انطلقت زيارة الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، إلى نيودلهي رسمياً اليوم الاثنين، لتسلط الضوء على تاريخ العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والهند، وآفاق التعاون المستقبلي.

وبحث الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان والوفد المرافق له منذ وصوله مجمل العلاقات الثنائية في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ضمن محادثات رسمية مع ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، في قصر حيدر آباد في نيودلهي.

وقال ناصر السعيدي، رئيس شركة ناصر السعيدي وشركاه، في تعليقاته لـCNN الاقتصادية، «من المرجح أن تتمحور المناقشات حول مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية والتكنولوجيا والخدمات المصرفية والمالية».

وتشمل الاتفاقيات والشراكات مختلف المجالات الحيوية ذات الاهتمام المشترك في القطاعين العام والخاص، وفي ما يلي نظرة على أهم الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة حتى الآن، والمتوقعة في ضوء مشاركة أعضاء الوفد المرافق في المحادثات والمفاوضات.

الوفد المرافق.. تأكيد على أهداف الزيارة الاقتصادية

قال احتشام شاهد، محلل وباحث مقيم في الإمارات، في تصريحاته لـ«CNN الاقتصادية»، «تعد زيارة ولي عهد أبوظبي إلى الهند هي الأكثر حضوراً بالنظر إلى الوفد المرافق له»، مضيفاً أن وجود وزراء مثل الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والتعاون الدولي والاستثمار يقترح اتفاقيات تعاون في هذه المجالات.

وأضاف شاهد «يضم الوفد أيضاً كبار المسؤولين في جهاز الشؤون التنفيذية في أبوظبي، ودائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، والمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، ما يسلط الضوء على تعزيز الشراكة الاقتصادية والتآزر الاستثماري بين الجانبين».

ويُرافق الشيخ خالد بن محمد بن زايد وفد رسمي يضم د. سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، ود. ثاني بن أحمد الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية، وريم بنت إبراهيم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، ومحمد حسن السويدي، وزير الاستثمار، وخلدون خليفة المبارك، رئيس جهاز الشؤون التنفيذية، وأحمد جاسم الزعابي، رئيس دائرة التنمية الاقتصادية بأبوظبي، وسيف سعيد غباش، الأمين العام للمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي.

ونظراً لما يمثله هذا الوفد لعدد من الهيئات والمجالات المتنوعة، توقع شاهد المزيد من المشاركات في هذه المجالات والمناقشات حول الاتجاه المستقبلي للاتفاقيات التجارية مثل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA).

اتفاقيات الصناعة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة

تعكس مشاركة الدكتور سلطان بن أحمد الجابر الذي يرأس وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، أهمية ملف الشراكات في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والصناعة الرقمية، فضلاً عن ملفات تغير المناخ والطاقة المتجددة باعتباره الرئيس المعين لمؤتمر كوب 28 للمناخ.

كذلك يشغل د. سلطان الجابر منصب العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، وفي هذا الصدد، وقعت أدنوك اتفاقية مدتها 15 سنة لتوريد الغاز الطبيعي المسال مع مؤسسة النفط الهندية المحدودة، بهدف توريد مليون طن متري سنوياً من الغاز الطبيعي المسال بصورة أساسية من مشروع الرويس للغاز الطبيعي المسال منخفض الانبعاثات التابع له.

كما وقعت أدنوك اتفاقية مع شركة الاحتياطيات البترولية الاستراتيجية الهندية المحدودة لتمديد اتفاقية تخزين وإدارة النفط الحالية والمساهمة في دعم أمن الطاقة في الهند.

كذلك وقّعت شركة الاستثمارات «القابضة إيه دي كيو»، مذكرة تفاهم مع وزارة الصناعات الغذائية في الهند لإنشاء مجمع للصناعة الغذائية والزراعية في ولاية غوجارات الهندية، من خلال توظيف أحدث الوسائل التكنولوجية المتطورة والمبتكرة في قطاع الصناعة الغذائية.

وأبرمت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية اتفاقية شراكة استراتيجية مع شركة الطاقة النووية الهندية لدعم جهود تبادل الخبرات والمعارف في جميع مجالات تطوير حلول الطاقة النووية، من خلال القدرات والمرافق النووية المتطورة التي تحظى بها دولة الإمارات.

ونظراً لأن الهند تعد من أسرع الاقتصادات نمواً في مجالات التكنولوجيا، وهناك فرص كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والابتكار الصناعي، يتوقع أن تناقش إنشاء مشاريع مشتركة أو استثمارات إماراتية جديدة في هذا المجال داخل الهند.

كذلك تعتبر الإمارات من الدول الرائدة عالمياً في مجال الطاقة المتجددة، ومع توجه الهند نحو زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، تظل المحادثات الثنائية حول تعزيز التعاون في هذا القطاع مطروحة خلال الزيارة، خاصة أن الهند لديها خطط طموحة لتوسيع اعتمادها على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو مجال تتفوق فيه الشركات الإماراتية.

مناقشات التجارة الثنائية المتوقعة

تبرز مشاركة د. ثاني بن أحمد الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية، وريم بنت إبراهيم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي في الزيارة، وقد تشمل المناقشات المحتملة زيادة حجم الصادرات الإماراتية إلى الهند، خاصة في مجالات النفط، والبتروكيماويات، والمنتجات الغذائية، كما قد تناقش إزالة العقبات الجمركية أو تحسين سلاسل التوريد بين البلدين لتعزيز حركة التجارة.

وتصنف الهند كأحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للإمارات، ويتوقع أن يتجاوز التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين الـ100 مليار دولار بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن يتم خلال الزيارة بحث سبل تعزيز التجارة البينية.

ويرى السعيدي، الخبير الاقتصادي، أن مناقشة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEEC) ستبرز بين أهم المحادثات المنتظرة، إذ تشير التقارير الأولية إلى أنه يجري إعداد بوابة إلكترونية تسمح بتخليص الموانئ وتسهيلات الدفع لإطلاقها في نهاية عام 2024، وهذا من شأنه أن يسمح بـحركات سلسة عبر الحدود لنقل البضائع.

وارتفع إجمالي التجارة غير النفطية بين البلدين بنسبة 3.94 في المئة من 51.4 مليار دولار في عام 2022 إلى 53.4 مليار دولار في عام 2023.

التعاون المالي والتنمية الاقتصادية

تشير مشاركة أحمد جاسم الزعابي، رئيس دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، إلى احتمالية مناقشة تعزيز التعاون المالي والاقتصادي بين البلدين، خاصة أن أبوظبي تُعد مركزاً مالياً عالمياً، وقد تجذب الشركات الهندية للاستفادة من البنية التحتية المالية المتقدمة في الإمارات.

ورجح السعيدي، أن تبرز مناقشات التعاون في أنظمة الدفع على جدول الأعمال، بجانب محادثات حول دفعات مقدمة بالعملة المحلية (أي السماح للمصدرين والمستوردين بإعداد الفواتير والدفع بعملاتهم المحلية)، والذي من شأنه أن يسمح بمقاصة وتسوية المدفوعات بالدرهم الإماراتي والروبية الهندية.

وتشمل الأمثلة على ذلك إطلاق تطبيق UPI في الإمارات هذا العام لتسهيل الدفع السلس للسياح الهنود، كما يسمح للهنود غير المقيمين الذين لديهم حسابات مصرفية هندية، بحسب السعيدي الذي أضاف أنه من المتوقع أيضاً استكشاف البلدين لإمكانية التشغيل البيني لمشاريع العملات الرقمية للبنوك المركزية.

وقال السعيدي لـCNN الاقتصادية، «سيؤدي التكامل الأكبر لأنظمة الدفع إلى زيادة الاستثمار الثنائي وتدفقات رأس المال لصالح البلدين»، مشيراً إلى وجود فرصة لإدراج الشركات الهندية في بورصات الإمارات كجزء من المحادثات المنتظرة.

وفي هذا الصدد، يمكن أن تشهد المحادثات بين الطرفين تفاوضاً على فتح مزيد من فروع البنوك الإماراتية في الهند أو تأسيس شركات مالية مشتركة لدعم الاستثمارات المتبادلة.

الاستثمارات المتبادلة.. انطلاقة جديدة في الأفق

يعد ملف الاستثمارات الثنائية مطروحاً بقوة خلال الزيارة خاصة في ظل وجود محمد حسن السويدي وزير الاستثمار، ومن المتوقع بحث فرص الاستثمار في الهند، خصوصاً في البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والرعاية الصحية.

وخلال زيارة رئيس الوزراء الهندي مودي إلى الإمارات لأول مرة، أنشأت الإمارات صندوقاً سيادياً بقيمة 75 مليار دولار للبنية التحتية في الهند، وقامت بتوسيع التعاون الاستراتيجي في قطاع الأمن الغذائي من خلال إنشاء ممر غذائي بين الدولتين.

ويرى الخبراء الذين تحدثت معهم «CNN الاقتصادية»، أنه منذ ذلك الحين تباينت وتيرة الاستثمارات الفعلية، إذ واجهت بعض المشاريع تأخيرات أو تغييرات في الأولوية، لذا من المتوقع أن تستمر المناقشات الجارية لاستكشاف تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية وتحقيق هذه الأهداف الاستثمارية، وتطوير الاتفاقيات الخاصة بالبنية التحتية في الهند.

وقال ناصر السعيدي، «تتمتع الإمارات بميزة نسبية وخبرة في تطوير البنية التحتية الأساسية، والشبكات والأنظمة التي توفر الخدمات الأساسية، والتي تمكن وتسهل النشاط الاقتصادي، وحركة أو تخزين البضائع، والمياه، والطاقة بما في ذلك الطاقة المتجددة، والبيانات،ومراكز البيانات المستدامة».

وتجاوزت الاستثمارات الإماراتية في الهند 16.2 مليار دولار خلال الفترة من 2019 حتى 2023، فيما بلغت الاستثمارات الهندية في الإمارات نحو 7.7 مليار دولار خلال الفترة نفسها، وتشمل أهم قطاعات الاستثمارات الإماراتية في الهند الطاقة المتجددة والمعادن والبرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والمواد الكيميائية وتصنيع المعدات الأصلية للسيارات.