمادها على الدولار الذي يواجه تحديات وضغوطات متزايدة كعملة للتجارة والاحتياطات النقدية.

ولو أن الدينار الكويتي يعتبر الأقوى عالمياً من حيث القيمة الاسمية نتيجة سياسة المركزي الكويتي في الحفاظ على سعر صرف مرتفع له أمام الدولار، ودعمه باحتياطات دولارية وباقتصاد قائم على النفط، إلا أن الريال العماني والدينار البحريني يتصدران قائمة العملات الأقوى عالمياً من حيث القيمة الاسمية أيضاً.

وتشير عدة تقارير أصدرها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى أن الريال السعودي والدرهم الإماراتي هما من بين أقوى العملات الخليجية وأكثرها سيولة على المستوى العالمي، وعزت التقارير الأسباب إلى حجم الاحتياطات الأجنبية الكبيرة والسياسات النقدية المستقرة مدعومة بربط هاتين العملتين بالدولار الأميركي الذي أكسبها ثقة متزايدة في الأسواق العالمية.

وشهدت دول الخليج مؤخراً تحركات استراتيجية للتقليل من اعتمادها على الدولار وتنشيط استخدام عملاتها في التجارة والاقتصاد من خلال تطوير شراكات تجارية جديدة وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط ودعم الاستثمارات المحلية وتطوير أنظمة الدفع الرقمية لتسهيل التجارة الدولية بهدف تقليل التأثيرات الخارجية على اقتصادات دول الخليج وزيادة استقلالية واستدامة الاقتصاد.

التجارة الخارجية دعامة العملة الوطنية

تلعب التجارة الخارجية دوراً أساسياً في دعم قوة الريال والدرهم وتكثيف النشاط في هذا المجال سيسهم في زيادة الطلب على العملة المحلية ودعم قيمتها.

وعززت السعودية -التي تعد من أكبر مصدري النفط في العالم بحجم يوازي 100 مليار دولار سنوياً وفق تقرير سوق النفط السعودي الصادر عن أرامكو العام الماضي- من قوة الريال الذي تقدر حصته في التجارة العالمية بنحو 2.5 في المئة وفق تقرير أداء التجارة الخارجية السعودية الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء عام 2023.

وساعد حجم التجارة الخارجية في الإمارات والمقدر بنحو 1.4 تريليون درهم -وفق تقرير التجارة الخارجية لدولة الإمارات الصادر عن وزارة الاقتصاد 2023- في رفع معدل تبني استخدام الدرهم في هذه المعاملات، ويستحوذ الدرهم على 1.2 في المئة من إجمالي المعاملات العالمية مع تزايد نفوذه إقليمياً (وفق تقرير الاقتصاد الإماراتي والتجارة العالمية الصادر عن دائرة التنمية الاقتصادية في دبي 2023).

ويعتبر كل من الدرهم الإماراتي والريال السعودي من العملات المستقرة، فهما إلى جانب ارتباطهما بالدولار تستفيدان من المؤشرات الاقتصادية الكلية الإيجابية في كلا البلدين سواء لجهة الناتج المحلي الإجمالي ونسب التضخم والنمو والاستقرار المالي والاقتصادي.

قوة العملة بسيولتها

تعتبر السيولة من العوامل الأساسية في تحديد قوة العملة واستقرارها في الأسواق العالمية مدعومة بالسياسات النقدية المتبعة من المصارف المركزية والشراكات التجارية الناشطة خصوصاً مع الصين والهند وتركيا وبحجم التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة.

ويقاس حجم السيولة عادة من خلال مجموعة من المؤشرات المالية أبرزها احتياطات النقد الأجنبي وحجم المعاملات المالية ومستويات السيولة في الأسواق العالمية.

وتصل قيمة الاحتياطات النقدية الأجنبية لدى المركزي الإماراتي إلى 100 مليار دولار إلى جانب السيولة البنكية المقاسة بحجم الودائع والتي ناهزت 2.6 تريليون دولار عام 2023 وفق بيانات المصرف المركزي الإماراتي حيث «ظلت ظروف التمويل والسيولة في النظام المصرفي الإماراتي كافية، مدعومة بنمو ودائع المقيمين بنسبة تزيد على 10%، وظلت نسب السيولة والتمويل أعلى بكثير من الحد الأدنى من المتطلبات التنظيمية، حيث بلغت نسبة تغطية السيولة 160.2%، ونسبة صافي التمويل المستقر 112.1%».

وبالمقابل يحتفظ ساما البنك المركزي السعودي باحتياطات أجنبية تقارب 450 مليار دولار وهي من بين الأعلى في العالم ناهيك عن قاعدة ودائع تصل الى 2.3 تريليون ريال سعودي، وحققت السيولة نمواً سنوياً بنسبة تُقدر بـ8.6 بالمئة عند مستوى 2,825,715 مليون ريال (نحو 753.3 مليار دولار) حسب ما أظهرته بيانات النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي السعودي لشهر مايو 2024.

البلوك تشين والثورة الرقمية

تفتح الثورة الرقمية الباب أمام العملات الوطنية لتكون عنصراً مهماً فيها خاصة مع دخول تكنولوجيا البلوك تشين و الأصول الرقمية لا سيما مع رؤية السعودية والإمارات 2030 ومشروع Mbridge الذي يعتبر مبادرة تهدف إلى تعزيز التعاون بين البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي لاستخدام عملة رقمية مشتركة يقلل من التعقيدات في التحويلات الدولية ويعزز استخدام العملات الرقمية في التجارة الدولية.

واستثمرت الحكومة السعودية نحو 1.5 مليار ريال في مبادرات التحول الرقمي لتطوير الأنظمة المالية والتكنولوجية (وفق تقرير التحول الرقمي في السعودية لعام 2023 والصادر عن ساما). وتوظف السعودية نحو ملياري ريال لتطوير البنى التحتية الرقمية وجذب الاستثمار في القطاع المالي (وفق وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات 2023).

كما خصصت السعودية قرابة 500 مليون ريال لمشاريع البلوكتشين والعملات الرقمية (حسب دراسة مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث عام 2023)، وسجلت البنوك السعودية نمواً بنسبة 20 في المئة في المعاملات الرقمية خلال 2023.

أما الإمارات فوظفت نحو 1.8 مليار درهم لتطوير الأنظمة المالية الرقمية وتحسين الخدمات المصرفية الإلكترونية وفق تقرير استراتيجية التحول الرقمي الصادر عن هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية العام الماضي استراتيجية الإمارات، كما استثمرت الإمارات نحو 2.2 مليار درهم لتحسين البنى التحتية الرقمية.

وأشار تقرير سلطة دبي المالية للفترة نفسها تخصيص 300 مليون درهم لمشروعات البلوك تشين الرامية الى تحويل كافة المعاملات الحكومية إلى البلوك تشين بحلول عام 2025. وسجلت البنوك الإماراتية نمواً بنسبة 25 في المئة في استخدام الخدمات المالية الرقمية، الأمر الذي يعزز من اعتماد الدرهم في المعاملات الرقمية وتعزيز سيولته.