تتعدى ثورة التكنولوجيا المالية في السعودية حدود التحول التقني أو الرقمي إذ تعتبر حركة نحو مجتمع أكثر شمولاً وازدهاراً، واستطاعت السعودية على مدى السنوات الخمس الماضية التقدم -وبسرعة- في مجال التكنولوجيا المالية بهدف تحقيق التنوع الاقتصادي المنشود وتعزيز مكانتها كمركز مالي وتجاري مهم.
وفي حين يشهد العالم كأوروبا وأميركا انكماشاً في فقاعة التكنولوجيا المالية إلا أن الفنتك في السعودية تنبض بالحياة وبالفرص الواعدة حسب ما قاله الرئيس العالمي لمستقبل التمويل في سيتي، روني تغوز للـCNN الاقتصادية على هامش مؤتمر التكنولوجيا المالية فينتك 24 الذي عقد بنسخته الأولى في الأسبوع الأول من سبتمبر الحالي والذي اعتبره الحاضرون حدثاً مهماً ومنصة ضرورية لتعزيز التعاون في الابتكار والتطوير المالي.
وعزا تغوز ذلك إلى سببين رئيسيين: الأول هو حجم سوق الائتمان في السعودية الزاخر بالفرص من جهة ومعدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في السعودية من جهة أخرى.
ومن المتوقع وفق غولدمان ساكس أن يصل هذا المعدل إلى 32 في المئة بحلول عام 2026 رغم ذلك لا يزال يعتبر الأدنى بين مجموعة دول العشرين.
ويرى المحللون أن هذه العوامل ساعدت على ازدهار التكنولوجيا المالية، إذ تتوقع آرثر دي ليتل أن يسهم هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي المباشر بنحو 3.6 مليار دولار.
كما من المتوقع أن تستقطب السعودية نهاية العقد الحالي نحو 525 شركة فينتك وأن ينمو حجم الاستثمار الجريء في هذا القطاع من 1.4 مليار دولار هذا العام إلى 3.3 مليار دولار بحلول عام 2030 موفراً نحو 18 ألف فرصة عمل جديدة.
وتمكنت المملكة من تحقيق قفزات مهمة في قطاع التكنولوجيا في قطاعات بارزة أهمها المدفوعات الرقمية والتمويل البديل.
وتتضمن رؤية 2030 وصول نسبة المعاملات غير النقدية إلى 80 في المئة -18 في المئة في عام 2016- من خلال نمو المحافظ الرقمية والمحلية والتحويلات المالية، والمدفوعات عبر رمز الاستجابة السريعة (QR)، ونظام «سداد» لدفع مستحقات الفواتير الذي يعتبر الأبرز في هذا المجال.
وبحسب البيانات الصادرة عن المصرف المركزي السعودي (ساما) فإن عدد مستخدمي المحافظة الرقمية شهد ارتفاعاً هائلاً من 315 ألف مستخدم في عام 2018 إلى 17 مليون في 2022، وهو ما يمثل أكثر من نصف سكان المملكة العربية السعودية.
كما يعول على قطاع التمويل البديل أن يكون لاعباً أساسياً في قطاع التكنولوجيا المالية، وخاصة «اشترِ الآن، ادفع لاحقاً» (BNPL) والتمويل الجماعي للديون، ويعكس هذا النمو تحولاً لدى المستهلك وتفضيلات تمويل الأعمال التجارية بشكل متزايد.
ولعل خير دليل على ذلك شركتا تابي وتمارا اللتان حققتا نمواً بشكل لافت ودخلتا مؤخراً نادي اليونيكورن ووسعتا نطاق عملياتهما في كل دول مجلس التعاون الخليجي.
ومهد التمويل الجماعي الطريق للشركات للإفادة من فرص التمويل، ويلاقي هذا القطاع إقبالاً متزايداً إذ بحسب ستاتيستا من المتوقع أن يصل معدل النمو السنوي المركب بين عامي 2024 و2028 إلى 4.30 في المئة.
الفنتك والتجارة العالمية
وقال كبير مسؤولي الاستدامة في «أنت انترناشونال»، ليمينغ تشان للـCNN الاقتصادية «ندرك أن الشركات الصغيرة والمتوسطة في الكثير من البلدان النامية، بما في ذلك السعودية، تحتاج إلى الكثير من المساعدة لتمكينها من القيام بالتجارة العالمية، لذلك ينصب تركيزنا حقاً على الشمول المالي وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة، والسعودية تتمتع بإمكانات هائلة، وسوق كبيرة، وسكان من الشباب البارعين في مجال التكنولوجيا، ووفرة في الفرص».
ويلعب التقاطع بين التكنولوجيا المالية والمدفوعات عبر الحدود دوراً حاسماً في تعزيز التجارة الدولية والاندماج الاقتصادي، إذ تمكن تقنيات البلوك تشين من تطوير حلول مدفوعات أكثر كفاءة وفعالية وبتكلفة أقل، الأمر الذي يضمن دوراً بارزاً للمملكة في هذا القطاع خاصة مع ما تقوم به من مبادرات لتعزيز البنية التحتية والمالية والحضور الرقمي للريال السعودي في منظومة الدفع الرقمي الدولية.
ولتحقيق هذه الأهداف تعمل السعودية على تعزيز الشراكات الدولية والتعاون عبر الحدود مع تقديم دعم كامل لشركات التكنولوجيا المالية لتكون أكثر كفاءة وقدرة على التكيف في السوق العالمية.