شهدت الإمارات مؤخراً تسارعاً في افتتاح المكاتب العائلية الإقليمية، حيث أعلن أغنى رجل في إفريقيا، أليكو دانغوتي الذي تقدر ثروته بـ13.2 مليار دولار، عزمه تأسيس مكتب عائلي له في دبي، كما قام مؤسس أبولو لإدارة الأصول والثروات، ليون بلاك الذي تُقدر ثروته بـ14 مليار دولار، بافتتاح فرع لمكتب عائلته، Elysium Management، في سوق أبوظبي العالمية، بالإضافة إلى إقامة مكتب عائلي للمستثمر المعروف راي داليو، ما يعزز قائمة المكاتب الموجودة حالياً في كل من سوق أبوظبي العالمية وسوق دبي المالية العالمية.
وقالت بسيرتا داني الرئيس التنفيذي لشركة هجمدال Hejmdal والمستشار لمنصة سيمبل Simple المتخصصة في تقديم الحلول والتكنولوجيات للمكاتب العائلية لـCNN الاقتصادية إن الإمارات تحولت إلى الملاذ الآمن للاستثمار وإن الشرق الأوسط، منطقة ثرية جداً بالعالم، فهناك الأموال التي توظفها كل من السعودية والإمارات إلى جانب الثروات الوافدة من الصراعات الجيوسياسية مثل روسيا وأوروبا الوسطى.
وأفادت بأن هناك نحو 6000 ملياردير في المنطقة، ويعتبر ذلك زيادة بنسبة 25% في السنوات الأربع الماضية، «ومن المتوقع أن تجتذب السعودية نحو 72 مليارديراً و42 في الإمارات و200 ألف مليونير في قطر» وفق توقعات نايت فرانك لعام 2029.
ولفتت إلى أن تحولات جذرية تحدد اتجاه الثروات والأموال اليوم «لا أحد يريد الذهاب إلى البنوك بعد الآن؛ لأنهم لن يحصلوا على صفقة جيدة، ويتطلع الجميع ورواد الأعمال إلى المكاتب العائلية»، وشرحت أنه منذ جائحة كوفيد تصارع صناديق الاستثمار المغامر في إيجاد سبل التخارج للشركات.
وعزت السبب في ذلك لكون «التخارج يستغرق في المكاتب العائلية وقتاً أطول بكثير من الصناديق المغامرة إلى جانب العلاقة الأوثق بالعائلة»، فليس من مصلحة مكتب العائلة بيع الشركة في أسرع وقت ممكن، ولكن من مصلحته تنمية الشركة عضوياً للتأكد من أنها مربحة ومن ثَمَّ بيعها، لذلك «نحن نرى مكاتب عائلية تساعد بشكل أساسي على تجاوز الشركة العائلية لتصبح عائلة تجارية».
الأسباب الموجبة
ولفت عبيدة أيتون مدير الظبي هولدنغ Dhabi Holding Obeidah Ayton ومؤسس قمة الشركات العائلية في أبوظبي ADFO إلى أنه بسبب انخفاض الإنفاق الاستهلاكي في أوروبا ترى المكاتب العائلية في الإمارات منصة عظيمة تجمع بين الشرق والغرب للتصافح والصداقة والبحث عن الفرص، فبحكم الموقع الجغرافي للإمارات يسهل وصول المكاتب العائلية إلى أسواق جديدة كالهند والصين وشرق آسيا.
وأضاف أن الإمارات سارية في الاتجاه الصحيح، حيث تقوم الشركات العائلية بتوطين مؤسستها في الإمارات، وذلك بفضل النظام البيئي التكاملي الذي سعت الإمارات إلى تحقيقه من خلال سلطات قضائية في المناطق الحرة كمركز دبي المالي العالمي، ومركز أبوظبي العالمي اللذين نجحا في بناء سمعة دولية موثوقة لناحية شفافية وتحفيزات النظم والقوانين بهدف استقطاب مديري مَحافظ الثروات العائلية الذي يقوم دوره على كسب المال للعائلة بعيداً عن الدخل التقليدي للشركات العائلية من خلال مجموعة أعمالها التقليدية.
وأضاف «الكثيرون حول العالم يحترمون هذه الولايات القضائية Juridiction كمصدر موثوق لإطلاق صندوق، وللحصول على ترخيص من الفئة الثالثة (ج) أو الفئة الرابعة في الإجراءات التنظيمية».
وأكدت داني من جهتها أن الضرائب المرتفعة، لا سيّما في أوروبا الوسطى، مقرونة بالتغيير المتواصل للتشريعات المرافقة -مستشهدة بتبني بريطانيا في سياساتها الضريبية الجديدة وضع «غير المقيم» الذي يفرض على المقيمين جزئياً ضريبة بنسبة 45 في المئة على الدخل- دفعت أصحاب الثروات إلى الفرار إلى الإمارات التي توفر حوافز أكبر وتنفرد بنمط استثنائي للحياة.
المشوار لا يزال طويلاً
ولفت أيتون إلى أن المكاتب العائلية في الشرق الأوسط تتعرض للإفراط في الاستخدام، «كوننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد»، لافتاً إلى وجود نحو 30 أو 35 مكتباً عائلياً حقيقياً في الإمارات العربية المتحدة، ومتوقعاً نمواً متسارعاً لهذا القطاع بسبب النظم المالية والضريبية المحفزة.
يُذكر أن وزارة المالية الإماراتية أعلنت في الخامس من أكتوبر الجاري عن إعفاء خدمات إدارة صناديق الاستثمار من ضريبة القيمة المضافة، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تحفيز النمو في هذا القطاع الحيوي وتعزيز جاذبية الإمارات كمركز استثماري عالمي، ما يؤكد التزام الدولة بتقديم بيئة اقتصادية مشجعة للأعمال والاستثمارات.
وأعربت داني أن المناخ الاستثماري والرؤية الاستباقية لفرص الاستثمار في الرقمنة والذكاء الاصطناعي والطاقة النووية لتأمين الانتقال الأخضر المنشود يفتحان نوافذ جديدة للمستثمر الأجنبي للاستفادة والقدوم، معربة أنه «من الواضح أن كل ما يفعلونه في الشرق الأوسط ينجح؛ لأنهم اعتقدوا أنهم كلما جمعوا ثروات أكثر استثمروها بذكاء أكبر».
وناشدت داني بضرورة تكثيف اللقاءات والحوارات لإخراج المكاتب العائلية من الطابع السري المتأصل في وجودها بهدف تحقيق الفائدة القصوى من الفرص المتاحة.
وتُعتبر الشركات العائلية العمود الفقري للاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط؛ فهي تسهم بتوظيف نحو 80 في المئة من القُوى العاملة، وتسهم بنحو 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وفق مشروع بحثي بين جامعة نيويورك ومنتدى ثروات الشركات العائلية.
هذا ووصلت قيمة الأصول المدارة لدى مركز دبي المالي العالمي إلى نحو 700 مليار دولار، وهو يضم قرابة 600 كيان نشط بالأعمال العائلية، وأكثر من 120 من أغنى العائلات والأفراد في العالم بثروة إجمالية تتجاوز 1.2 تريليون دولار في يوليو 2024.
أما سوق أبوظبي العالمية فشهدت نمواً في حجم الأصول المدارة بنسب 211 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي، ونحو 1950 شركة عاملة.