في ظل الصراعات المتصاعدة في المنطقة خاصة بقطاع غزة ولبنان، وفي وقت تلوح فيه بوادر تباطؤ اقتصادي عالمي، تظل منطقة مجلس التعاون الخليجي (GCC) محط أنظار المستثمرين العالميين مع تتطلع دول المجلس إلى ترسيخ دعائم اقتصاد مستدام ومتنوع، ورغم التوترات الإقليمية والضغوط الاقتصادية تبرز دول الخليج كساحة جاذبة للاستثمارات، مدعومة بسياسات اقتصادية طموحة وصناديق ثروة سيادية تعمل على تعزيز البنية التحتية ودفع عجلة التنمية المستدامة.
فرص التحول نحو اقتصاد أخضر ومستدام
وقال رئيس قسم الخدمات المصرفية بالجملة في بنك آي إن خي، أندرو بيستر لـ CNN الاقتصادية على هامش مبادرة مستقبل الاستثمار إن منطقة الخليج تقدم فرصاً واسعة للنمو في التمويل الأخضر والتحول نحو الاستدامة.
وأشار بيستر إلى أن هناك تحولاً ملحوظاً في القطاع المالي، إذ بدأت الاستثمارات تتحول من التمويل التقليدي إلى تمويل صديق للبيئة وأكثر استدامة، هذا التحول -كما يصفه- يسهم في تقليل البصمة الكربونية عبر الصناعات، مع وجود فرص كبيرة للنمو في مجالات مثل النقل والخدمات اللوجستية والبنية التحتية.
وأضاف بيستر «الطلب على الطاقة النظيفة والمتجددة يزداد باستمرار، ودول الخليج تتمتع بموقع مثالي للاستفادة من هذا التحول»، معقباً أن هذه الجهود تسهم في توفير طاقة بأسعار معقولة مع الحفاظ على البيئة.
وفي ظل تركيز صناديق الثروة السيادية في المنطقة على استثمارات تدعم التنمية طويلة الأمد، يؤكد بيستر أن هذه الصناديق لا تسهم فقط في دعم الاقتصاد المحلي، بل تؤثر بشكل كبير أيضاً على الاستثمارات في البنية التحتية عالمياً، ما يضع دول الخليج في موقع الريادة في هذا المجال.
وأوضح بيستر أن «دور صناديق الثروة السيادية لم يعد محصوراً في ضخ الأموال، بل يتجاوز ذلك إلى توجيه الاستثمارات نحو قطاعات تؤسس لمستقبل مستدام»، مشدداً على أن ذلك يعزز من دور الخليج كقطب اقتصادي عالمي.
قطاعات محورية تدعم التنويع الاقتصادي
من جانبه، يرى نائب رئيس مجلس الإدارة في إنفستكورب، ريشي كابور أن هناك قطاعات اقتصادية محددة في منطقة الخليج تشهد إقبالاً متزايداً من المستثمرين.
وبيّن كابور لـ CNN الاقتصادية أن التنويع الاقتصادي، الذي تسعى إليه دول الخليج بشكل جاد، أدى إلى زيادة الاهتمام بقطاعات مثل خدمات الأعمال المعتمدة على التكنولوجيا والرعاية الصحية والبنية التحتية.
وقال كابور «التكنولوجيا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من عمليات التحول الاقتصادي في المنطقة، مع تركيز الحكومات على تبني حلول رقمية وتطوير البنية التحتية الذكية»، مشيراً إلى أن هذه الاستثمارات لا تقتصر على البنية التحتية الصلبة مثل الطرق والمطارات، بل تشمل أيضاً بناء بنية تحتية رقمية تواكب التطور وتدعم الأجيال القادمة.
وبحسب كابور، فإن السعودية تمتلك الإمكانيات اللازمة لتكون وجهة استثمارية رئيسية بفضل قاعدتها السكانية الكبيرة، ومواردها الاقتصادية، وتركيبتها السكانية الشابة، كما أن الإمارات، بفضل رؤيتها المستقبلية، تعمل على تعزيز قطاعات اقتصادية مبتكرة ستكون حجر الأساس في الاقتصاد المستقبلي.
ويشير إلى أن التنوع الاقتصادي يجعل السعودية والإمارات في مقدمة الوجهات الاستثمارية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية.
رؤية آركابيتا للاستثمار في الخليج
كما تحدث رئيس علاقات المستثمرين في مجموعة آركابيتا، أحمد الشيراوي لـ CNN الاقتصادية عن استراتيجيات الاستثمار في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، وأكد أن الظروف الاقتصادية العالمية المتغيرة تؤثر بلا شك على الاقتصادات في مختلف الدول، لكن دول الخليج استطاعت أن تعزز مناعة اقتصاداتها بفضل سياسات التنويع والبنية التحتية المتينة.
وقال الشيراوي «نحن ننظر إلى منطقة الخليج بتفاؤل كبير، فهذه المنطقة تمتلك مقومات اقتصادية وبنية تحتية تجعلها وجهة جذابة للاستثمارات رغم التحديات العالمية».
وأوضح الشيراوي أن آركابيتا، التي تتخصص في الاستثمارات البديلة، لديها مكاتب في البحرين والسعودية، وتستثمر بشكل فعال في المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات.
وأشار إلى أن الشركة تركز على الاستثمارات الخاصة في قطاعي العقارات والخدمات الأساسية التي لا يمكن للشركات الاستغناء عنها، بما في ذلك اللوجستيات والمخازن الصناعية.
وأضاف الشيراوي «هناك طلب متزايد على البنية التحتية اللوجستية في الخليج، وهذا يجعل قطاع المخازن الصناعية على رأس أولوياتنا الاستثمارية»، موضحاً أن هذا القطاع يلبي احتياجات النمو الاقتصادي في المنطقة.
كما أشار الشيراوي إلى أن صناديق الثروة السيادية في الخليج، وخاصة في السعودية والإمارات، تلعب دوراً أساسياً في توجيه الاستثمارات نحو قطاعات استراتيجية تدعم رؤية المنطقة الاقتصادية المستقبلية.
وقال الشيراوي «نحن نؤمن بأن دول الخليج تمتلك إمكانات فريدة تجعلها قادرة على جذب استثمارات كبيرة من مختلف أنحاء العالم، وأن استراتيجيات التنويع الاقتصادي في المنطقة ستكون محركاً رئيسياً للنمو خلال العقود المقبلة».
باختصار، وبينما تتأرجح الاستثمارات العالمية تحت وطأة الاضطرابات السياسية والضغوط الاقتصادية، تبقى دول مجلس التعاون الخليجي وجهةً للاستثمارات التي تستهدف المستقبل، بفضل رؤية واضحة للاستدامة والتنوع الاقتصادي، إلى جانب دعم صناديق الثروة السيادية التي تضع المنطقة في مقدمة الاقتصاد العالمي.