كشفت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني مؤخراً عن توقعاتها الإيجابية بشأن النمو الاقتصادي غير النفطي في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من عام 2025 إلى عام 2027، مشيرة إلى استمرار التحسن القوي بفضل رؤية 2030 والمشاريع الكبرى التي تدعم هذا التحول.
يعكس التفاؤل من قِبل الوكالة ثقة في الجهود السعودية لتنويع الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة في مختلف القطاعات، بعيداً عن الاعتماد على النفط.
وفقاً لتقرير وكالة «موديز»، يُتوقع أن يتراوح معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في السعودية بين 5.0% و5.5% خلال الفترة من 2025 إلى 2027.. هذه الأرقام تمثل زيادة ملحوظة مقارنة بمعدلات النمو التي سُجلت في السنوات الماضية، حيث كان متوسط النمو خلال الفترة من 2022 إلى 2023 نحو 4.6% فقط، فيما بلغ معدل النمو بين عامي 2017 و2019 نحو 1.5%، وتأتي هذه التوقعات دليلاً قوياً على نجاح المملكة في جهودها المستمرة لتنويع مصادر الدخل من خلال رؤية 2030.
ومن ناحية أخرى، توقعت «موديز» أن يظل الإنفاق الحكومي السعودي مرتفعاً، حيث سيتراوح بين 30% و32% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات القادمة.. هذا الإنفاق الكبير سيُسهم بشكل كبير في تحفيز النمو الاقتصادي غير النفطي، ما يعزز التنمية في مختلف القطاعات ويسهم في توفير المزيد من فرص العمل للشباب السعودي.
إلّا أن «موديز» حذّرت من أن تراجع أسعار النفط أو انخفاض الإنتاج قد يعرّض الاقتصاد السعودي لضغوط مالية، ما قد يجبر الحكومة على خفض الإنفاق أو تعزيز الإيرادات غير النفطية لتجنب حدوث عجز مالي كبير.
وبحسب التقرير، يُتوقع أن تشهد المملكة عجزاً مالياً يتراوح بين 2.5% و3.0% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 2025 إلى 2027، مع احتمال ارتفاع الدين العام إلى نحو 32% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027.
أشار أشهر سليم، نائب الرئيس الأول في شركة «كامكو إنفست» السعودية، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، إلى أن «التوقعات الإيجابية التي أصدرتها وكالة موديز تُعد شهادة نجاح على خطة المملكة لتنويع اقتصادها، وقد أسهمت هذه الجهود في خلق العديد من الوظائف في قطاعات جديدة، مثل الضيافة، والرياضة، والذكاء الاصطناعي، وتجارة التجزئة المتخصصة.»
تأثير التوقعات على القطاع غير النفطي
التوقعات الإيجابية التي أصدرتها «موديز» تعكس أهمية الاستثمارات الكبيرة التي تضخها الحكومة السعودية في القطاع غير النفطي.. ومن ضمن القطاعات التي تلقت دعماً كبيراً، نجد قطاع السياحة والضيافة، أحد المحاور الرئيسية في رؤية 2030.. هذه الاستثمارات تهدف إلى خلق اقتصاد مستدام ومتنوع، ويظهر نجاحها من خلال الأرقام التي سجلت في انخفاض معدل البطالة في المملكة، حيث انخفضت نسبة البطالة بين السعوديين إلى 7.1% في الربع الثاني من عام 2024، وهي واحدة من أدنى النسب التي شهدتها المملكة في السنوات الأخيرة.
السياحة كمحرك للنمو الاقتصادي
يُعد قطاع السياحة جزءاً أساسياً من رؤية 2030، وهو من القطاعات التي تلعب دوراً كبيراً في تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة.
وفقاً لتقرير «موديز»، فإن استثمارات المملكة في هذا القطاع تسهم بشكل فعّال في تعزيز الإيرادات غير النفطية وتوفير بيئة اقتصادية مستدامة، وتشمل هذه الاستثمارات مشاريع كبرى مثل «مشروع البحر الأحمر»، الذي يُعتبر أحد أهم المشاريع السياحية الرائدة في المملكة.
خلال مقابلات أجريتها مع عدة شخصيات رئيسية في قطاع السياحة والضيافة في المملكة، أوضح الدكتور فهد بن مشيط، الرئيس التنفيذي لشركة «أسفار»، لـCNN الاقتصادية أن «رؤية 2030 ركّزت بشكلٍ كبير على تطوير قطاع السياحة كمصدر دخل غير نفطي للمملكة.. نحن في شركة أسفار نعمل على تطوير وجهات سياحية في المدن الواعدة مثل الباحة وينبع والطائف، التي تمتاز بجمال طبيعي وتنوع جغرافي يجعلها جاذبة للسياح المحليين والدوليين»، كما أكد أن شركته تعمل على إبراز التنوع الثقافي والجغرافي في المملكة لتوفير تجارب سياحية متنوعة على مدار العام.
بالإضافة إلى ذلك، في حديثي مع غريغ دجيرجيان، رئيس الاستثمار والشؤون القانونية في «مشروع البحر الأحمر»، أكد لـCNN الاقتصادية أن «المملكة تسعى لتصبح وجهة سياحية رئيسية على مستوى العالم.
مشروع البحر الأحمر يُعد من أكبر المشاريع التي تهدف إلى تحقيق هذا الهدف، ونحن الآن في مرحلة التشغيل الفعلي، حيث تم افتتاح عدة فنادق فاخرة مثل ‘Six Senses’ و’St. Regis’ و’Ritz Carlton’، مع خطط لافتتاح المزيد من المنشآت السياحية قريباً».
وأضاف دجيرجيان أن «المملكة لا تزال تستثمر بشكل مكثف في مشاريع السياحة، مثل مشروع (أمالا) الذي يركّز على العافية والصحة.. هذه المشاريع ستسهم في تعزيز مكانة السعودية كوجهة سياحية فاخرة، وتجذب السياح من مختلف أنحاء العالم».
الاستثمارات في قطاع السياحة تعتبر حجر الزاوية في استراتيجية المملكة لتحقيق التنوع الاقتصادي.. وتأتي المشاريع الكبرى مثل «مشروع البحر الأحمر» و«أمالا» كأمثلة على كيفية استخدام المملكة لمواردها الطبيعية والبنية التحتية المتقدمة لجذب السياح وتحقيق النمو الاقتصادي.
التحديات المالية والفرص المستقبلية
رغم التفاؤل الكبير الذي أبدته «موديز»، فإن هناك تحديات قد تواجه الاقتصاد السعودي، خاصة إذا انخفضت أسعار النفط أو تراجعت مستويات الإنتاج.. في حال حدوث ذلك، قد تضطر المملكة إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية بشكلٍ أكبر أو تقليص الإنفاق الحكومي لتجنب تفاقم العجز المالي.
ومع ذلك، تظل الفرص المستقبلية واعدة، خاصة مع استمرار الاستثمار في مشاريع رؤية 2030 التي تهدف إلى تحقيق نمو مستدام في القطاعات غير النفطية، ويتوقع أن تلعب هذه المشاريع دوراً رئيسياً في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
تُظهر توقعات «موديز» الإيجابية للنمو غير النفطي في المملكة العربية السعودية مدى النجاح الذي حققته رؤية 2030 في تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط؛ من خلال تطوير قطاعات جديدة مثل السياحة، وتعزيز الاستثمارات في المشاريع الكبرى، تسعى المملكة إلى خلق بيئة اقتصادية مستدامة توفر فرص عمل جديدة وتدعم النمو على المدى الطويل.